الإسكندرية "المسلة" ….. شهد اليوم الأخير من مؤتمر "مستقبل المجمعات العربية.. المتغيرات والتحديات" الذي تنظمه وحدة الدراسات المستقبلية بمكتبة الإسكندرية في الفترة من 5 إلى 8 سبتمبر الجاري، عدد من الجلسات النقاشية، بدأت بجلسة بعنوان "كيفية إدارة العلاقة الأمريكية الصينية للتنمية الوطنية في المجتمعات العربية"، تحدث خلالها الدكتور باتريك منديس؛ مفوض اللجنة الوطنية الأمريكية لليونسكو.
وقال "منديس" أن المستقبل لا يمكن التنبؤ به؛ مشيًرا إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية وهي من القوي العظمي في العالم لم تستطع أن تتنبأ بأحداث 11 سبتمبر على سبيل المثال، ولكنه من الممكن الاستفادة من تجارب الدول الأخرى في صياغة مستقبل أفضل للمجتمعات العربية، من خلال النظر إلى الماضي لاستشراف المستقبل.
وأشار إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية والصين قوتان اقتصاديتان عظمتان تقودان العالم، عارضًا للتجربة الأميركية التي قال إنها اتخذت من التجارة والسلام هدفًا لها، وارتباطها بالتجربة الصينية التي أصبحت أكثر ثراءً بعد الحربين العالميتين، حيث بدأت الصين في عملية التحرير الاقتصادي والانفتاح الاستراتيجي والنمو السلمي للنهوض باقتصادها، لافتًا إلى أن الصين أصبحت ذات شأن اقتصادي كبير أثناء فترة حكم الرئيس الأمريكي بيل كلينتون.
وأضاف أن البلاد العربية من الممكن أن تستفيد من العلاقة الصينية الأميركية لتتفادى المشكلات التي وقعت فيها البلدين لتكوّن استقرار اقتصادي وتحقق التوازن بينا المصالح الاقتصادية والأمن القومي، وأن هذا لا يعني بالضرورة نسخ التجربة الأمريكية أو الصينية وتطبيقها في العالم العربي، بل الاستفادة منهما، دون تبني جانب ضد جانب. ولفت إلى أن مصر تتميز بأنها دولة إفريقية وعربية في نفس الوقت، وتجمع بين الأصالة والحداثة، بالإضافة إلى موقعها الجغرافي المميز وتراثها الثقافي الثري، كل تلك العوامل تمكنها من الوصول إلى تحقيق حلمها الخاص بالاستفادة مما قد تقدمه لها تجارب التيارات السابقة التي تشكل العالم.
وفي جلسة أخرى، تحدث كل من الدكتور خالد ميار الإدريسي؛ رئيس تحرير مجلة "مآلات" بالرابطة المحمدية للعلماء، ورئيس المركز العربي للدراسات الدولية والمستقبلية بالمغرب، والأستاذ زياد الكيلاني؛ مدرس العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، عن الشباب والنخب وصراع المستقبل. وأدار الجلسة السفير عزمي خليفة.
وأكد الدكتور خالد ميار الإدريسي أنه لا يمكن فهم موضوع الشباب والأجيال القادمة دون فهم شخصية أجيال الحاضر، وربط أجيال المستقبل بتحولات الأجيال والمستقبل العالمي، كما أنه لا يمكن بناء أجيال مستقبلية عربية بمعزل عن التأهيل الروحي. وأوضح أنه يجب إعادة النظر في مفهوم الجيل، فقد كان السن هو المعيار الأساسي لتحديد المفهوم، لكنه يرتبط الآن بـ"الحزمة التغييرية".
ولفت إلى أن كل جيل له سمات وخصائص، كما تتعدد المقاربات التي تستخدم في توصيف أجيال المستقبل؛ أولها مقاربة المسئولية؛ وتحديد مسئولية الأسرة والمؤسسة التعليمية والمجتمع في بناء الأجيال القادمة، والمقاربة القانونية؛ والتي تتناول التداعيات القانونية الحالية على مستقبل العدالة الاجتماعية، كما أنه هناك مقاربة جيوسياسية، ومقاربة ديموغرافية، وغيرها.
وأكد أن هناك عدد كبير من التحديات التي تواجه الشباب في المستقبل إلا أنه توجد بعض التحديات الخاصة بالشباب العربي بشكل خاص؛ ومنها الانغماس في العوالم الافتراضية، والتحول المفرط للأنماط الاستهلاكية، مبينًا أن "تجاوز وضع الاهانة والاحتقار" هو أخطر تحدي يواجه الشباب العربي، فهناك مخاوف من وجود جيل مستقبلي عربي مسلوب الإرادة وقابل للتوظيف من أي جهة بشكل سلبي.
وأوضح أن هناك أنواع مختلفة للأجيال المستقبلية؛ فهناك الجيل الثائر، والجيل الافتراضي، والجيل الممتنع، والجيل التائه الذي يتميز بالاستعجالية وتغيير واجهته الشخصية والنفسية باستمرار، والجيل الهجين الذي يعاني من اختلاط الهوية، ولكن هناك أيضًا سيناريو تفاؤلي يتنبأ بوجود "جيل المناعة"، وهو الذي يتمتع بهوية صلبة مؤمنة بالانتماء للعالم العربي.
وأكد أن هناك عدد من الشروط التي يجب توافرها عند التخطيط لمستقبل الأجيال القادمة، أولها الشرط السياسي؛ حيث يجب أن يكون هناك حزم حالي حول رؤية استراتيجية لإنتاج جيل قوي وفعال لديه رغبة جامحة للتغيير في المسارات المحلية والإقليمية والعالمية. أما الشرط الثاني هو الشرط المعرفي، بحيث يتم توفير المصادر المعرفية المختلفة التي تشكل وعي الأجيال القادمة.
ولفت إلى أن الشرط الثالث اللازم لتخطيط مستقبل الأجيال القادمة هو الشرط التربوي؛ والتركيز على تعليم المهارات الأساسية والحياتية والابتكارية، وتمكين الشباب وإعداده لاستيعاب التحولات وزيادة قدرته على الإبداع والتطوير المستمر. أما الشرط الأخير هو الشرط الديني، فلا يمكن التفكير في مستقبل استمرار الحضارة دون أن نضمن الإشباع الروحي للمواطنين.
من جانبه، تحدث الدكتور زياد الكيلاني عن دراسة تبحث التغيير الجيلي في مصر وحالة قيم الشباب بعد عام 2011. ولفت إلى أن الاهتمام بدراسة الشباب العربي تأتي انطلاقًا من التغير في خصائصه كالقدرة على التمدن، زيادة انفتاحه على العالم من حوله نتيجة الاختلاط بالغرب واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، التغير في أوضاعه الاقتصادية، واخيرا التفتت في اتجاهات الشباب السياسية، وذلك نتيجة الاختلاف في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.
وأوضح أن الدراسة استهدفت التعرف على توجهات الشباب في ضوء القيم ما بعد المادية؛ وهي قيم تحررية لها علاقة بالتحرر من السلطة، سواء كانت الأبوية أو الرسمية. ولفت إلى أن أخلاق القيم ما بعد العادية تنقسم إلى شقين؛ الأول هو القيم العلمانية، والثاني هو قيم التعبير عن الذات؛ مبينًا أن مصر تتحرك نحو التعبير عن الذات، فالشباب المصري لازال محافظًا على توجهاته الدينية مع تحرك أكثر جدية نحو الحرية في السياسة والتعبير وغيرها من المجالات.
ولفت إلى أن مستوى الدخل يؤثر على القيم والتعليم والتوجهات، فكلما زاد مستوى الدخل بشكل ملحوظ كلما اختلفت القيم عن باقي المجتمع. وأضاف أنه كلما قلت قيم دعم السلطوية كلما زاد الطلب على الديمقراطية.
واختتم الكيلاني كلمته بنتائج الدراسة؛ موضحًا أن بعض الشباب المصري لديه دعم لقيم ما بعد العادية، ولكن نسبته قليلة جدًا وترتبط بالدخل العالي والتعليم الغربي، كما أن طبيعة الشباب المصري مختلفة عن الصورة النمطية التي تظهر في وسائل الإعلام الغربي؛ فالشباب المصري معظمه محافظ. وأكد أنه فيما يخص المستقبل، هناك اتجاه محافظ يسود بين الشباب ولا يتوقع أن يتغير في الفترة القادمة.
وجاء ضمن فعاليات اليوم أيضًا جلسة "مستقبل المجتمعات العربية: الرؤى الفكرية". وخلال الجلسة تطرق الدكتور نضال الغطيس؛ خبير اقتصادي وباحث دكتوراه في مجال المستقبليات، لما سماه بـ"أزمة في العقل الديني" واتجاهاتها المستقبلية في العالم العربي المسلم، مشيرًا إلى أن المعتقدات الراسخة في العقل الجمعي العربي والإسلامي سبب حالة تيه عقلي عظيمة لا يستطيع العالم العربي بوضعه الحالي الخروج منها بسبب عدم قدرته على التفكير، ضاربًا المثل بثورات الربيع العربي التي لم تسبقها استنارة دينية أو فلسفية قبل المطالبة بالتغيير السياسي؛ مما أدى إلى انقسم خلايا المجتمع العربي، وهو الأمر الذي ينذر بانهيار كامل إذا لم نستدرك الوضع.
وأوضح أن أسباب هذه الأزمة تتمثل في اكتساب الفكر الديني هيبة وقداسة الدين على الرغم من كونه اجتهاد بشري، وتهميش النص القرآني وتفخيم الهوامش للتفسيرات والتعليلات، وعدم وجود فهم تاريخي وعقلاني للإسلام في العالم العربي، و"استقالة العقل المسلم" والتي أدت إلى عدم فعاليته وتراجع انتاجيته، فضلًا عن مشكلة الثنائيات المتقابلة التي تواجه المسلم وعليه الانضمام لإحداها، وأن العقل الإسلامي مغرق في الخرافة وفكرة الثواب والعقاب وغيرها من الأفكار.
وأشار إلى أن الاتجاهات المستقبلية لأزمة العقل الديني يمكن التنبؤ بها لاسيما بعد انتشار مواقع التواصل الاجتماعي فأصبح كل شيء معروض للمناقشة، بالإضافة إلى حركة التصحيح والمراجعة للأفكار والتي بدأت منذ القرن الماضي، وسقوط الشعارات والأقنعة للحركات الإسلامية، وحركة الهجرة الكبيرة إلى أوروبا والتي قد تشكل بالاندماج والتفاعل مع تلك الحضارات إسلام غير تقليدي.
وألقى الدكتور مظهر الشوربجي؛ مدرس الفكر الفلسفي بجامعة "دراية" بالمنيا، محاضرة بعنوان "المجتمعات العربية.. ماذا بعد؟ غياب فلسفة السلام وتنامي الصراع المستدام"، قال خلالها أن السلام في عالمنا العربي بلا أساس فكري أو بعد فلسفي، فهو ليس سلام من أجل السلام بل لإنهاء حالة الصراع، وإن التحولات الانتقالية العربية لا تتم من وجهة نظر فكرية بل عاطفية وبالأحرى انتقامية ولإنكار حق الأخر في الحياة.
وأضاف أن الحراك المجتمعي في مصر والذي بدأ عام 2011 مع ثورة 25 يناير جاء من منطلق الكبت وانعدام الديمقراطية والتي اتخذت بعض الذرائع الأخرى للانفجار في شكل حراك مجتمعي وثورات، مشيرًا إلى أن الحراك المجتمعي في مصر بعد ثورة 25 يناير اتخذ طابعًا دينيًا وتراجعت عنه النزعة القومية وغلّبت التيارات الراديكالية حراك القوة بإضفاء القدسية على الخيارات الدينية.
وأوضح أن للفلسفة علاقة قوية بالمستقبل، فهي عمل استشرافي بامتياز؛ فالنظريات السياسية التي تستشرف المستقبل هي في أساسها نظريات فلسفية، وأن الفلسفة لا تقدم حلوًلا اقتصادية أو سياسية بل تخاطب الوعي، مشيرًا إلى أن السياسة العامة في المجتمع العربي أصبحت تعتمد على الذاتية وأنانية القرارات وسوء نية الحاكم تجاه الحكام والعكس، مما يصل بنا إلى ما سماه "السلام الهش".
وقال إن الحل يكمن في التضامن الفكري ووجود إرادة سياسية تطبق الالتئام المجتمعي، ومحاولة إيقاظ العقول العربية، وأن تعزز الحكومات العربية الثقة المتبادلة بين الشعوب وحكامها عن طريق خلق فكر يدعو للسلام وإنفاذ القانون، ودعم "ثورة العقل" لضمان حدوث السلام المستديم.
وفي كلمتها التي جاءت تحت عنوان "التغيير في المجتمعات العربية على خطى مالك بن نبي"، قدمت الدكتور مريم نوري؛ باحثة دكتوراه بالمدرسة الوطنية العليا للعلوم السياسية بالجزائر، قراءة لما تطرق
له المفكر الجزائري مالك بن نبي في نظريته حول التغيير الاجتماعي ومستقبل المجتمعات العربية.
وقالت إن مستقبل المجتمعات العربية مسألة معقدة لارتباطها بأبعاد كثيرة وتعدد الزوايا التي يمكن النظر منها لمثل هذا الموضوع، إلا أن ثورات الربيع العربي كانت بلا شك نقطة الانطلاق للنهوض بمجتمعاتنا العربية من الركود والجهل وغيره، على الرغم من أن بعض الدول التي شهدت تلك الثورات عانت من الحروب الأهلية بعدها وظهرت فيها تنظيمات إرهابية استغلت الضعف الأمني.
وأشارت إلى أن مشروع التغيير يدفع للبحث عن حلول وبدائل جديدة لـ"تغيير شروط التغيير" في سبيل تحقيق ما تطمح إليه الشعوب، وللرجوع أيضًا لما قدمه المفكرين العرب في مجال التغيير واستشراف المستقبل للانطلاق من واقع مشترك قادر على فهم هذه الظاهرة، ومن بينهم المفكر الجزائري مالك بن نبي الذي اعتمد الفكر الديني في طرحه لمسالة التغيير وركز على الخروج بالخطاب الإسلامي من حالة الدفاع عن الدين إلى حالة العمل بالتعاليم الدينية، والاهتمام بالتاريخ لتفادي عيوب الماضي، والاهتمام بالإنسان الذي هو صانع الحضارة.
وتضمنت فعاليات اليوم الرابع للمؤتمر جلسة بعنوان "الحوكمة ومستقبل المؤسسات العربية " أدارها محمد العربي؛ باحث بوحدة الدراسات المستقبلية بمكتبة الإسكندرية، وتحدث فيها كلاً من الدكتور ماهر خضر؛ رئيس المؤتمر العربي للاستشراف الاستراتيجي بتونس، والدكتورة صفاء خليفة؛ باحثة بوحدة البرامج البحثية بمكتبة الإسكندرية، والأستاذة غادة يونس؛ باحثة دكتوراه بقسم علم الاجتماع جامعة الإسكندرية.
وقالت الأستاذة غادة يونس إن مفهوم الحوكمة كوسيلة إدارية وسياسية متعددة الأبعاد تقوم على الشفافية والمساءلة والمشاركة؛ بهدف تحقيق المساواة والإنصاف والعدالة الاجتماعية، وتطوير القدرات اللازمة؛ لتحقيق تنمية تقوم على تمكين الأفراد، وتحافظ على البيئة، وتضمن أعلى جودة للخدمات التي تقدم للمواطن في مجالات الصحة والسكن، والتعليم، والأمن البشري والاقتصادي والاجتماعي. وأشارت إلى أن الأبعاد الاجتماعية للحوكمة تتمثل في تحقيق أعلى معدلات التنمية المستدامة والجودة الاجتماعية، ولن نتمكن من ذلك إلا من خلال مكافحة الفساد والمحسوبية وتفتيت شبكات الفساد ومحاكمتها وتوفير رؤية جديدة يمكن من خلالها تحسين النظام الاجتماعي وتحقيق حياة أفضل لجميع أفراد المجتمع في إطار العدالة الاجتماعية والكرامة الانسانية.
وتطرقت في نهاية حديثها عن العلاقة بين الحوكمة والتنمية المستدامة، مشيرة إلى أن الاستغلال الأمثل للموارد الاقتصادية والاجتماعية هدفًا أساسيًا لكل منهما؛ حيث يسعى كلاً منهما لمحاربة الفساد والمحسوبية وسوء الإدارة وتشجيع الشفافية والمساءلة ومن ثم القضاء على الفقر وتدعيم رفاهية الإنسان واحترام القانون والمساواة أمام القانون وضمان فاعليته وسيادته.
ومن جانبه أكد الدكتور ماهر خضر على أن العالم العربي يعيش وضعية متردية وحاضرًا يستحق التأمل والتفكير، وأنه من منطلق إدارة الأولويات نجد أنه يجب على العالم العربي الاهتمام بمستقبله أولى؛ حيث إن الأمم العظمى والشركات الكبرى تتسابق الآن لاحتلال المستقبل وحجز نطاقاته ومساحاته على جميع المستويات الاستراتيجية والتقنية والسياسية والاقتصادية والثقافية. وأشار إلى أن كل قادتنا غارقون في الآني والعاجل والحالي بما فيه من ضغط الأزمات وتضارب وتداخل المرجعيات، وأغفلوا عن وعي أو عن غير وعي ما يدور حولهم من تسابق محموم لاحتلال واستعمار المستقبل بأشكال وأساليب مختلفة.
و عرف "خضر" الاستشراف الاستراتيجي على أنه القدرة على التفكير المنهجي حول المستقبل، وذلك لتنوير الفعل الاستراتيجي وتوفير البيانات الازمة لصنع القرارات في الحاضر، وهي ملكة نحتاج إلى تطويرها كأفراد ومنظمات وكمجتمعات. وطالب بوجود وحدات استشرافية داخل كل مؤسسة من المؤسسات العربية حتى يكون لديها يقظة استشرافية، وأن يتم وضع ميزانية خاصة للإنفاق على الاستشراف الاستراتيجي؛ حيث إن 97% من الإنفاق على الاستشراف الاستراتيجي يتم في الدول المتقدمة، بينما يتم انفاق 3% فقط في العالم الثالث، وفي العالم العربي 0%.
فيما تطرقت الدكتورة صفاء خليفة إلى المؤسسات العربية في العلاقات الدولية من خلال تناول التحديات، والفرص، والآفاق المستقبلية للعلاقات الأوروبية العربية وخصوصًا الأورو-متوسطية. وأكدت على أن لكل طرف من طرفي التعاون أهدافه التي يسعى إلى تحقيقها، فالأوروبيون يريدونها أمنية بالدرجة الأولى لمنع التطرف والهجرة والإرهاب، ثم يأتي بعد ذلك الاقتصاد وفي النهاية السياسة، وهو الأمر الذي يبعد الشراكة عن الحقيقة بمعنى التعاون ويجعلها أقرب إلى التبعية. أما الدول المتوسطية، فهم غير متفقين في آمالهم ومتفاوتون في أهدافهم حيال ما يحققونه من الشراكة.
وأضافت أن بقاء السياسة الأوروبية عند هذا المستوى من العلاقات مع دول جنوب البحر المتوسط، لا يتناسب مع مصلحة أوروبا في بناء سياسة واحدة وواضحة مع منطقة جوار جغرافي وحضاري شديدة الأهمية من حيث التأثير في الواقع الأوروبي. وأشارت إلى أن الغياب الكلي للمؤسسات، وأمننة العلاقات وغلبة الطابع الأمني على السياسي هي بمثابة خطط عمل ثنائية بين المفوضية الأوروبية وكل دولة على حده، وأداة لتنفيذ السياسة الأمنية الأوروبية والنظر لدول جنوب المتوسط باعتبارها حزام واقي ومناطق عزل عن بؤر الصراع وخلق جوار آمن.
ولفتت إلى أن الثورات العربية أسفرت عن مراجعة الاتحاد الأوروبي لسياساته تجاه جنوب المتوسط؛ حيث أدركت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي أن مصلحتهم في جوار مستقر لم يعد من الممكن تكفله الأنظمة العربية الاستبدادية، خاصة بعد حدوث حالة من عدم الاستقرار نشأ عنها حالة من الفراغ الأمني والسياسي في بعض دول المنطقة مثل سوريا، العراق وليبيا، وتنامي مجموعة من الظواهر أهمها الإرهاب، واللاجئين، وضرب الإرهاب قلب عواصم القوي الأوروبية.