رمضان في قعر الأغوار يروي ألف قصة وقصة
عمان …. تتناثر بيوتهم كأنها أحجار نرد منسية، هم بدو مرحلون قسريا، حطت رحالهم في قعر الغور بعدما جابوا النهر على ضفتيه، البحر الميت أمامهم، وخلفهم مغطس يوحنا المعمدان.
يقولون ان شهر رمضان هو ضيف الله وله الواجب، يستقبلونه في بيوت الخيش التي يسكنون أطيب استقبال، بلا تكلّف، فالقناعة خُلقت لهؤلاء، وإن سمعت بالعفوية والطيبة؛ فستراهما عندهم.
تحمل أم حسن طاسها بعد أن تملأه بالماء وتضعه أعلى الخزان ، طمعاً في أن تخف درجة حرارته لتتمكن عائلتها من الإفطار عليه، مع بضع تمرات، وكوب من اللبن لذة للشاربين.
ابناؤها خمسة، أصغرهم عبدالله صائم قبل الأوان، وأكبرهم (راعي البيت) حسن، الذي يؤم اخوته في الصلاة التي يحرصون على ادائها، كي لا يكونوا من الساهين، فهم مؤمنون بالفطرة ويزيدهم رمضان عفة وهيبة.
"مات أبوهم وربيتهم تربية تكفيهم اليتم" تقول أم حسن التي تسكن مع ابنائها في بيت خيش بمنطقة المغطس غربي لواء الشونة الجنوبية، حالها حال أكثر من مئة عائلة تفترش التراب، وتلتحف بالرحمة، تضيف "ترك لهم رحمه الله هذه الشويهات" وتشير بيدها نحو حوش الأغنام.
يتناوب الاخوان على الرعي بالأغنام، فالمدارس برأيهم "غير نافعة، وتجلب المشاكل بين الناس"، غير ان اقرب مدرسة تبعد عنهم سبعة كيلو مترات، همهم إرضاء الله ثم والدتهم والحفاظ على رزقتهم من ابيهم.
في رمضان يتجلون شمس الغور التي لعبت بتقاسيم وجوههم ولونها، فالحرارة تزيد على 40 في الظل، وهم لا ظل لهم، فحياتهم لا تتوقف.
يقضون نهارهم بالعناية بأغنامهم، من المرعى الى جلب الماء عبر جرار سبعيني كهل، فلا مياه تصلهم، ولا كهرباء موصولة لهم.
تتعشى نعاجهم وكلابهم التي تحرسهم، وتتفقدها امهم بعد عودتها من المرعى، ليبدأوا بالإعداد لمأدبة الافطار، أصغرهم يمد فراشهم أمام البيت، طلبا لجو لطيف، وأكبرهم ينشغل بلف سجائره تحضيرا للإفطار.
لا ينفك حسن عن النظر الى ساعة اليد المطوية على ساعده، الى ان يؤذِّن لإخوته بالإفطار، فهم يفطرون بلا أذان يسمعونه، وفي الليالي الساكنة يسمعون أذان أريحا.
ما ان ينتهوا من صلاتهم حتى تقبلت امهم بطبق الجريشة، وخبز مصنوع بيديها، وهي الوجبة الوحيدة التي يتناولونها.
يقوم خادم القوم أصغرهم عبدالله بوضع ابريق الشاي فوق جمرات تركتها الأم بعد اعداد الأكل، فغازهم لا ينفد لأنهم ليسوا بحاجة الى طباخ بألف عين وعين، طالما وجدت أحطاب يجمعونها من المرعى.
"لا نريد شيئا من الحكومة سوى ان لا ترفع سعر الاعلاف اكثر مما هي عليه الآن، وما يرحلونا من مساكننا " يقول حسن وهو "يمج دخان سيجارته"، ويرتشف الشاي.
يطمح الأخ الكبير ان يأتي رمضان القادم وقد تزوج مع أخيه الذي يصغره، لتساعدا الوالدة، بحسب ما يقول.
لا يختلف الحال كثيرا في بيت ابي سليمان، فالطاس والخزان متلازمان، وفراش الافطار أمام بيت الخيش، والأسرة تلتف حول أبيها، أطباق الإفطار تنم عن البساطة التي يعيشها هؤلاء الناس.
"ثاني جمعة برمضان يكون يوم فِطر عندنا" يقول ابو سليمان وهو ينتظر "أذان عمان"، من على شاشة تلفاز بلا "بوصة"، لونه أحمر، وصورته بالأسود والأبيض، يعمل على بطارية "الديانة"، وقنواته عمان وفلسطين وقناة عبرية تنطق بالعربية.
يذبح ابو سليمان شاتين من أغنامه، "بنات العام ثنايا"، ليقدم لجيرانه إفطارا، لدفع البلاء عن عياله، وتبركاً بالشهر الفضيل.
"أيام زمان كانت الناس مقطوعة، أما الآن فنحن بألف نعمة وفضل من رب العالمين" يقول ابو سليمان وهو يسرد قصصه من "أيام البلاد" عندما كان يافعاً، "فالناس ما كانت تعرف رمضان"، مضيفاً "لا حول ولا قوة الا بالله".
نقلا عن بترا