تراجع النفط في الأسواق العالمية يضغط على شركات الطيران لتخفيض أسعارها
جدة " المسلة " … تتجه شركات الطيران العالمية والنقل البحري إلى تخفيض أسعار «نقل الركاب وشحن الأمتعة» على جميع رحلاتها الدولية والداخلية، إلى أكثر من 45 في المائة على جميع رحلاتها، وذلك بعد أن سجلت أسعار تداول النفط في الأسواق تراجعا ملحوظا خلال الشهرين الماضيين، وصل إلى 60 دولارا للبرميل في الأسواق العالمية.
ويبدو أن شركات الطيران موعودة بحسب خبراء مع تذبذب الأسعار حتى مطلع 2020، وذلك بعد أن سارعت قبل عامين وتحديدا في مطلع سبتمبر (أيلول) من 2012، في وضع سياسة جديدة أجبرت عليها بفعل تداول أسعار النفط، الذي وصل في حينها إلى 110 دولارات للبرميل، والمتمثلة في رفع أسعار التذاكر إلى أكثر من 60 في المائة، التي أسهمت بحسب خبراء في الطيران، إلى عزوف الكثير عن استخدام الناقل الجوي للسفر داخليا كحد أدنى، إلا أنها اليوم تجد نفسها أمام ظروف مغايرة عما كانت عليه قبل عامين، مما سيدفعها إلى وضع برامج تركز على كسب المسافر.
وكانت شركات عالمية استثمرت مع ارتفاع أسعار النفط في الطائرات الحديثة، لتعويض الزيادة في أسعار الوقود، من طراز «إيرباص إيه 380» و«بوينغ 747 – 8»، التي تستهلك معدلات وقود أقل من الطائرات السابقة بنسبة تراوح بين 20 و30 في المائة، كذلك تعمل الشركة على تعديل عملياتها لتقليل استهلاك الوقود، مثل توفير مقاعد أخف وزنا، وأشكال رحلات جديدة.
هذه التقلبات في أسعار النفط، مع حدة النزاعات المسلحة في دول الشرق الأوسط التي ارتفعت في الآونة، وتدني تداول الأسهم في الأسواق، دفع بالكثير من شركات الطيران إلى إشهار إفلاسها، ومنها من خرج من السوق، فيما أجبرت هذه الأزمات الكثير من الشركات للدخول في اندماجات لتفادي إشهار الإفلاس أو الخروج من سوق الطيران العالمية.
وفي محاولة للخروج من الأزمات التي تعصف بقطاع الطيران، دعا الاتحاد الدولي للنقل الجوي «الأياتا» في وقت سابق، عموم شركات الطيران إلى تغيير آلية التعامل والتفكير ضمن سلسلة القيمة في قطاع النقل الجوي، وذلك بهدف جذب قرابة 5 تريليونات دولار أميركي يحتاج إليها القطاع في السنوات الـ20 المقبلة لتلبية الطلب مع زيادة النمو السكاني.
وبالعودة إلى ما تفرضه الأوضاع الحالية من انخفاض أسعار النفط على شركات الطيران، فقد بدأت فعليا لعدد من الشركات العالمية، وخصوصا العاملة في منطقة اليورو على تعديل أسعار تذاكر السفر، وهو ما يراه مراقبون أنه الخطوة الأهم في عودة أعداد كبيرة من قاطني الاتحاد الأوروبي وأميركا إلى مقاعد الطيران بعد العزوف الذي ضرب هذه الدول، خصوصا في الرحلات الداخلية.
وستسعى كل شركة على حدة في وضع أسعار جديدة تتوافق مع قدرتها في جلب أعداد كبيرة من المسافرين، ولن يكون هناك توافق بين شركات الطيران حول سعر موحد، بحسب قانون المنافسة العالمي، ولن يسمح بتبادل أي تفاصيل حول هيكل الأسعار.
وقال الدكتور سعد الأحمد الخبير في قطاع الطيران إن «صناعة النقل الجوي صناعة ديناميكية، وتتأثر بشكل كبير مع المعطيات الخارجية، ومنها أسعار النفط، إذ إن أسعار التذاكر تتراجع أو ترتفع مع أسعار النفط، وتعد أوروبا وأميركا الأسرع تجاوبا كونها أسواقا حرة»، لافتا إلى أنه لا يوجد هناك تشريعات ثابتة حول أسعار التذاكر الذي يخضع لعملية العرض والطلب، فبالتالي تتغير أسعار الخدمة التي تقدمها مع تغير أسعار النفط.
وأضاف الأحمد أن «هناك اختلافا في انخفاض أسعار التذاكر ما بين الطيران الأجنبي والخليجي، التي تجد في عدد من دول المنطقة في الخليج دعما في الوقود، إلا أنها ستتجه مع الانخفاض في المرحلة المقبلة، خصوصا أن الشركات الأجنبية ستتنفس الصعداء مع هذا التراجع للنفط، الذي يعول عليه في جلب وإعادة المسافر إلى مقاعد الطيران». وأرجع الخبير في قطاع الطيران، أسباب انخفاض أسعار التذاكر دون 40 في المائة من التكلفة الشاملة للناقلات الجوية، يأتي من سعر وقود الطائرات، إضافة إلى العروض التي تقدمها الشركات في مواسم بداية السنة التي تنخفض فيها الرحلات السياحية بين دول العالم لتدني درجة الحرارة، وذلك بهدف تعبئة مقاعد الطائرة المغادرة من مدينة إلى مدينة وأن تقدم أسعارا مخفضة أفضل من أن تغادر الطائرة وعلى متنها عشرات من الركاب.
وأكد الدكتور الأحمد أن شركات الطيران ستواجه في المرحلة المقبلة طلبا متزايدا على الرحلات، وهو ما أبرز انعكاس انخفاض أسعار التذاكر، فكلما انخفض سعر تداول برميل النفط زادت نسبت الإقبال بسبب استمرار الانخفاض المتواصل لأسعار السفر، إلا أن هذا الانخفاض لا يرتبط بتغير سياسة الشركات في توسع أسطولها والمحدد من قبل الشركة وفق خططها التوسعية ومعرفة احتياجها وعدد مسافريها في كل عام.
ويعد قطاع الطيران، وفقا «للأياتا» من أهم القطاعات التي ترتفع فيها نسبة الوظائف إلى قرابة 57 مليون وظيفة حول العالم، فيما يسهم الطيران بما مقداره 2.2 تريليون دولار من قيمة النشاط الاقتصادي، فيما وصلت عائدات الشركات منذ 2004 وحتى 2011 على رؤوس الأموال التي تم استثمارها حول العالم نحو 4.1 في المائة.
وفي حال أقرت جميع شركات الطيران نسبة الانخفاض نحو 45 في المائة من قيمة التذكرة الحالية، فإن المستفيد من هذا التراجع في الأسعار قطاع السياحة الذي سيشهد نموا عما كان عليه في الأعوام السابقة، وهو ما ذهب إليه سمير علي المتخصص في قطاع السياحة، بقوله إن «العام المقبل سيشهد نموا في السياحة الخارجية في حال أقرت شركات الطيران خفض أسعارها، خصوصا كدول مثل أوروبا وشرق آسيا والولايات المتحدة الأميركية».
وأضاف سمير أن «هناك دولا تراجعت فيها السياحة وكانت مقصدا لعدد كبير من دول مجلس التعاون، وذلك لأسباب متنوعة، منها ارتفاع أسعار التذاكر التي وصلت لبعض الرحلات إلى قرابة 4 آلاف ريال»، لافتا إلى أن قطاع السياحة عامل مهم للكثير من دول العالم في اقتصادها القومي الذي تركز على تقديم خدمات متعددة وعروض منوعة لجلب السائح..