الحرف بقطاع الصناعات التقليدية بوهران تخوض معركة البقاء والإنعاش من جديد
وهران "المسلة" …. يخوض الحرفيون بقطاع الصناعات التقليدية لولاية وهران في الآونة الأخيرة معركة البقاء لمواجهة الانقراض في ظل تحديات وعوائق تسببت في اختفاء العديد من الحرف بهذا النشاط.
فعلى الرغم من الطابع السياحي للولاية التي تزخر بالعديد من المؤهلات إلا أن ذلك لم يشفع للحرف والصناعات التقليدية من البروز بالشكل المطلوب أو على الأقل المرجو من قبل العدد الهائل من المبدعين المحليين في هذا المجال وفي مختلف أصناف الحرف وفنون الصناعات التقليدية الذين يحتاجون إلى التحفيز والمرافقة.
انقراض عدد من الحرف …
وقد طال الانقراض عددا من منتجات الصناعة التقليدية التي كانت تشتهر بها الولاية منها زربية طافراوي. فاليوم لم يعد هناك اثر لحرفة الزربية بهذه البلدة الواقعة على بعد أزيد من 25 كلم جنوبا مدينة وهران والتي اشتهر سكانها لعقود من الزمن في صنع أجود الزرابي التي تصور تحف فنية لطالما شدت إعجاب سياح وزوار عاصمة الغرب الجزائري.
وقد تحول الحرفيون المختصون في هذه الزربية إلى نشاطات أخرى على غرار السيد بلكحل الذي توقف في سنوات التسعينيات من القرن الماضي من نسج الزرابي وتحول إلى بائع خضر متجول بالاعتماد على سيارته النفعية.
"ما الفائدة من الاستمرار في صنع الزرابي التقليدية دون بيعها والاستفادة من مداخليها أو حتى تغطية تكاليف انجازها" يقول بلكحل الذي أصبح في العقد الخامس من العمر بنبرة تأسف وهو الذي زاول هذه الحرفة منذ صغره بجانب والده الراحل حيث كانت هذه الحرفة في الماضي يتعلمها ويتوارثها الأبناء عن آبائهم.
وأضاف يقول "لقد تسببت العشرية السوداء في تدني الظروف وتراجع السياحة مما أدى إلى نقص تجاوب الهيئات المهنية آنذاك مع الحرفيين وصارت الأمور كذلك إلى أن آل الوضع إلى ما هو عليه الآن".
ويرى ذات المتحدث أن "القطاع لم يأخذ حقه من النمو بعد استتباب الأمن وعودة الاستقرار بالوطن وظل منسيا ومهجورا".
وأشار إلى أنه خلال سنوات الثمانينات والى غاية التسعينات كانت طافراوي منطقة تعج بعشرات المبدعين في فن الزربية التقليدية وكانت كذلك محل استقطاب السياح الذين يقصدون الورشات الصغرى التي ينشط بها الحرفيون داخل منازلهم وذلك إلى جانب المندوبين السياحيين والتجاريين للفنادق الكبرى والمركبات السياحية "لكن بعد ذلك كل واحد من هؤلاء الحرفيين سلك طريقا مختلفا".
ومن جانبه يرى فتحي وهو صانع حلي تقليدية بمدينة وهران أن نقص أو شبه غياب فضاءات التسويق يشكل عائقا أمام نمو هذا القطاع مشيرا أيضا الى عزوف عدد هام من الفنادق والمركبات السياحية على تخصيص فضاءات ذات واجهات بارزة لعرض منتجات الحرف والصناعات التقليدية على عكس ما كان عليه في الماضي.
ومن جهتهم يشتكي قدامي صانعي الأواني من الحلفاء ببلدية عين الكرمة الساحلية التي كانت في الماضي القريب قطبا لمبدعي هذا النوع من الحرف من نفس المشاكل الشأن الذي أدى إلى اختفاء هذا النشاط وتحول صانعيه إلى نشاطات أخرى أو لعالم البطالة.
وقد امتازت بعض البلديات مثل بئر الجير والسانية في السابق – يقول فيصل حرفي بوهران – برواج فن صناعة الفخار وباتت تنافسها الآن في الأسواق منتجات صينية تعرض "بأثمان بخسة" وتظهر على أنها من صنع حرفي إلا أنها في الحقيقة "طايوان" وهو مصطلح محلي شائع لتبيان النوعية الرديئة لأي منتوج بمقارنته مع المنتوج الأصلي.
برنامج عمل لإعادة بعث الحرف المهددة بالزوال…
وأفضت النقاشات والندوات التي أطلقتها مؤخرا غرفة الصناعة التقليدية والحرف لوهران حول هذا الموضوع بمعية الحرفيين والباحثين إلى أن وهران تختزن ثروة في مجال الصناعات التقليدية بالإمكان استغلالها لتثمين هذه الصناعة وتحقيق قيمة مضافة ومرافقة التنمية المستدامة.
وذكر مدير الغرفة خاليد طهراوي لوأج أن إعادة بعث الحرف والصناعات التقليدية سواء المختفية أو تلك المهددة بالزوال تشكل "محورا رئيسيا" لبرنامج عمل هيئته التي تسعى أيضا الى إدماج الحرفيين الشباب وتوجيههم نحو سوق العمل.
وأوضح أن تاريخ الحرف والصناعات التقليدية بوهران مرتبط بتراث محلي متنوع يشمل كل بلديات الولاية لذلك يجب على المعنيين فهم خصوصيات التطور التاريخي لهذه الحرف المحلية وأسباب تدهورها قبل العمل على إعادة بعثها من جديد يضيف المتحدث.
وأبرز ذات المسؤول أن هيئته تعول على مخطط لإعادة بعث الحرف والصناعات التقليدية وتأهيلها يعتمد أساسا على التكوين والتبادل والمرافقة وكذا التعاون مع خبراء دوليين في الميدان.
وذكر في هذا الإطار أن الغرفة برمجت للسنة الجارية دورات تكوينية لفائدة أزيد من 120 شاب حرفي في مجالات متنوعة مثل الحدادة الفنية والعمل على الزجاج والجبس واستكمال تكوين الشباب في حرف فن العمارة التقليدية بالتنسيق مع الحركة الجمعوية بسيدي الهواري.
كما سيتم تنظيم دورة تكوينية خاصة بالطرز التقليدي في مايو القادم لفائدة مجموعة من الحرفيات تحسبا لمرافقتهن في إطار مشروع نموذجي لبعث هذه الحرفة.
وتهدف هذه الدورات التكوينية إلى تأهيل الشباب وصقل معارفهم في مجالات حرفية تحتاجها عملية التنمية بالولاية لا سيما لمرافقة مشاريع ترميم العمارات القديمة والتي صارت مدينة وهران ورشة مفتوحة لها.
وسيتم قريبا إقامة أسبوع للحرف والصناعات التقليدية لولاية بشار التي تعرف تشابه بعض نشاطاتها مع حرف ولاية وهران يضيف نفس المسئول الذي وعد بمرافقة حرفيي الزربية بطافراوي من أجل تطوير مهاراتهم بالانطلاق في مرحلة أولى بصناعة الزرابي التزيينية الصغيرة التي عادة ما يتم وضعها على الطاولات والمكاتب وحواف الكراسي.
والى جانب ذلك ستحتضن وهران في يوليو المقبل معرض الصناعة التقليدية والتأثيث بهدف خلق فرص لبروز منتجات الحرف والصناعات التقليدية خاصة وأن التظاهرة تتزامن مع برامج كبرى في مجال الإسكان وهي مناسبة للحرفيين لترويج ما تجود به مهاراتهم من أثاث وآواني وأغراض تقليدية يضيف السيد طهراوي.
وعلاوة على ذلك أكد مدير غرفة الصناعة التقليدية والحرف لـ واج على دور البحث العلمي والأكاديميين بوهران للنهوض بهذا القطاع الذي يحتاج أكثر من وقت مضى إلى المساهمة العلمية من قبل الباحثين في السوسيولوجيا والاقتصاد.
وذكر في هذا الصدد باتفاقية التعاون التي تم التوقيع عليها يوم 5 مارس المنصرم من قبل غرفة الصناعة التقليدية والحرف ومركز البحث في الأنثربولوجيا الاجتماعية والثقافية "كراسك" بحضور الوزيرة المنتدبة المكلفة بالصناعة التقليدية عائشة طاغابو.
يذكر أن ولاية وهران ينشط بها حوالي 100 1 حرفي في الصناعات التقليدية وترتقب بلوغ 1500 حرفي مع نهاية السنة الجارية.