الأصل في الزواج التعدد أم الإفراد…!!
بقلم : الدكتور محمد فنحى راشد الحريرى
نقصد بالتعدد الاقتران بأكثر من زوجة واحدة، وهو آت من الجذر الثلاثي (ع د د) والعد: الإحصاء. يقال: عد الشيء يعده عدا وتعدادا وعدة. وعدده، قال تعالى:
((ويل لكل همزة لمزة. الذي جمع مالا وعدده)) سورة الهمزة / 1-2. أي صار ماله ذا عدد. والاسم: العدد والعديد قال الله تعالى: ((وأحصى كل شيء عددا)) سورة الجن / 28.
قال ابن الأثير: له معنيان: يكون أحصى كل شيء معدودا فيكون نصبه على الحال يقال: عددت الدراهم عدا وما عد فهو معدود وعدد كما يقال: نفضت ثمر الشجر نفضا والمنفوض نفض. ويكون معنى قوله "وأحصى كل شيء عددا" أي إحصاء فأقام عددا مقام الإحصاء لأنه بمعناه.
و في المصباح المنير: قال الزجاج: وقد يكون العدد بمعنى المصدر كقوله تعالى: "فضربنا على اذانهم فى الكهف سنين عددا" سورة الكهف / 11. وقال جماعة: هو على بابه والمعنى: سنين معدودة وإنما ذكرها على معنى الأعوام. وعد الشيء: حسبه. وقالوا: العدد هو الكمية المتألفة من الوحدات فيختص بالمتعدد في ذاته وعلى هذا فالواحد ليس بعدد لأنه غير متعدد إذ التعدد الكثرة.
وقال النحاة: الواحد من العدد لأنه الاصل المبني منه ويبعد أن يكون أصل الشيء ليس منه ولأن له كمية في نفسه فإنه إذا قيل: كم عندك؟ صح أن يقال في الجواب: واحد كما يقال: ثلاثة وغيرها.
قال تعالى:
((وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا)) سورة النساء / 3
وكثيرون يسألون عن العلاقة بين أول الآية والتعدد؟ فنقول لهم:
هذه الآية الكريمة نزلت حين كان الناس لا يعدلون في النساء اليتامى بل يحبس الرجل اليتيمة إما لابنه إن كانت لا تحل له، وإما لنفسه إن كانت تحل له، ولا يزوجها من يخطبها من الأكفاء فقال الله تعالى (وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى) أي إن خفتم عدم العدل في اليتامى فالنساء سواهن كثير (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع) وبهذا عرفنا صلة آخر الآية بأولها من خلال سبب نزولها. وأنصح بمراجعة أسباب النزول وكتب التفسير المعتمدة.
وأشير أن هذه الآية الشريفة يستدل بها المعددون مثلما يستدل بها المفردون، فما هو الأصل في الزواج؟ هل هو التعدد، أو الزوجة الواحدة؟
ونرى أن أصل الخلاف في المسألة هو اعتبار الواحد من العدد أم لا ..
فمن قال إن الواحد من العدد (وهم النحويون) قالوا أن الأصل بالزواج أن يتزوج الرجل بواحدة فيكون حقق مطلب الشريعة منه، ومن قال أن الواحد ليس من العدد قال بضرورة الزواج بأكثر من واحدة !!!
ونحن نميل بالطبع إلى رأي النحاة فهو الصحيح قطعا، وحين يقول لك رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ...) فمن المستحيل أن تفهم منه وجوب الإقتران باثنتين أو ثلاثة أو ….. وإنما تفهم منه الزواج بواحدة وتكون ممن طبق الأمر التشريعي.
ومثله قوله تعالى: ((أقم الصلاة لدلوك الشمس ….)) سورة الإسراء / 78
لايفهم منه أن تؤدي صلاة الظهر إلا مرة واحدة.
ومن المعلوم أن آية التعدد جاءت مستجيبة للعادة التي كان عليها العرب قبل الإسلام، فقد كانوا يعددون لحاجات كثيرة، فجاء الشرع الحنيف فحدد أربع زوجات على الصحيح، أما قضية التعدد أم الواحدة، فإن أحدهم يبدأ بواحدة فيمكن أن يقال هذا الأصل، ولكني أقول إن الأصل يكون من حيث المقصد هو العدل،
فمن لا يعدل مع زوجة واحدة فالزواج في حقه حرام، وهذا الحكم ينسحب على التعدد من باب أولى، فإن أراد أحدهم التعدد مع الاستطاعة، والالتزام بالعدل فهو جائز. أما أولئك القوم الذين يعددون بلا سبب وليس لديهم القدرة على الإنفاق ولا القدرة الطبيعية البدنية على القيام بأعباء الزوجية والتزامات الفراش وإعفاف الزوجتين فالتعدد بحقهم حرام شرعا، وواحدهم في حكم من لا يستطيع الباءة.
الحديث الشريف صحيح وصريح (من استطاع منكم الباءة) والباءة هي القدرات النفسية والمالية والبدنية والطاقة الجنسية، فمن ملكها ولم يتزوج فهو آثم، مثلما أن من لم يملكها ويتزوج فهو آثم أيضا.
نقول هذا بالصوت الممتلئ والله أعلم.