القاهرة …. نفت الحكومة المصرية تنازلها عن جزيرة تشيوس لليونان مؤكدة أن الجزيرة لم تكن مملوكة لمصر.
وكشف مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء في بيان له اليوم الثلاثاء أنه في ضوء ما أثير من أنباء تفيد بتنازل مصر عن جزيرة "تشيوس" لليونان بعد توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر واليونان، تواصل المركز مع وزارة الخارجية والتي أكدت أن هذا الخبر عار تماماً من الصحة.
وأضاف المركز أن وزارة الخارجية أكدت أن جزيرة "تشيوس" تعود ملكيتها من الأصل للدولة اليونانية وليست ملكاً للدولة المصرية على الإطلاق، وأنها ملتصقة جغرافياً بالحدود اليونانية وبعيدة كل البعد عن الحدود المصرية ولم تكن في يوم من الأيام ملكاً لمصر أو خاضعة للسيادة المصرية، ولم يتم ترسيم أي حدود بحرية مع الجانب اليوناني حتى الآن، مشيرة إلى أن لمصر بعض الممتلكات على الجزيرة تتبع وزارة الأوقاف حسبما ذكرت العربية نت.
وقال المركز إن وزارة الأوقاف نفت بدورها صحة ما تردد حول تنازلها عن بعض أملاكها بالجزيرة، وأكدت أنها لم ولن تتنازل عن أملاكها لا باليونان ولا بغيرها، مشيرة إلى أن الممتلكات التي توجد على تلك الجزيرة هي هبة من السلطان العثماني إلى محمد علي باشا أوقفها فيما بعد للأعمال الخيرية والأوقاف المصرية.
لكن ماهي جزيرة تشيوس وما قصتها؟ التفاصيل يرويها الدكتور خالد فهمي رئيس قسم التاريخ بالجامعة الأميركية بالقاهرة ويقول: جزيرة "تشيوس" لم تكن أبدا من ضمن الممتلكات المصرية، لا في القرن التاسع عشر ولا في القرن العشرين أما اسمها العربي أثناء الحكم العثماني فهو صاقز، وهذا هو الهجاء التي تظهر به في الخريطة الشهيرة للبحار العثماني الألمعي بيري.
أما قصة الممتلكات المصرية على الجزيرة فيقول أستاذ التاريخ أن الوالي المصري محمد علي أرسل رسالة لوكيله في اسطنبول، محمد نجيب افندي، يحثه فيها على التوسط لدى الباب العثماني للحصول على جزيرة قبالة شواطئ مدينة قولة، مسقط رأسه في مارس 1813 ومعتبرا نفسه – اي محمد علي – على مستوى واحد مع كبار الأعيان العثمانيين، ووعد باستخدام عائدات ضرائب الجزيرة في بناء مؤسسة تعليمية ضخمة لصالح فقراء قولة، مسقط رأسه.
وقال د.خالد فهمي لقد استجاب السلطان بأن سمح لمحمد علي بإنشاء وقف من إيرادات الجزيرة. وكان هذا الوقف سيستخدم لبناء مجمع تعليمي هائل ضم مدرستين ابتدائية وإعدادية، و"عمارة" أي مطبخ لإطعام الفقراء والمحتاجين، ومسجدا وحماما وكانت "عمارة محمد علي"، كما صار هذا الوقف يعرف، تتسع لمبيت ما يزيد على 100 طالب وتقديم التعليم المجاني والطعام لهم طوال مدة إقامتهم وكان هذا، وبكل الاعتبارات أكبر، مؤسسة تعليمية أنشأها محمد علي.
ويضيف أستاذ التاريخ قائلا: بمرور الوقت ازدادت "عمارة محمد علي" شهرة وذاع صيت مصر وواليها في أنحاء قولة مسقط رأس محمد علي بل في كل أنحاء الدولة العثمانية فهذه لم تكن "عمارة" صغيرة بل كانت عظيمة في مبانيها غنية بحدائقها وملحقاتها كما كانت عظيمة في مصادر وقفها وعملت إدارة الأوقاف الخديوية، وهي الإدارة التي كانت تشرف على الجزيرة، على تعظيم الريع العائد منها، والذي كان مصدره الأساسي معاصر الزيتون ومناحل العسل.
ويقول الدكتور خالد نظرا لأهمية هذا الوقف كمصدر للخير وللشهرة معا، نالت عمارة محمد علي اهتمام كل خلفاء محمد علي حتى إن الخديو اسماعيل تذرع به لكي يزيد من تحكمه على الجزيرة ويتدخل في شؤون مدينة قولة الداخلية بالإضافة إلى تدخله في شؤون البلدات الأخرى المحيطة بقولة مثل بلدتي نصرتلي ودراما التي تأتي منها عائلة الدرمللي الواقعتين شمالي قولة ووصل به الأمر أن طلب من السلطان عبد الحميد أن يسمح له بإرسال فرقاطة حربية لتجوب مياه الجزيرة والدفاع عنها من هجمات القراصنة الذين كانوا يطمعون فيها نظرا للإصلاحات التي أحدثتها مصر فيها على مدار العقود السابقة.
وأضاف أستاذ التاريخ: لقد ظل الأمر على هذه الحال إلى أن اندلعت حرب البلقان عام 1912 ثم الحرب العالمية الأولى عام 1914 ثم انهيار الدولة العثمانية وتأسيس الجمهورية التركية عام 1923 وفي أعقاب الحرب العالمية الأولى وتوقيع اتفاقيات عديدة بين اليونان والجمهورية التركية الوليدة اتفقت الدولتان على حل المنازعات العديدة حول ممتلكات الأتراك واليونانيين القابعة في بلديهما وبناء على هذه الاتفاقيات تنازلت تركيا عن كل الممتلكات العثمانية التي أصبحت داخل اليونان.
وقال: لقد ظهرت هنا مشكلة ملكية "عمارة قولة" أي عمارة محمد علي الموجودة على الجزيرة ، فهي أولا كانت قد تحولت لوقف أي أنها خرجت من حيز الملكية، ثم إنها ثانيا لم تكن تابعة للدولة العثمانية بل كانت قد وهبت لحاكم مصر، ولكن مصر نفسها وإن كانت خاضعة للدولة العثمانية إلا أنها قد استقلت عمليا وإن لم يكن قانونيا منذ حكم محمد علي، وثالثا فإن مصر وجدت نفسها أثناء الحرب العالمية الأولى تقع تحت الحماية البريطانية وكل هذه الأمور عقّدت وضع "عمارة قولة" والأوقاف المصرية في الجزيرة.
أما "العمارة" نفسها فعانت من الإهمال والتخريب على مدار العقود، حتى إن مبانيها تلفت وجدرانها تهدمت وبالطبع توقفت عن أداء دورها التعليمي وانتهى بها الحال إلى أن تحولت لملجأ للاجئين النازحين من الحروب.
وذكر أستاذ التاريخ أن من أنقذ هذا الصرح الضخم من الانهيار التام هي سيدة جليلة اسمها آنا مصريان، تنحدر من قولة نفسها ولا تمت بصلة بمصر بالرغم من اسمها، فقد رأت هذا الأثر الجميل يندثر بسبب الإهمال وعدم المتابعة فتواصلت مع وزارة الأوقاف المصرية منذ حوالي 15 عاما ووقعت عقد إيجار لمدة 50 عاما ثم قامت بأعمال ترميم وتجديد وصيانة لا مثيل لها حازت إعجاب وموافقة جميع المتخصصين واستطاعت أن تعيد للمبنى رونقه وجماله، وحولته لفندق خمسة نجوم أصبح الآن مقصدا للسائحين.