علماء آثار عرب واوروبيون : استمرار الحروب سيؤدي إلى إختفاء مدن ومواقع أثرية كاملة
لندن … يتألم المرء عند مشاهدة الآثار الحضارية في العراق وسوريا، وهي تدمر وتسرق. ويشعر بالحزن على ضياع إرث حضاري طالما قدم للإنسانية كنوزا من المعرفة والعلم في كل المجالات. لكن سرعان ما يكتشف أن الجميع مسؤول عما يحدث، لعدم معرفتنا بأهمية هذه الكنوز التي تمثل جزءا من هويتنا ووجودنا.
وقد يقول البعض ان البشر يموتون ولا أحد يدافع عنه أو يحميه فكيف نحمي حجرا عمره آلاف السنين؟ ولكن هل يمكن ان تبرر الجرائم ضد الإنسانية والحضارة والارث الثقافي الإنساني الذي لا يخص بلدا أو شعبا بعينه بل يشكل جزءا من ضمير العالم؟
«القدس العربي» استطلعت آراء عدد من علماء الآثار، في الابعاد الحقيقية لما يحدث من تدمير ونهب لحق بالآثار العراقية والسورية وكيف يمكن حماية ما تبقى من خلال نشر الوعي على نطاق واسع بأهمية التراث الحضاري والإنساني للعالم بأسره.
نفتقر للوعي
لمياء الكيلاني خبيرة الآثار، عراقية متحصلة على زمالات فخرية من أكثر من جامعة بريطانية وأمريكية. عملت في المتحف العراقي من سنة61 19 إلى 1968 وتشارك في محاضرات وندوات تخص الآثار العراقية وضرورة حمايتها تقول لـ«القدس العربي»: هناك فصل في حضارتنا بين حضارة الإسلام والحضارات السابقة. نحن نعتبر ان أي شيء قبل الإسلام غير جيد للأسف. لا يوجد لدينا وعي بأن الآثار القديمة أيضا هي لنا ونحن وارثين لها ولحضارة الإسلام أيضا. منذ الصغر نسمع بالجاهلية، لم ننجح في ان ننمي روح الالتزام والارتباط بالحضارات القديمة على انها ملكنا وتاريخنا. لم نحتضن تراثنا وتاريخنا وحضارتنا بالشكل المطلوب والمؤسسات التعليمية والثقافية لم تنجح في جلب الناس للاهتمام بالحضارة الإنسانية. وتضيف:
في العراق اليوم نهضة جديدة حيث ارسل لي مجموعة من الطلبة العراقيين هم طلبة ماجستير ودكتوراه يريدون ان يفعلو شيئا لحماية الآثار في العراق. هي بادرة جديدة الناس بدأت تتقبلها بشكل ما زال محدودا لكن في مجتمعاتنا ما زلنا نسمي التماثيل أصناما. وعن حماية الآثار تقول: لا تكفي ان تقوم مديرية الآثار في العراق بحماية المواقع الأثرية هذا عمل صعب جدا لأن العراق بلد كبير جدا والآثار عددها أكثر من الناس لا تحصى ولاتعد لكثرتها. والتعاون يجب ان يكون بين الجميع ولن يأتي إلا بالوعي بأهمية الآثار. مشيرة ان الإعلام يجب ان يركز على صور الآثار والمعالم الأثرية وهذا يساعد الناس على فهم تاريخنا وهويتنا. هناك بادرة مهمة تحدث في العراق خاصة بعد عمليات النهب التي حصلت في عام 2003 طلب من الناس ان أي شخص لديه الآثار ان يعيدها ولن يسلم للشرطة ولن يحاسب بل سيكافئ اذا أعاد القطع الأثرية وبذلك تمكن العراق من إعادة 1195 من الآثار قديمة استلمتها هيئة المختصة من الناس.
وتضيف: لا توجد معلومات دقيقة حول ما خرج من العراق عن طريق «داعش». قبل اسبوعين وجدوا عند شخص يدعى ابن سياف وهو مسؤول في «داعش» قتله الأمريكان آثارا وأعادوها للمتحف فورا.
أما عن امكانية إعادة بناء القطع المدمرة وترميمها فقالت الكيلاني:
لا يمكن ترميم وإعادة القطع التي تم تدميرها بالكامل. كل المعلومات عن التدمير والسرقة تأتينا من إعلام تنظيم «الدولة» كالفيديوهات وموظفو الحضر الذين كانوا يحمون المواقع طردوا. ما رأيناه في الفيديوهات من التماثيل الكبيرة التي تم تحطيمها يصعب تهريبها فهي ثقيلة ووصولها إلى الأسواق غير القانونية، فهم حطموها لأنهم لا يستطيعون تهريبها وهي دعاية لهم بأن الإسلام ضد الشرك والأصنام. وكان هدفهم أيضا تخويف الناس والغرب ولكن في الوقت نفسه هناك قطع كثيرة أخرى في المتحف لم نرها في الفيديوهات ولا نعرف هل ما زالت موجودة أو سرقت. فيديوهاتهم فيها استفزاز كبير يريدون منا ان نرى ما يريدون هم أن نراه.
وعن الآثار في سوريا قالت: ان سرقة الآثار تحصل من الجانبين وليس من جانب واحد، جماعة الأسد والتنظيم وذلك من أجل التجارة. لو ذهبت إلى الانترنت ستجدين مواقع كـ: «ماري» أو «تل الحريري»، و»اباميا» أو «أفمية» هذه مواقع حفروها حفرا وسرقوها. وهناك مافيات أخرى تشارك في النهب لان الموقع غير محمي.
أما عن موقف الغرب لما يحدث من تدمير وسرقة، فقالت: في الغرب وبريطانيا تحديدا المهتمون بالآثار يقولون إلى الآن لم نر شيئا وصل إلى الأسواق العالمية. وعندما نتحدث عن قطعة أو قطعتين فهذه ليست سرقة الآثار، وهذه القطع لا تصل بشكل سريع، بل تأخذ سنوات. وفي الغرب تجار الآثار المحترمون يخافون ويتجنبون شراء قطع مسروقة خوفا من الضرر بسمعتهم. ونحن هنا اذا عرفنا أن قطعة أثرية تعود للعراق بإمكاننا المطالبة بها وإعادتها وهذا ما حدث بالفعل. تعرفنا على قطعة أثرية عراقية من خلال كاتالوغ «كريستي» قمنا فورا بإخبارهم في نيويورك فقاموا بإزالته وإعادته إلى العراق. طالما نثبت انه لنا وخرج من العراق بعد 1970 فنستطيع إعادته. أما الآثار العراقية الموجودة في المتاحف العالمية فليس لنا الحق بإعادتها لأن أكثر الموجود في المتحف البريطاني جاءت في الفترة العثمانية وكانت عندهم رخصة أو فرمان من الصدر العالي وهي غير مسروقة.
الإعلام لم يكن واضحا من موضوع السرقة ولم يعط القصة كاملة وعجز عن معرفة التفاصيل وأغلبية الإعلام العربي تقاريره عامة غير معمقة ولا توجد معلومات دقيقة.
وعن المطلوب فعله لحماية الآثار تؤكد الكيلاني ان هناك طرقا عديدة لحماية الآثار وأكثرها موجودة في العراق في مناطق القبائل والقبائل هي الأقدر على حمايتها لأنها أدرى بجغرافيا المنطقة. يجب ان يكون هناك تعاون مع العشائر على ذلك ويتم إعطائهم مبالغ مادية لحماية هذه الآثار لما لا؟ هناك أيضا أمر مهم وهو تصوير وتوثيق كل القطع الأثرية حتى لو تم سرقتها أو تحطيمها يمكن معرفتها وتكون مسجلة وفي المستقبل نستطيع البحث عنها والمطالبة بها أو إعادتها.
في الحقيقة فان سكوتلانديارد يرصد بعض السرقات لكنها ليست كثيرة وفي الوقت الحالي يعمل المتحف البريطاني منذ أن بدأ تدمير الآثار في الموصل وبعدها تفجير القصر في نمرود، وبعد ان تم تدمير معظم المراقد في الموصل وهي تتميز بالقبب المخروطية من القرن الثالث عشر والسادس عشر ومن أواخر العهد العباسي يوجد منها في العراق 35 مرقدا في الموصل تم تدمير 12 مرقدا تتميز بالقبة المخروطية. بعد كل هذه الأحداث الأليمة يقوم المتحف البريطاني بالتعاون مع اخصائيين آثاريين عراقيين بإقامة محاضرات وندوات حول الأحداث الأخيرة في العراق والتدمير الذي حل بالآثار وتأثير ذلك على اختفاء مدن ومواقع أثرية والعمل على حمايتها وهذا ما نتمناه من المؤسسات العربية المهتمة بهذا الشأن لنشر الوعي بأهمية التاريخ كجزء لا يتجزأ من الحضارة الإنسانية.
جريمة شنيعة
أميرة البارودي أخصائية الترميم في المتحف المصري الكبير قالت: يشكل تراث الأمم ركيزة أساسية من ركائز هويتها الثقافية، وعنوان اعتزازها بذاتها الحضارية في تاريخها وحاضرها وعاملا مرسخا لحضورها في الساحة الثقافية العالمية. فالتراث الحضاري والثقافي من الممتلكات والكنوز التي تركها الأولون وهي السند المادي للأمم والشعوب التي تستمد من خلالها جــذورها وأصالتها لتضيف لها لبنـات أخـــرى في مسيــرتها الحضارية لتحـافظ على هويتها وأصالتها.
وأضافت: فقدان التراث الثقافي يعني فقدان الذاكرة الجمعية للأمة والشعب والوطن فكيف والحال هكذا يستطيع حل مشكلاته ويصنع مستقبله ويطور ذاته؟ وما تشهده سوريا والعراق من تدمير وسرقة للآثار على يد تنظيم الدولة يمثل جريمة شنيعة غير شرعية بحق الحضارة الإنسانية وحضارة بلاد الشام وبلاد ما بين النهرين أو «الرافدين» والتي هي من أقدم الحضارات التي عرفتها الإنسانية وينذر بمأساة جديدة بحق حضارات جديرة بأن يدافع عنها بكل الوسائل ولا سيما أنها قدمت للبشرية منجزات هامة في عدة ميادين وجسدت على مدى قرون صلة الوصل بين الشرق والغرب.
وتؤكد أميرة البارودي أن الأمر كارثي ومحزن بل مفجع ليس للمتخصصين فحسب وإنما لكل فرد في هذه الأمة. فجرائم سرقات الآثار لا ترتكب ضد جهة بعينها ولكنها ترتكب ضد ضمير أمة بأكملها، ضد تاريخها وتراثها في لا مبالاة مأساوية وغير مسبوقة. فسرقة الآثار تعتبر من أهم مصادر التنظيمات المسلحة. والتقارير العلمية والاستخباراتية تؤكّد أن تنظيم الدولة ينشط في تهريب الآثار وبيعها، وكثير من التفجيرات التي يقوم بها تأتي للتغطية على هذه الجريمة، وقد تعرضت أغلب الأماكن الأثرية إلى سلب ونهب وعمليات بيع تعود على بائعيها بالكثير من الأموال.
الحماية مسؤولية مشتركة، وعنها قالت: حماية الآثار مسؤولية مشتركة بين أفراد المجتمع ومؤسساته إضافة إلى المجتمع الدولي. فكل له دور في حمايه الآثار من النهب والسرقة أو التدمير. وان كانت المسؤولية الأكبر تقع على عاتق الدولة بمؤساستها المختلفة للحد من الفوضى. وسرقة الآثار في كل من سوريا والعراق ومصر وليبيا، يكشف عن إرتباط مافيات محلية بأخرى أجنبية تعمل ضمن تنظيم واحد. فالخارجية منها تطلب الحصول على بعض الآثار بالتحديد، وهو ما يعني أن هؤلاء يدركون جيداً قيمة هذه الكنوز على عكس العملاء المحليون. تجدر الإشارة هنا إلى أن الآثار التي تعرض مدمرة عبر وسائل الإعلام المختلفة، ما هي إلا غطاء لعمليات سرقة كبيرة، يتم من خلالها إيهام الرأي العام بأنّ كلّ ما فُقِد تمّ تدميره، في حين أنّ ما يُدمَّر هو التماثيل الكبيرة التي يصعب نقلها إلى الخارج. وعن ثقافة المحافظة على التراث الحضاري تقول: للأسف في أغلب بلادنا العربية ونتيجة غياب الوعي بقيمة موروثنا الثقافي والتراثي والحضاري والفني وهو ما يترتب عليه جهل الكثير من أفرد المجتمع بقيمة هذا التراث المعنوي والمادي . فالنتيجة الطبيعية هي أن تصبح بعض منها أحيانا مكبا للنفايات. وهنا يأتي دور الإعلام إلى جانب التربية والتعليم والمؤسسات الثقافية ودوائر الثقافة الشعبية والتراث الشعبي والآثار والمتاحف في التعريف بالتراث الحضاري وحماية الهوية الوطنية. ان تخريب كنوز إنسانية لا تقدر بثمن والإضرار بمواقع مهمة ومفصلية في تاريخ بعض الدول هو إضرار بروح الشعب وهويته وجريمة تمس كل أفراد الشعب وتشكل انتهاكا صارخا ينذر بخسارة قد تكون أبدية لبعض مكونات التراث الأثري. أن هذه المعركة المصيرية تستهدف وجود وتاريخ وحضارة هذه الشعوب لذلك يجب أن تعمل الشعوب بكل ما أوتيت من قوة وعلم وإرادة لحماية وإنقاذ تراثها الثقافي الذي يمثل جزءا غاليا من حياتها، فحماية التراث «ليس فقط شأنا ثقافيا ملحا بل ضرورة سياسية وأمنية».
وأضافت: في اعتقادي ان ثمة بعض الإجراءات التي يلزم اتخاذها وتفعيلها من أجل حماية هذا الأرث الحضاري وتتلخص في التالي:
– تجفيف منابع تمويل التنظيمات الإرهابية المسلحة، وتنبغي الأشارة إلى أن هذه التنظيمات تؤمن دخلها من خلال بيع القطع الأثرية المنهوبة.
– يجب على المجتمع الدولي كمجلس الأمن وبعض المنظمات العالمية كمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونيسكو) تقديم دعم مُختلف لهذه الدول لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
– عمل صندوق لحماية تراث دول، من ضمنها العراق وسوريا، التي أدى الصراع والأعمال البربرية بها لتدمير ثقافي أدى لمحو أدلة هامة بشأن جذور تطور البشرية. وتكوين فرق إغاثة من نخبة من علماء الآثار جاهزين لدخول مواقع مدمرة فور استعادتها من قبضة المتشددين.
– تعاون دول الجوار بخصوص منع تهريب الآثار عبر حدودها أو ضبط القطع المسروقة وإعادتها.
مسؤولية جماعية
أما المخرجة والتشكيلية العراقية زينب الجواري فتقول: يعتبر العراق وسوريا مهد للحضارات الإنسانية وهذا التدمير والتخريب انما موجه للإنسان الذي أوجدها. والذي يحدث اليوم انما هو هدم للذات ومحاولة لدثر الصورة والتاريخ الذي رسمته لنا حضارة عمقها آلاف السنين. هذا التخريب سيكون له الأثر العظيم على مستقبل شعوبنا والأجيال المقبلة التي ستجهل ملامح تلك الصروح التي كانت شامخة على مر العصور.
وأضافت: انها جريمة بحق التاريخ والإنسانية واستنزاف لبلاد الحضارات التي تمر بظرف خاص وصعب وينظر لها المختصون بعين الريبة.
حيث أصبحت عمليات السرقة تمارس في وضح النهار ولا تجد لها رادع من قبل الجهات الأمنية في الدول التي تشهد انهيارا في الأمن وليس لها القدرة في السيطرة على مثل هكذا ممارسات.
وأشارت إلى ان المسؤولية يجب ان يتقاسمها الجميع ويجب ان تتظافر الجهود من أجل ردع هذه الظاهرة الجديدة من نوعها على بلادنا العربية
وأيضا بموجب القانون الدولي لحماية الآثار والذي يقتضي حمايتها واعادتها إلى مصدرها الرئيسي وانزال العقوبات على كل من يتداولها. وأيضا تقع على الجهات الأمنية لكل من هذه الدول المسؤولية الكبرى في حماية آثارها من عصابات السرقة الممنهجة من الداخل والخارج. واعتبرت أن الاوضاع غير المستقرة في بلادنا العربية في السنوات الأخيرة الماضية كان لها الأثر الكبير في تردي الخدمات وعدم التركيز على منهجية الحفاظ على الإرث التاريخي والحضاري وغياب دور المؤسسات الكبرى التربوية والتعليمية والصحافة والإعلام في نشر هذه الثقافة أيضا أدى ذلك إلى فقدان المسؤولية وعدم الشعور بأهمية الآثار وقدسيتها للشعوب.
ويقع على الجميع عاتق الحفاظ على الإرث التاريخي وما تركته لنا الأجيال السابقة من حضارات كتبت عنها الدواوين بأحرف من نور. هذه الحضارة اليوم هي أمانة بأيدي شعوبنا وتقع علينا مسؤولية الحفاظ عليها وعدم ترك المجال لسراق الحضارات وسراق التاريخ العبث بها، وان بتدميرها وإزالتها تدمير لإرادة الشعوب ومسخ تاريخها وحضارتها إلى الأبد. وهذا ما لا نسمح به طالما حيينا وسنبقى ننادي بقلب يتنفس لوعة الألم لما يجري: «لا لتدمير إرثنا ولا لتدمير حضارتنا ولا لتدمير تاريخنا» وان لم تكونوا أمناء عليها ايها المسؤولون فأنتم مشتركون في جريمة الدثر والدمار الممنهجة والمخطط لها أيضا.
فقدان الهوية
الدكتور فرانسيسكو تيرادريتي أستاذ علم المصريات في جامعة «كور اينا» (إيطاليا) ومدير البعثة الأثرية الإيطالية إلى الأقصر تحدث لـ«القدس العربي» قائلا:
في كل مرة يتم تدمير نصب تذكاري العالم الإنساني يفقد قطعة من هويته. عمليات التدمير في سوريا والعراق مقلقة حقا، ويمكن أن تؤدي إلى اختفاء كامل للمواقع والمدن الهامة. للأسف ما يجري هو حصيلة كل حرب. يحاول «تنظيم الدولة الإسلامية» تدمير المعالم الأثرية بشكل متعمد. هم يقومون بتدمير النصب وقتل البشر أمام الكاميرات حيث يتابع الناس هذه الجريمة عبر التلفزيون ووسائل التواصل الاجتماعي المتنوعة وذلك بهدف ضرب العالم الغربي في ما نعتبره نحن من أعز القيم التي جاءت بها البشرية والتي لا تقدر بثمن والتي لا يجوز مسها بمكروه وهي حياة الإنسان وهويته.
ويضيف: ان سرقة الآثار هي الشر الذي يؤثر على جميع الدول التي تملكها. البعض من هواة جمع القطع الذين لديهم هاجس ورغبة للحصول على الأشياء القديمة، وهناك مؤسسات ومختصين كذلك لا يزالون حتى الآن يمارسون عمليات الشراء في السوق الأثري. كانت الذريعة انه في كثير من الأحيان من الأفضل الحصول على قطعة أثرية في متحف بدلا من مقتنيات أو مجموعة خاصة. مثلا هذا الموقف هو مفيد فقط لتغذية السوق الأثري. من المطلوب تغيير جذري في الموقف بين المختصين لوضع حد لمنع الاتجار غير المشروع في الآثار.
وبالنسبة لحماية الآثار فأعتبرها مسؤولية فردية وجماعية. في الحالتين لا يمكن إلا أن نتوصل إليها من خلال التعليم المناسب. في إيطاليا لدينا في الوقت الحاضر مستوى جيدا من الوعي بالتراث الثقافي وهناك جهود مستمرة لنشر التوعية بين الشباب. قبل خمسين عاما كان الوضع مختلفا تماما، وكانت الآثار على محمل الجد تحت التهديد. ومنذ ذلك الحين، تم إحراز الكثير لجعل أي مواطن على بينة من أهمية ماضينا. المعارض هي وسيلة جيدة لنشر هذه الثقافة بين الناس. مبادرات مخصصة للأطفال هي أيضا فعالة جدا لخلق وعي جماعي يهدف إلى حماية الآثار.
دمج الآثار بالحياة اليومية
ويعتقد د. فرانسيسكو تيرادريتي أن الآثار مهددة لأسباب عدة ليس فقط لأن لديها قيمة في السوق الأثري فأحيانا المزارعون بحاجة إلى توسيع مجالات عملهم، البعض الآخر يرى أن المدن بحاجة إلى ان تنمو لاستيعاب المواطنين الجدد. في هذه الحالات، يتم التوسع أكثر على حساب المواقع والمقابر القديمة. الأسوأ من ذلك هو إهمال هذه المواقع الأثرية بإعتبارها لدى البعض غير مجدية مما يؤدي بالتأكيد إلى دمارها وضياعها. إن أفضل طريقة لحماية الآثار سيكون في محاولة دمجها في الحياة اليومية. يجب ان لا يكون الاهتمام مقتصرا على زيارة المتاحف أو المواقع الأثرية، ولكن لابد من أن تكون هذه الأماكن الأثرية مكانا للعيش ليشعر الإنسان بعبق التاريخ. عندما أفكر في هذا الأمر دائما يتبادر إلى ذهني المثال الاسباني حيث حولت مبان تاريخية إلى فنادق (بارادوريس) وبالتالي يمكن لأي شخص أن يحجز غرفة. هذا الدمج ضروري جدا ليعيش الإنسان عبق التاريخ.
إدانات لم تتوقف من عالم يعجز عن توفير الحماية للبشر فكيف يستطيع حماية التاريخ؟
وجدان الربيعي