عرض وتحليل لسياسات الموازنة العامة للدولة للسنة المالية 2014/2015
كتب: محمد رضا
مدير إدارة البحوث المالية والاقتصادية في A.T. Brokerage
القاهرة "المسلة"…. أعلنت الحكومة في البيان المالي للموازنة العامة للدولة للسنة المالية 2014/2015 إنها وضعت مجموعة من السياسات والإجراءات الهيكلية الجادة للسيطرة على الدين العام من خلال السيطرة على معدلات العجز على مدار الثلاث سنوات المقبلة عند مستوى 10.4% من الناتج المحلي الإجمالي لخفض معدلات الدين العام لأجهزة الموازنة العامة للدولة إلى مابين 80-85% مع حلول عام 2016/2017, والتي نرى أن هذه السياسات والخطة الموضوعة للثلاثة سنوات القادمة لم تأتي برؤية اصلاحية حقيقية والتي أستهدفت فقط المحافظة على معدلات العجز دون تخفيضها, ودون طرح وتنفيذ خطة إصلاح اقتصادي حقيقة
وأستهدفت الحكومة في خطتها تنفيذ الإستحقاقات الدستورية في زيادة مخصصات الصحة والتعليم والبحث العلمي بشكل تدريجي خلال ثلاث سنوات للوصول إلى المعدلات المستهدفة للإنفاق على هذة المجالات بنسبة من الناتج المحلي وتشمل 3% للصحة و4% على التعليم قبل الجامعي و2% للتعليم الجامعي و1% للبحث العلمي ليصل إلى نحو 284 مليار جنيه في العام المالي 2016/2017, ونرى ذلك إلتزام واضح الحكومة لتنفيذ الإستحقاقات الدستورية في زيادة مخصصات الصحة والتعليم والبحث العلمي في الدستور المصري.
كما وضعت الحكومة مجموعة من السياسات وهي إصلاح منظومة المعاشات, وفض التشابكات المالية بين مختلف جهات الدولة, وتطوير هيكلي شامل لكافة الأصول الأنتاجية والخدمية المملوكة للدولة, وتحسين مناخ الإستثمار, والتوسع في شبكة الضمان الإجتماعي والدعم النقدي للفئات الأولى بالرعاية وتحقيق الحماية الاجتماعية لمختلف أبناء الشعب, واستعادة الاستقرار المالي للبلاد والسيطرة على عجز الموازنة العامة ولكنها لم تعلن عن خطط وآليات تنفيذية واقعية لكيفية تحويلها إلى واقع إصلاحي.
ووضعت الحكومة مجموعة من الإجراءات الضريبية والتي تستهدف زيادة حصيلة الإيرادات الضريبية في الموازنة وأهمها تعديلات قانون الضريبة العقارية رقم 89 لسنة 2008 بزيادة متوقعة في الحصيلة الضريبية بنحو 3.5 مليار جنيه على أن يتم توجيه نصف هذه الحصيلة لتنمية المحليات وتطوير العشوائيات مناصفة كما نص عليه القانون رقم 196 لسنة 2008, وقرار رئيس الجمهورية بقانون رقم 44 لسنة 2014 لإقرار ضريبة مؤقتة لمدة ثلاثة سنوات بنسبة 5% على الدخول والأرباح أعلى من مليون جنيه مصري وكذلك مجموعة من التعديلات على قانون الضريبة على الدخل تهدف لتوسيع القاعدة الضريبية من خلال تخضيع صافي الأرباح السنوية المحققة عن ناتج التعامل على الأوراق المالية المقيدة بالبورصة المصرية وكذلك توزيعات الأرباح, وصاحبها في ذات الوقت إلغاء لضريبة الإضافة المقررة على بعض التعاملات الاقتصادية وكذلك إلغاء ضريبة الدمغة على التعاملات بالبورصة ورفع الضرائب على السجائر والخمور بما يصل إلى 120%, وتوقعت الحكومة أن تحقق تطبيق هذه التعديلات زيادة الحصيلة الضريبية بنحو 10 مليار جنيه مصري, مع تطوير نظام الضريبة على المبيعات خلال العام المالي 2014/2015 من خلال استكمال الانتقال الكامل للضريبة على القيمة المضافة لتغطي كافة السلع والخدمات فيما عدا تلك المرتبطة بمكون مرتفع للبعد الاجتماعي فقط فتظل معفاه كما هي, بجانب توحيد السعر العام للضريبة وتطبيق نظام الخصم على كافة المدخلات للسلع والخدمات الخاضعة مما يحقق العدالة الضريبية وتبسيط إجراءات الضريبة وتوحيدها مع إجراءات الضريبة العامة على الدخل, وتخفيض غرامات التأخير وتطبيق المواد الإجرائية في ضريبة الدخل عدا مايرتبط بطبيعة ضريبة المبيعات, ونرى أن سياسات الدولة الضريبية تعتمد في المقام الأول على توسيع القاعدة الضريبية من خلال فرض ضرائب جديدة وغاب عنها المشكلة الرئيسية للمنظومة الضريبية المصرية وهي تطوير اجراءات تحصيل الضرائب وتقليل المتأخرات والتي بلغت قيمتها 70 مليار جنيه، وفصل عملية تحديد الالتزام الضريبي وتقديره عن عملية التحصيل وملاحقة المتهربين والعمل على جمع كافة الرسوم والمبالغ التي يتم سدادها تحت مسميات مختلفة كرسوم طرق او تنمية خزانة الدولة او دمغات وغيرها في مسمى واحد هو «الضريبة», وفي نفس الوقت نثمن أتجاه الحكومة للانتقال الكامل للضريبة على القيمة المضافة لتغطي كافة السلع والخدمات.
وشملت أيضاً سياسات الموازنة إصدار قانون استغلال المناجم والمحاجر الذي يتضمن تنظيم مشاركة القطاع الخاص وزيادة الإيجار السنوي لتراخيص البحث والحماية والاستغلال بالإضافة لفرض إتاوة على الانتاج السنوي طبقاً لنوع الخام, وهو مانراه من التشريعات الهامة التي يحتاج إليها منظومة التشريعات الاقتصادية والاستثمارية للإستغلال الأمثل لموارد الدولة والحفاظ على ثرواتها للأجيال القادمة.
كما أعلنت الموازنة تنفيذ أصلاحات لترشيد الدعم تتضمن برنامج الإصلاح السعري التدريجي على المدى المتوسط والذي بدء بالفعل بقيام الحكومة بتحريك أسعار الطاقة بالزيادة على المواطنين للبنزين والسولار والغاز والكهرباء, ورفع أسعار الغاز الطبيعي لبعض القطاعات الصناعية كما يلي: 8 دولار لكل مليون وحدة حرارية لصناعة الأسمنت, و7 دولار لصناعة الحديد والصلب والألومنيوم والنحاس والسيراميك والزجاج, و5 دولار للصناعات الغذائية والأدوية والطوب, و4.5 دولار لصناعة الأسمدة والبتروكيماويات, و3 دولار لمحطات الكهرباء, كما تم رفع أسعار المازوت لبعض القطاعات الصناعية كما يلي: لمصانع الأسمنت بنسبة 50% لتبلغ 2250 جنيه للطن مقابل 1500 جنيه للطن, و1400 للطن للصناعات الغذائية, و2300 للطن للكهرباء, و1950 للطن للطوب وباقي الصناعات على أن يتم أستكمال برنامج الإصلاح السعري التدريجي على المدى المتوسط, وكذلك دعم عدد من القطاعات للتحول من المصادر التقليدية للطاقة إلى إستخدام الطاقة النظيفة وأساليب الإضاءة الذكية على أن يتم رفع الدعم عن السولار المقدم لهذه القطاعات, وإستبدال إستخدام الفحم بدلاً من المازوت وتوصيل الغاز الطبيعي للمنازل وتطوير مصادر الطاقة البديلة وفي مقدمتها الطاقة الشمسية, وكذلك الإسراع في تطبيق نظام الكروت الذكية لتوزيع السولار والبنزين, مع تطوير كفاءة قطاع البترول وحل مشاكله بقيام الحكومة بسداد 1.5 مليار دولار من المتأخرات المستحقة للشركاء الأجانب طرف هيئة البترول قبل نهاية عام 2014.
ونرى أن رؤية وسياسات الحكومة في الرفع الجزئي للدعم على المدى المتوسط بدون تطوير شبكة الضمان الاجتماعي وبدون إجراءات للتحكم في السوق ومحاربة السوق السوداء ستؤدي إلى ارتفاع الأسعار وانخفاض قيمة الجنية المصري وانخفاض القوة الشرائية وانخفاض وتغير نمط الطلب والاستهلاك في السوق في ظل أرتفاع مستويات البطالة بالاضافة لانخفاض الإنفاق الاستثماري في الموازنة ليؤدي ذلك لمعضلة أكبر بانخفاض حصيلة الدولة من الضرائب ويؤدي في النهاية إلي زيادة حالة الركود التضخمي التي يعاني منها الاقتصاد المصري وبلوغها ذروتها, ونجد في ذات الوقت أن قرارات رفع الدعم الأخيرة لم تحقق إعادة هيكلة الدعم ولم تحقق العدالة الاجتماعية ولم تحقق إعادة توجيه الدعم لمستحقيه كما هو معلن, ونجد في النهاية أن المتضرر الأكبر هم مستحقي الدعم والذين يعيشون تحت خط الفقر وهم 25 مليون مواطن مصري تقريباً من معدومي الدخل 26% من الشعب المصري أولئك الذين يعيشون على أقل من 10جنيه تقريبا فى اليوم, بالإضافة إلى تضرر محدودي الدخل بشكل حاد بمزيد من الأعباء والضغوط الشديدة عليهم والذين بالفعل ساءت أحوالهم بشدة فى الأعوام الثلاثة الأخيرة والتي ستؤدي في النهاية إلى تحول جزء كبير من محدودي الدخل ليصبحوا تحت خط الفقر, وبالرجوع للدستور المصري بهذا الشأن فسنجد المادة 124 من الدستور نصت على "أنه في جميع الأحوال لايجوز أن تتضمن الموازنة أي نص يكون من شأنه تحميل المواطنين أعباء جديدة" لنصبح أيضاً أمام تجاهل للدستور المصري بعدم دستورية الموازنة والقرارات التي اتخذت من الحكومة والتي حملت المواطنين بأعباء جديدة, وكان يجب على الحكومة إعادة هيكلة إنفاق الموازنة العامة على الدعم وليس إلغاؤه وخاصة دعم الطاقة والذي تعود منافعه بالدرجه الأولى على المواطنين الأيسر حالاً وعلى الصناعات كثيفة الاستخدام للطاقة والتي تلتهم 61% من دعم الكهرباء 75% من دعم الغاز الطبيعي, حيث أننا في دولة تخصص ثلث موازنتها للدعم ومع ذلك يعيش بها 26% من مواطنيها تحت خط الفقر من يصنفوا بمعدومي الدخل, أذ أننا أمام عدم استهداف واضح لمستحقي الدعم واستنفاذ واهدار لموارد الدولة, لذلك يجب إعادة هيكلة دعم الطاقة بما يحقق العدالة الاجتماعية وليس مجرد إلغاؤه فقط وأن يتم ذلك برؤية واضحة بآليات متكاملة بشكل متوازي بالرفع الجزئي للدعم على المدى المتوسط والتحول للدعم النقدي وتطوير شبكة الضمان الاجتماعي ووضع إجراءات قوية للرقابة والتحكم في السوق ومحاربة السوق السوداء.
ونجد أن الأجور الحكومية تضاعفت خلال الثلاث سنوات الأخيرة لتتخطى 207 مليار جنيه وهو مايمثل ضعف حجم الأجور المدفوعة في عام 2010/2011 وأعلنت الحكومة أنها ستواجه ذلك بتعديل منظومة الزيادة في الأجور بإلغاء الأعفاء الضريبي على العلاوات الخاصة ووقف ضمه للراتب الأساسي بعد مرور خمس سنوات ووقف التعينات بالحكومة من خلال الأبواب الخلفية على أن تقتصر فقط على الباب الأول للأجور مع ربط التعيينات الجديدة بنسبة لمن يتم خروجهم من الخدمة بالجهاز الحكومي, ووضع خطة لخفض عدد العاملين بالحكومة على مدار 15 عاماً, ونرى أن السياسات الحكومية في اتجاه إعادة هيكلة باب الأجور بالموازنة جيدة ولكن يجب أن تشمل ايضاً تطبيق الحد الأقصى للأجور والذي يشمل 42 ألف قيادة حكومية شاملة المستشاريين دون أستثناء وخفض عدد العاملين بالحكومة من خلال إعادة توظيفهم في قطاعات إنتاجية.
وفي النهاية, فإن السياسات التي أعلنت عنها الحكومة في الموازنة العامة للدولة للسنة المالية 2014/2015 والتي تستهدف فقط تثبيت معدلات العجز عند مستوى10% من الناتج المحلي الإجمالي في العام المالي 2014/2015 ليصبح على مدار الثلاث سنوات المقبلة وحتى عام 2016/2017 عند مستوى 10.4% من الناتج المحلي الإجمالي وبدون إصدار خطة الإصلاح الاقتصادي طويلة الأجل المنتظرة نرى أن هذه السياسات لم تأتي برؤية اصلاحية حقيقية والتي أستهدفت فقط المحافظة على معدلات العجز دون تخفيضها, لنستمر في ذات الحلقة المفرغة من التفكير داخل الصندوق والإستمرار في سياسة المسكنات لمزيد من الضغوط الاجتماعية ومضاعفة حجم مشاكل الاقتصاد القومي ومزيد من الأعباء على الأجيال القادمة.
وأخيراً, فإن الأزمة الاقتصادية التي تمر بها مصر وتفاقم عجز الموازنة يحتاج إلى رؤية إصلاحية حقيقية متكاملة تمتلك الجرأة والإرادة والتفكير خارج الصندوق بحلول غير تقليدية من خلال وضع خطة إصلاح اقتصادي حقيقية للاقتصاد المصري وإعادة هيكلة الموازنة العامة .