د. ريحان : مصر قدوة العالم فى تاريخ التسامح بين الأديان
القاهرة "المسلة" …. أكد خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان بمناسبة اليوم الدولى للتسامح الذى يوافق 16 نوفمبر من كل عام أن تاريخ التسامح بين الأديان بمصر بدأت بشائره مع ظهور الإسلام وحتى قبل فتح مصر حين أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم مندوبه إلى المقوقس حاكم مصر ومر بطريق سيناء قادماً من الجزيرة العربية فطلب منه رهبان سيناء أن يبلغ الرسول الكريم حين عودته بطلب عهد آمان لحماية المسيحيين بمصر وكافة أرجاء المعمورة واستجيب لطلبهم بالعهدة النبوية المحفوظ صورة منها بمكتبة دير سانت كاترين بعد أن أخذ السلطان سليم الأول النسخة الأصلية عند فتحه لمصر 1517م وحملها إلى الأستانة وترك لرهبان الدير صورة معتمدة من هذا العهد مع ترجمتها للتركية .
ويؤكد د. ريحان أن هذا العهد هو دستور لحماية المسيحيين فى شتى الأرض وسنة عن النبى صلى الله عليه وسلم ومن يخالفها تستوجب عليه اللعنة وقد جاء فيها تحريم التدخل فى الشئون الداخلية للمسيحيين الخاصة بتنظيم وإدارة مقدساتهم وتحريم هدم المقدسات المسيحية تحريماً باتاً ومنع استخدام أحجار الكنائس المتهدمة فى بناء منازل أو مساجد المسلمين وتعهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه بحفظ ذمة المسيحيين فى أى مكان فى البر أو البحر وفى المشرق والمغرب والشمال والجنوب وأمر بتأمينهم من أى مكروه ولا يجادلوا إلاّ بالتى هى أحسن ويخفض لهم جناح الرحمة ومعاونتهم على ترميم وصيانة مقدساتهم.
ويضيف د. ريحان أن سلاطين المسلمين فى كل العصور أقرّوا هذه الامتيازات المبينة فى العهدة النبوية وذكروها فى فرماناتهم ومنشوراتهم لمطارنة الدير بل ذكروا إنما أعطوهم هذه الامتيازات بناءاً على العهد الذى أخذوه عن النبى وأيده الخلفاء الراشدون وقد التزم عمرو بن العاص رضى الله بهذا العهد حين فتح مصر وأعطى المسيحيين أماناً جاء فيه (هذا ما أعطى عمرو بن العاص أهل مصر من الأمان على أنفسهم وملتهم وأموالهم وكنائسهم وصلبانهم وبرهم وبحرهم لا يدخل عليه شئ ولا ينتقص ) وكان دائما يوصى فى خطبه المسلمين بمراعاة الأقباط والمحافظة على حسن جوارهم قائلاً لهم (استوصوا بمن جاورتموه من القبط خيراً ) ولقد أرسل عمرو بن العاص لبطريرك الأقباط اليعاقبة بنيامين (609- 648م) وقد كان هارباً من الحاكم البيزنطى رسالة جاء فيها (فليظهر البطريرك مطمئناً على نفسه وعلى طائفة القبط جميعهم التى بالديار المصرية وغيرها آمنين على أنفسهم من كل مكروه ) وعاد البطريرك وأكرمه عمرو بن العاص وأمر له أن يتسلم الكنائس وأملاكها .
ويؤكد د. ريحان أن عمرو بن العاص ساهم فى بناء الكنائس وترميمها التى تهدمت إبان حكم البيزنطيين ولم تتدخل الحكومات الإسلامية المتتابعة فى الشعائر الدينية عند أهل الذمة وكان الأمراء والخلفاء يحضرون مواكبهم وأعيادهم وكان أبناء مصر من المسلمين يشتركوا مع الأقباط فى هذه الاحتفالات ولقد بنيت الكنائس والأديرة فى العهد الإسلامى وكان أولها كنيسة الفسطاط التى بنيت فى عهد مسلمة بن مخلد 47-68 هـ وقد وصل عدد كنائس مصر أديرتها حتى نهاية القرن الثانى عشر الميلادى إلى 2084كنيسة ، 834 دير وأن التسامح الدينى الذى قام فى العصر الإسلامى لم تكن تعرفه أوروبا فى العصور الوسطى بل أنها لم تعرفه إلاّ بعد الثورة الفرنسية.
ويشير د. ريحان أن الحقائق الأثرية التى تتكتشف يوماً بعد يوم تؤكد أن المقدسات المسيحية كانت آمنة فى مصر ومنها الأيقونات وهى صور دينية مسيحية لها دلالات معينة وقد حميت من أن تمس بسوء فى فترة تحطيم الأيقونات التى انتشرت فى العالم المسيحى وأوروبا فى الفترة من 726 إلى 843م وحميت أيقونات مصر لوجودها داخل العالم الإسلامى بعيدة عن سيطرة أوروبا وزيادة على ذلك لم يمنع المسلمون جلب هذه الأيقونات المسيحية من خارج مصر إلى دير سانت كاترين حيث أن عدداً كبيراً من الأيقونات التى تعود للقرن السابع والثامن الميلادى جلبت من مناطق كانت تخضع للعالم الإسلامى فى ذلك الوقت ويحتفظ دير سانت كاترين حتى الآن بأكثر من 2000 أيقونة من أقدم وأجمل وأندر أيقونات العالم كما حرص المسلمون على إنعاش وحماية طريق الرحلة المقدسة للمسيحيين إلى القدس عبر سيناء ببناء حصون بها حاميات من الجنود لتأمين هذا الطريق وهناك كنيسة مكتشفة داخل قلعة حربية وهى قلعة صلاح الدين بجزيرة فرعون بطابا وهناك كهف مسيحى به رسوم صلبان وكتابات يونانية وصور قديسين يعود للقرن الرابع الميلادى مكتشف فى الطريق الحربى لصلاح الدين بسيناء بمنطقة حمام فرعون التى تبعد عن السويس 110كم وهناك 200 وثيقة أصدرها الخلفاء المسلمون كعهود أمان لحماية الدير والمسيحيين عموماً تحتفظ بها مكتبة دير سانت كاترين تكشف عن سياسة التسامح التى سارت عليها السلطات العربية الإسلامية حيال المسيحيون واليهود.
ويتابع د. ريحان بأن الخليفة الحاكم بأمر الله تولى وزارته أربعة من المسيحيين وكان طبيبه الخاص مسيحى وأن مكتبة دير سانت كاترين تضم عهد أمان للخليفة الفائز طوله 488سم يتضمن رعاية شئون الرهبان وتأمين سلامتهم وأموالهم وفى عهد محمد على 1805-1848م أصبح لدير سانت كاترين نسبة من إيراد الجمارك التى تحصل بالقاهرة وسادت روح التسامح فى عد أسرة محمد على وفتحت الأديرة أبوابها للزوار الأجانب وتم دراسة بعضاً من مخطوطات الدير.