جزيرة روجن درة السياحة الألمانية
رغم تدفق السياحة العربية إلى ألمانيا، ما زال العرب يجهلون جزيرة روجن التي تعبق بالتاريخ، ذات المناظر الخلابة والشواطئ النظيفة والخدمات الفندقية عالية الكفاءة. يقطع القطار السريع بين ميونيخ وروجن في 10 ساعات، وتقطعها السيارة في 8 ساعات. رغم طول السفر، إلا أن الرحلة كانت فرصة جيدة لاكتشاف شبكة الطرق السريعة الألمانية " الأوتوبان" التي تربط أجزاء البلاد المختلفة بكل دقة ونظام. فكل شئ واضح واللوحات دقيقة ووسائل مراقبة السرعة على الطريق تعمل بكفاءة، وتنتشر الاستراحات على الطريق وهي مزودة بكل وسائل الراحة.
لا وقت للراحة
مرورًا بالعديد من المدن الكبيرة مثل إيفورت ولايبتزج وبرلين وبوتسدام وروستوك، أصبحنا على مشارف جزيرة روجن. عبرنا جسر روجن الذي يربط الجزيرة باليابسة الألمانية على إمتداد مسافة كيلومترين، فأصبحنا في قلب الجزيرة. لم تمهلنا منظمة الرحلة وقتًا للراحة، بل أخذتنا في جولة سريعة للتعرف على النظام المعماري لمباني الجزيرة التاريخية. فالألمان يشتهرون بالدقة ولا وقت للراحة. برنامج الرحلة دسم والوقت قصير، وقبل أن تغرب شمس اليوم كنا قد أنهينا جولتنا على شاطئ بحر البلطيق الممتلئ بالمتنزهين، والجالسين على الأرائك المصنوعة من الخوص. فعادة، يستخدم الناس على الشاطئ هذه الأريكة التي يمكن تسميتها "بكابينة البحر المتحركة"، وهي عبارة عن أريكة مصنوعة من الخوص مغطاة بسطح وأحرف بارزة على الجانبين وهي تتيح الفرصة للاسترخاء وحماية الجالس عليها من الهواء. ويمكن وضع لوازم البحر في أدراجها.
من العصر الجليدي
تقول منظمة الرحلة أن الجزيرة المليئة بالسياح طول أشهر السنة، تخلو منهم في شهري كانون الثاني (يناير) وشباط (فبراير)، بسبب رداءة الجو، لكنها في الشهور الأخرى مناسبة للسياح، لآن مناخها دافئ. وسواحل الجزيرة غير بعيدة عن حدود بولندا والسويد، ما يجعلها قبلة السياح من الشرق والغرب.
تاريخ الجزيرة قديم للغاية، فمن الناحية الجغرافية يرجع تكوينها إلى العصر الجليدي، حين بدأ المجرى الثلجي في الذوبان منذ نحو 10 ألاف عام. ونتيجة لذلك، ارتفع منسوب مياه بحر البلطيق بشكل ملحوظ، فغطى الأراضي وكونت المناطق المرتفعة مجموعة من الجزر التحمت في ما بينها بفعل الرمال التي غطت الفراغات وكونت جزيرة روجن .
الكثير من الآثار الجيولوجية يثبت أن روجن من أقدم الأراضي التي سكنها الإنسان. فحسب علماء الآثار، ترجع الحياة في هذه الجزيرة إلى خمسة آلاف عام قبل الميلاد، وقد استوطنتها القبائل الجرمانية، وعثر فيها على أدوات زراعة وأسلحة ترجع للعصر الحجري. ويوجد فيها خمسة قبور لملوك "الهون" يعود تاريخها إلى 1300 ـ 1800 سنة قبل الميلاد. دخلتها القبائل السلافية من أوروبا الشرقية في القرن السادس الميلادي، واشتبكت مع الجيرمانيين الذين انتصروا في المعركة وفرضوا سيطرتهم على الجزيرة في القرن الثاني عشر. وفي العام 1630 تحولت تبعيتها الي السويد ثم إلى يد الفرنسيين أثناء حملات نابليون، وبعدها انتقلت الي بروسيا بعد مؤتمر فيينا في العام 1815.
حق كل ألماني
أعتبرت الجزيرة المصيف المثالي لسكان ألمانيا الشرقية سابقًا. وبعد سقوط سور برلين وإعادة الوحدة لألمانيا، جذب هذا المصيف الألمان بشكل كبير من كل أنحاء البلاد، لا سيما الجنوب. فشواطئ الجزيرة تمتد 580 كلم حول مساحة الجزيرة الكلية التي تبلغ نحو 960 كلم.
قبل إندلاع الحرب العالمية الثانية، بني الزعيم النازي أدولف هتلر في منطقة بورار بالجزيرة منتجعًا لكل طبقات الشعب على شاطئ البحر مباشرة، على امتداد سبعة كيلو مترات، يتسع لنحو 70 ألف شخص، ما زال قائمًا ومهجورًا حتى الآن. وتقوم شركات ألمانية بترميم مبانيه وعرض شققه للبيع. يصل سعر المتر في الأدوار الأرضية إلى 3000 يورو والأدوار العليا الى 6000 يورو.
وتشتهر الجزيرة كذلك بالحديقة الوطنية "يازموند"، التي تعتبرها منظمة يونسكو من التراث العالمي الذي يجب حمايته. فيها أكبر غابة لأشجار الزان التي يرجع تاريخها الي القرن الثالث عشر، وتتميز بموقعها فوق تلال من الصخور الكلسية ذات الشهرة العالمية المطلة على بحر البلطيق. زاد من شهرتها قيام الرسام الألماني الشهير كاسبر ديفيد فريدريش قبل قرنين من الزمن برسم لوحة "كرسي الملك" للمنظر الرائع المطل من أعلي الصخور الطبشورية على بحر البلطيق .
حمامات روجن
تشتهرت حمامات روجن الطبية بسمعة عالمية ويصفها الأطباء للناس للعلاج من الأمراض الجلدية وأمراض العظام. وتأسس أول حمام طبيعي فيها سنة 1739. قلما يخلو فندق من وجود منتجع فيه، يقدم العلاج بالأيفيدا، تحت إشراف أطباء درسوا في الهند. ولا تخلو الجزيرة من التسلية والثقافة والمتعة. فهي مناسبة جدًا لهواة ركوب الدراجات الهوائية للسير في طرقها الممتدة عبر الغابات الفسيحة، والمتاخمة لشاطئ البحر. وفي نفس الوقت، هي ملتقي محبي الرياضات المائية، إذ يوجد فيها مسابح وملاعب شاسعة لممارسة الرياضة.
يمكن ممارسة هواية الصيد البحري والبري، بالاضافة إلى التمتع بزيارة العديد من المتاحف القديمة مثل الفنية التي تضم لوحات عديدة لرسامي القرنين السابع عشر والثامن عشر ومتاحف البيئة والبحر والغابات والجيولوجيا، وكلها متاحف تعليمية. ومن أكثر الأشياء التي تعجب الزائر التنوع الكبير في المأكولات التي تشتهر بها فنادقها، خصوصًا السمك البحري وأنواع الطيور والحيوانات البرية. وتجمع مطاعم الجزيرة بين مطابخ ألمانيا وانجلترا والدول الاسكندنافية.