اعلانات الهيدر – بجانب اللوجو

Al Masalla-News- Official Tourism Travel Portal News At Middle East

جانبى طويل

بئر أبي ذر الغفارى… بقلم د ماجدة غضبان

بئر أبي ذر الغفارى… 

 

 

 

 
البئر أظلم عميق ..


سمعت صراخهم ..


_أتسمعون يا رفاق؟، هنالك من يصرخ ..


_عاد لما كان عليه ..

 

 

 


_أنت تسمع ما لا نسمع، و ترى ما لا نرى ..


_عدت الى جنونك جديد من ..


_الدليل اننا خمسة افراد، و لم نسمع شيئا ..


حطمت دائرة الأذرع المغلقة، المبطنة بضحكات السخرية و الاستهجان ..


_الى أين ذاهب؟


تدلت اصواتهم في الهواء كثمار مجوفة ..


_الى البئر حيث يصرخون ..


_دعه انه مجنون ..


_لن يجد البئر، و سنكون في استقباله بنكات لاذعة ..


_سيكون تسليتنا الوحيدة هذا المساء ..


غادرتهم مسرعا، و انتهى لغطهم عند الخط الفاصل بين الشمس و حمرة البحر الهاديء حتى ذاب كعدم لم يكن ..


الى الأمام، و على بعد بضعة خطوات انفجر بركان الصرخات ..


تناثر الزعيق و كلمات الغوث كالحمم من فوهة بئر يقذف ما فيه نحوي بغضب و قوة ..


بخار و دخان و عواء بشري مرعب لامس جلدي دون أن أشعر بحرقة أو ألم ..


_من هناك؟ ..


_نحن هنا في الأسفل ..


بدا التشابه بين الأصوات التي ودعتني بسخريتها قبل قليل و بين بوق الاستغاثة الجماعي واضحا ..


_من انتم؟


_ من سخر قبل لحظات منك ..


_كيف سقطتم في البئر، و قد تركتكم خلفي؟ ..


_لا ندري .. هات لنا بحبل، و اربطه بصخرة لعل احدنا يخرج و يعين من بقي على الخروج أيضا ..


_لا أملك حبلا ..


_مد لنا يدك ..


_البئر ليس عميقا ..


_لكنه شديد اللزوجة ..


_لا نستطيع التسلق نحو الأعلى ..


تدلت ذراعي صوب عتمة شديدة ..


_هل ترون يدي؟


_اني ارى سبابتك


_انا لا ارى سوى ابهام ..


_لا ليس هناك سوى الخنصر ..


_كلا انه بنصر فحسب


_ايها الحمقى هذا اصبع الوسطى و لكنه شديد الضخامة ..


شعرت بابهامي يكاد ان يتحطم تحت ضغط يد هائلة الحجم ..


_اترك ابهامي و امسك بيدي كلها ..


_الظلام شديد لا ارى سوى الابهام ..


_انا سأتعلق بالخنصر فهو واضح امامي جدا ..


_انا سأمسك الوسطى الضخمة ..


_و انا لدي السبابة ..


_و هذا البنصر يبدو لي كعمود كبير ..


_ايها الاغبياء اتركوا أصابعي .. انكم تسحبونني نحو الظلام، اتركوا أصابعي، ليمسك أحدكم بيدي كلها، لا يمكن ان اخرجكم جميعا ..


كادت أصابعي ان تغادر أماكنها، و الايادي تطبق عليها و باصرار شديد ..


أصبح نصف جسدي في عتمة الهوة ..


رفست الارض بساقي و انا اقاوم السقوط ..


_اتركوا يدي ..


تمادت صرختي برفرة نحيلة مغتالة سكون خمد بين أرض و سماء .. الا انها كانت متأنية بموازاة سرعة التهام الهوة لي ..


أحاط بي الظلام و اللزوجة معا ..


سمعت قهقهة أحدهم في الأعلى حيث لم يعد بامكاني ان ارى أي شيء ..


_انظر الى هذا الغبي، قد رمى نفسه في بئر عميق لا قرار له ..


_قد صدق حقا ان هنالك أناسا في البئر ..


_صدق الاصوات التي ضجت في رأسه ..


_هذا الجنون بعينه ..


_اتركوه في البئر، انه يستحق البقاء هناك ..


ابتعد ضجيجهم .. ساد الصمت بعد رحيل آخر خطوة ..


أحاط بي طوق هائل من أشواك الوحدة و اليأس و بدا كأنشوطة مشنقة معدة لقتلي ..


لا أظنهم سيسمعون صراخي ..، فهم لا يسمعون ما أسمع ..


و إن سمعوا .. فلا أظن ان لديهم رغبة برؤيتي على وجه الارض مرة اخرى
..

 

 
د.ماجدة غضبان

كاتبة عراقية

طبيبة بيطرية

نبذة عن الكاتب

مقالات ذات صله

error: Disabled