الدكتور عبد الحليم نور الدين الأمين العام للمجلس الأعلى للاثار الأسبق يؤكد: تدمير "داعش" الأرهابى للأثار لم يقع من قبل على مدى التاريخ
– أطالب القمة العربية بإدارج الإنتهاكات للأثار ضمن جدول الاعمال
– مركز لتوثيق المناطق والمتاحف الأثرية لمطاردة عمليات التهريب
– أتوقع تدمير أثار ليبيا الخطوة المقبلة .. والأردن فى الطريق
القاهرة سعيد جمال الدين
مازال العالم يعيش مأساة قيام تنظيم " داعش " الإرهابى التكفيرى بمواصلة تدميره للتاريخ والحضارات الإنسانية القديمة والتى مر عليا أكثر من 3ألاف عام بدواعى تحطيم الأصنان والأوثان طبقاً لما يزعمه هذا التنظيم المسىْ للدين الإسلامى أنه ينفذ الشريعة الإسلامية هى جريمة حربٍ لن ينساها التاريخ ولن تسقط بالتقادم.
و هذه "العصابات التى قامت خلال الأيام الماضية بالاعتداء على مدينة نمرود الاثرية وتجريفها بالآليات الثقيلة مستبيحة بذلك المعالم الاثرية التي تعود الى القرن الثالث عشر قبل الميلاد وما بعده"، لتؤكد أن "العداء المستمر بين التكفيريين والثقافة مستمر على مر العصور وليس بالأمر الجديد أو الدخيل على منهجيتهم".
من تدمير للهوية وطمسٍ لتاريخ شعوبٍ بأكملها – هو جريمة حربٍ لن ينساها التاريخ ولن تسقط بالتقادم،لقد تسببت الصراعات السياسية وتشدد الجماعات الإرهابية في تدمير كنوز أثرية عربية بالكامل في العراق وسوريا وليبيا وفلسطين، وأخرى هربت للخارج وبيعت بالملايين، ومتاحف أثرية كانت مرتعًا للصوص، ذاك حال التراث الثقافي العربي، المعرض للاندثار بسبب عفلة الدول العربية، وتكالب المسئولين على السلطة وتناحر الطوائف.
وقد أثارت هذه الإنتهاكات التى يقوم بها تنظيم داعش الأرهابى حفيظة الأثريين الذين أعلنوا أن الإرهاب يسعى لطمس الهوية العربية والتاريخ على مر العصور .. وألتقت " المسلة" عبر الهاتف بالأستاذ الدكتور عبد الحليم نور الدين الأمين العام الأسبق للمجلس الأعلى للأثار ومقررلجنة الأثار بالمجلس الأعلى للثقافة والعميد السابق لكلية الأثار بجامعة الفيوم والعميد الحالى لكلية الآثار والإرشاد السياحى بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا عبر حوار خاص يوضح فيه الكثير من الحقائق والأراء حول ما تقوم به هذه الجماعات الإرهابية التكفيرية .
من وجهوة نظركم ما هو تفسيركم لما تقوم به جماعة داعش من تحطيم للأثار ؟
إن ما يحدث لآثار البلدان العربية على الساحة في ظل تلك الحروب الطاحنة أمر كارثي وخطير حيث لا يقتصر على دولة بعينها وإنما يطال العديد من البلدان الأخرى مثل سوريا والعراق وفلسطين وهو ما يستدعي تدخلا حاسما لوقف تلك الاعتداءات المتتالية..وللأسف الشديد نحن كعرب لا نضع إهتماماً للأثار مثلما يحدث فى البلدان الأخرى الأجنبية .. وكما هو معروف فإن الأثار موروث إنسانى .. ولكون صناعة السياحة تعتمد على جانباً كبيراُ منها على السياحة الثقافية .. فإننا نجد أيضاً السياحة فى المنطقة العربية تفتقر الإهتمام بها.
وهل نفهم من ذلك مطلوب الدفاع عن هذه الأثار بكل الطرق وهل المنظمات المعنية لم يعد لها دور ؟
للأسف لا يوجد بالوطن العربى ما يمكن أن تطلق عليهم " حماة للأثار " فى البلدان العربية.. فجميع المنظمات العربية المنوط بها إنقاذ الآثار داخل تلك الدول العربية مشغولة بما يقع على الساحة السياسية، وليس هناك من يهتم بالآثار الوطنية التي يتم تهريبها وسرقتها وفي النهاية يكون مكانها داخل المتاحف العالمية في أوروبا وغيرها من البلدان الأخرى كما حدث عقب ثورة 25 يناير في مصر حينما تم تهريب وبيع الآثار ولا يوجد إمكانية لعودتها على الإطلاق مرة أخرى، فالآثار الموجودة بالبلدان العربية أعتبرها كنزا ينبض بالخير فهي تعكس مرآة تلك الشعوب أمام العالم بأسره
وهل تتوقع أن يزداد حجم التدمير والخراب والإنتهاكات من قبل هذه الجماعات الإرهابية ؟
بالطبع أتوقع المزيد من هذه الأفعال الكارثية فى ظل صمت الدول الكبرى ومجلس الأمن الذى لم يعر إهتماماً بما حدث من تدمير .. ويجب على المنظمات الدولية مثل اليونسكو أن تخاطب مجلس الأمن والأمم المتحدة لمنع وإيقاف النزاع المسلح داخل تلك المناطق الحساسة في حالة عدم الاستجابة وعدم الحفاظ على التراث العربي..وأنه من المنتظر بعدما تم تدمير الأثار فى سوريا وبعدها العراق فربما تكون المحطة التالية هى ليبيا التى تضم مناطق أثرية هامة جدا منذ العهد الروماني اليوناني وهو عهد لا يوجد به كثير من تلك الآثار سوي داخل ليبيا وعدد قليل من الدول.
ويضيف أنه وبالرغم من توقيع كل من العراق وسوريا ومصر وليبيا على اتفاقيات دولية خاصة بحماية التراث الثقافي، فليس لها دور ملموس، حيث وقَّعت تلك الدول على اتفاقية “لاهاي” الخاصة بحماية الممتلكات الثقافية في حالة نزاع مسلح لعام 1954، واتفاقية اليونسكو لعام 1970 الخاصة بالوسائل التي تستخدم لحظر استيراد تصدير ونقل الممتلكات الثقافية بطرق غير مشروعة، واتفاقية حماية التراث العالمي لعام 1972،و لكن ما تم من صمت دولى لم ولن يتم العمل بها وهو أمر يشكل خطورة كبيرة.
وماذا عن المنظمة الدولية للثقافة والفنون والأثار اليونسكو ؟!!
منظمة اليونسكودورها الأساسى هو الحماية والحفاظ على الآثار ،و لم تقم بأي دور لكونها ضعيفة فهى تخضع للولايات المتحدة الأمريكية ، وأصبح دورها يقتصر على خروج لجنة لتقييم الخسائر أو التلفيات دون وضع معايير لتكرار تلك التعديات، ودعنى أطرح سؤلاً ماذا فعلت اليونسكو حينما سرق المتحف أو غيره من الآثار الأخرى"؟!!.
إننا كدول عربية لا يجب أن نعتمد على مثل هذه المنظمات ويجب علينا التصدى لتلك المخططات التي تستهدف التراث العربي، الذي دونه تنتهي الأمة العربية، مضيفًا منظمة اليونيسكو ليس لها دور ولن تتخذ خطوة نحو إنقاذ تراثنا، فهي تعمل بتوجيهات حكومية، والإعلان عن خطة عاجله لإنقاذ التراث العراقي “شو إعلامي” فقط، متسائلًا عن فائدة دور اليونيسكو بعد استهداف الجماعات الإرهابية الآثار العراقية بالصواريخ! فلم تتبرع سوى بمليون دولار، يتم صرفه على إقامة الوفود الدولية وعقد المؤتمرات والاجتماعات التي ستسمر شهورًا، أن الجماعات الإرهابية ترى في الرموز التي لا تدل على دينها "كفراً"، ويجب التخلص منها وهذا مافعله التنظيم الإرهابي "داعش" عندما دخل متحف الموصل، حيث حطم رموز حضارة قديمة تتساوى مع قدم الحضارة الفرعونية.
ومن وجهة نظركم كيف يمكن للدول العربية مواجهة هذا التدمير فى الأثار ؟
هذه التعديات و التخريب والسرقة أيضا للمعالم الأثرية، لن تطال سوريا والعرق وليبيا وفلسطين ، وهى ظاهرة استفحلت بشكل كبير مؤخرا ما يدق ناقوس الخطر وهو ما يدعونا إلى أهمية طرح هذه القضية على القمة العربية المقبلة فهى لا تقل أهمية عن نشر الإستقرار بالمنطقة وتحسين الظروف المعيشية لسكان المنطقة العربية .. كما يجب على الحكام الإهتمام بالتراث الوطني كما يهتمون بامور الحروب الدائرة والثورات التى زادت المنطقة العربية تقسيما ً وتفتتاً مثلما كان يفعل الإستعمار، وإنه يجب على الدول العربية أن تضرب بيد من حديد بعيدا عن استغلال الهيمنة الأمريكية من أجل حل المشكلة بنفسها وعدم التعويل على منظمات المجتمع الدولي وحقوق الإنسان.
ويطالب عبد الحليم نور الدين بضرورة وضع آليات فى مقدمتها تفعيل دور المنظمات الأثرية الوطنية في مثل تلك الدول من أجل التواصل الدولي وفتح مائدة الحوار مع المنظمات الدولية الأخرى، مشيرا إلى أنه إذا لم يكن هناك اتصال مباشر بين المنظمات الوطنية داخل الدول العربية مثل العراق وسوريا وليبيا، وبين المنظمات الدولية يكون الدور على مجلس الأمن وجمعية الأمم المتحدة.
وحول ما تم الإعلان عنه من أن الأثار التى يتم تدميرها تعد أصنام من الجاهلية ويجب تدميرها ؟
ما أشرت إليه تعد ظاهرة تصاعدت خلال الفترة الأخيرة داخل مصر الوطن العربى، ومصر بشكل خاص لما تتمتع به من تاريخ يمتد لآلاف السنين ولما سببه النظام الإخواني الفاسد من خراب فلا أحد ينسي فتوي أحد الشيوخ التابعين للتيار السلفى الذى أباح بيع الآثار المصرية وبالتبعية ينساق وراء هذه الفتاوى الغريبة الكثير من المردين ، وأن هذه الجماعات التكفيرية تعتبر التماثيل أصناما، ويعتبر هذا جهلا، فالصنم ما يُعبد ما دون الله ولكن التمثال الذي نُحت من أجل تخليد ذكرى أو شخصية ذات شأن".
"فأيام حكم الرئيس المعزول لدكتور محمد مرسي، قام عدد من أنصاره بتغطية وجه تمثال أم كلثوم بالنقاب بالمنصورة، أيضا، وهناك من أعلن عن نواياه لهدم تمثال أبو الهول، الأمر الذي يؤكد جهلهم بالدين الإسلامي ذاته، فحين جاء الصحابة لفتح مصر كانت هذه التماثيل والمعابد الأثرية موجودة ولم يهدموها ولم يغطوا وجوهها".
وأظن أن الفتوى التى أصدرها كل من الأزهر الشريف ودار الإفتاء المصرية ترد على هذه المزاعم من أن الآثار من القيم التاريخية والإنسانية التي ينبغي عدم مسها بسوء، وهى إرث إنساني يجب الحفاظ عليه، ولا يجوز الاقتراب منه أبدًا، وأن تدمير التراث الحضاري أمر محرم شرعًا ومرفوض جملةً وتفصيلًا، وكذلك التعامل بالتهريب والبيع والشراء للآثار، وهو ما يثْبِت أن هذه الجماعاتِ المتطرفة تقوم به لتمويل عملياتها الإرهابية، ،و التي تدعى كذبًا استنادها للدين، والدين منها براء، فتارة تحرق، وأخرى تذبح، وثالثة تدمر الحضارات وتقضى على الثقافات والأعراق منفذة بذلك أجندة استعمارية تهدف لإفراغ أوطاننا العربية والإسلامية من مكوناتها التراثية والثقافية.
وهل يكمن القول بأن هناك مخطط إرهابى لطمس التاريخ العربى والهوية العربية ؟.. وكيف يمكن مواجهة عمليات التهريب؟
بالتأكيد إن ما يشهده التراث العربي من تدمير مخطط غربي إسرائيلي، لتقسيم المنطقة بالكامل وإلغاء الهوية الثقافية العربية، ومن هنا فإننى أطالب بإنشاء مركز التوثيق والتسجيل الإسلامي العربي تابع للجامعة العربية والاستعانة بالخبراء العرب المعنيين والمتخصصين بالمجالات الأثرية كافة، مطالبًا بدعم الحكومات العربية هذا العمل، بالماديًّا أو تأمين الوفود التي ستقوم بالمهمة، لكون التسجيل يتيح إعادة بناء المنشآت الأثرية في حالة تدميرها، من خلال الصور والرسوم والفيديو المسجلة لها، كعمائر غزة الأثرية الإسلامية المملوكية، التي دمرها القذف الصاروخي الإسرائيلي، فيوجد لها تسجيل كامل منذ أكثر من 10 ولا يجب الاعتماد على منظمة اليونيسكو في إنقاذ التراث العربي؛ لأنها مدعمة بعناصر غير مخلصة من اليهود وغيرهم.
فكما هو معلوم للجميع أن الكيان الرسمي للآثار" منظمة اليونيسكو" لم تتحرك للدفاع عن التراث العربي، بداية من تفجير متحف الفن الإسلامي على يد الإرهاب، أو تدمير المقابر والمساجد القديمة على يد الجماعات الإرهابية بالعراق، وعندما اتخذت إسرائيل خطوة تسجيل الأكلة الشامية “التبولة” كتراث إسرائيلي لم يتحرك أحد لمنعها.
ودعا نور الدين ضرورة تحريك المجتمع الدولي لمنع الإتجار بالآثار العربية التي أصبحت مباحة في بلاد الغرب، فصالة مزادات كريستي بإنجلترا تعرض يوميًّا آثارًا عربية للبيع، ولا تستطيع عرض القلم الخاص بـ” تشيرشل”؛ لأنه تراث قومي إنجليزي.
هل التاريخ سواء القديم أو المعاصر يذكر وقوع إنتهاكات من قبل للأثار ؟
قديماً لم تكن هناك عمليات لتدمير للأثار بالشكل المتعارف عليه حالياً وإنما كل حضارة من الحضارات كانت تسجل تاريخيها دون طمس أو محو الحضارة التى سبقتها ، وإنما حينما تضع الحروب أوزارها فلا تفرق بين هو أثر أو غيره فقديماً حاول الهكسوس تدمير الحضارة الفرعونية خلال محاولتهم غزو مصر ، ولكن التاريخ الحديث وللأسف شهد العديد من عمليات التدمير وخاصة خلال الغزو الأمريكى للعراق والذى تم تدمير ويلب ونهب المتحف العراقى ببغداد تحت وظأة الحرب على صدام حسين ،ونتذكر سوياً ماقامت به جماعة طالبان الأفغانية الذين حطموا تماثيل اعرق حصاره هناك فعام 2001 الذين قاموا بتدمير كنوز أفغانستان الأثرية، بناء على تعليمات أصدرها زعيمهم ( الملا محمد عمر ) أمير الجماعة وقد استخدم جنود الطالبان المدفعية الثقيلة والصواريخ، في عمليات هدم أهم تمثالين (لبوذا) في موقع( باميان ) غرب العاصمة (كابول) والتمثالان اللذان يرتفع احدهما 53 مترا والثاني 39 مترا يعتبران أشهر الآثار الأفغانية على الإطلاق، إذ نحتا منذ حوالي 1800 سنة في جانب صخرة الجبل الصلبة، ورغم امتلاك أفغانستان لثروة هائلة من التماثيل والآثار القديمة، فقد تعرضت غالبيتها للدمار والضياع خلال السنوات الحرب الأهلية هناك ، وكان متحف (كابول) يحتوي على آلاف القطع الأثرية تمثل بقايا من وسط آسيا يرجع بعضها الى عصور ما قبل التاريخ منذ خمسة آلاف سنة.
كما كان يضم المتحف مجموعة من التماثيل التي عثر عليها عام 1939 بقلعة( كوشان) وفيها ألف و800 قطعة من آثار الهند وروما واليونان والأشوريين ومصر و وسط آسيا، إلا أن غالبية هذه الكنوز الأثرية نهبت وسرقت ولم تسلم من الدمار كما هو الحال اليوم الآثار العراقية الأشورية في مدينة ( موصل) لم تسلم من النهب والسرقة والتحطيم بسياق طلبان ألأفغان، ولكن بأيدي داعشية، فيعيدوا السيناريو ذاته لتدمير أثار الحضارات القديمة، ليثبتوا بأنهم أعداء لكل ما هو حضاري وتاريخي وعلمي وأدبي وفني وثقافي واجتماعي ، وهذا دليل آخر على مدى وحشية هذا التنظيم وعدائه ليس للشعب العراقي فحسب بل لحضارات الشعوب والأمم اجمع .
وها اليوم مجددا يعودوا هؤلاء السفاحين تكرار سيناريو جرائمهم بحق أثار وحضارة الأشورية، فمن بعد تدمير متحف موصل العريق، يأتي هؤلاء المجرمون لتدمير أثار( نمرود ) والتي تعد درة الحضارة الآشورية واعرق أثار العراق .
فالمسلمين الأوائل حافظوا على تراث الحضارات القديمة سليما، ولم يحطموا التماثيل، واكبر دليل على هذا هو( الأهرامات) في مصر و تماثيل ( بوذا ) في بلاد الأفغان – ولم تكن الآثار الأشورية مكتشفة آنذاك.