السياحة الدينية "لماذا التردد"؟!!
بقلم : زيد محمد النوايسة … في عالم اليوم ، لم تعد النظرة للسياحة هي ذاتها كما كانت سايقا، حتى في دول العالم الثالث اصبحت مكونا رئيسيا من مكونات الاقتصاد الوطني، بل ان اهميتها فاقت قطاعات اخرى كالصناعه والخدمات لدى بعض الدول التي تملك ميزة مطلقة في المنتج السياحي، ودخلت مفاهيم جديدة كالسياحة العلاجية والسياحة البيئية والسياحة الدينية، والسياحة التأملية، ولم يعد دور الجهات الرسمية المشرفه على هذا القطاع تنحصر فقط في منح الترخيص لهذا الفندق او ذاك المربع الليلي، او مشرب بيع الخمور، او مقهى للارجيلة والقهوة، بل انها تعدت هذا الامر لتصبح من صناع السياسة الاقتصادية للدولة حتى تساهم في رفع الناتج القومي الاجمالي، فاصبحت السياحة والنظرة اليها في العقل الرسمي لتلك الدول امرا سيادياً لا يقل اهمية عن سياسة الدولة الخارجية وامنها الوطني.
وبنظرة بسيطة على النموذج المعجزة "دبي" الامارة الصغيرة، وللمناسبة ذات الامكانيات النفطية المحدودة قياسا على بقية اقطار الخليج، فالثروة النفطية هي في الاصل لدى امارة ابوظبي، ولكن دبي حققت في عام 2012 ما يقارب 10.6 مليار دولار من السياحة وتفوقت على اسطنبول بكل ما تعنيه اسطنبول وفرادة طبيعتها السياحية من معنى، حينما يجتمع سحر الشرق والعراقة مع مدنية الغرب وتقدمه في مدينة واحدة، ومع ذلك شكل دخلها ما يقارب 10.2 دولار؟ّ!! اي اقل من دخل دبي من الناحية السياحية!!.
في الاحصائيات الرسمية ان 8.9 مليون زائر دخلوا دبي، وانفقوا ما يقارب 4.6 بليون دولار في عام 2012، في حين ان الاردن استقبل 7 مليون سائح، انفقوا ما يقارب 3 مليار، وانا هنا أسوق هذه المعلومة للتذكير بأن دبي لا تملك اي ميزة مطلقة من الناحية السياحية، قياسا على الاردن، ، الا انها استطاعت ان تخلق لنفسها ميزة مطلقة فيما يسمى بسياحة الخدمات.
في الاردن البلد الاقرب لفلسطين مهد الانبياء وموطن الرسالات، الذي يحتوي على مساحته المتواضعه، المنتجات السياحية بكل تنوعاتها، فالديني كالمغطس، وجبل نيبو، وما يمثلنه للمسيحيين في العالم من قدسية ومهابة اعتمد ضمن مسار الحج المسيحي، وكذلك اضرحة ومزارات الصحابة المسلمين في مختلف مناطق المملكة ولا سيما منطقة المزار الجنوبي في الكرك حيث يتوافد المسلمون من كافة بقاع الارض لزيارة الاضرحة ولاسيما من يتبرك منهم بال بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، بالاضافة للبتراء احدى عجائب الدنيا السبع، والبحر الميت المتفرد في العالم من ناحية موقعه الجغرافي حينما تغادر ثلوج عمان وعلى بعد نصف ساعه تدخل في طقس دافئ ومشمس.
للاردن فرصة ذهبية في استغلال السياحة الدينية بشكل عام، اذا ما احسنت الحكومات قراءة هذه الفرصة، وان كانت الحكومات انجزت في موضوع السياحة الدينية المسيحية ما يستحق الثناء، الا ان القلق والتردد هو السائد في موضوع السياحة الدينية الاسلامية ، وتحديدا في منطقة المزار الجنوبي، ولعل الامانة هنا تستدعي ان نشير بان حالة من التجييش الشعبي التي سيطرت على تفكير جزءً من الناس بفعل الظروف السائدة في المنطقة، خوفا من ان تكون الزيارات الدينية والسياحة الدينية، مدخلا للمس بعقيدة الناس وايمانهم ومذهبهم، وهو امر مبالغ فيه في تقديري، فلم تسجل حالة واحدة في تاريخ هذه المنطقة تشير لذلك، وربما تكون بعض الهواجس مبررة، ولكنها لا تستند الى دليل موثوق، فلا يعقل ان نستدعي خلافا مذهبيا عمره اكثر من الف اربعمائة عام، للحيلولة دون ان نستثمر في حقل مهم يعزز من الاقتصاد الوطني بشكل عام وفي تنمية المنطقه بشكل خاص، فالملايين يذهبون في رحلة الحج الاسلامي للديار المقدسة كل عام، يمثلون الاسلام بكل مذاهبه وطوائفه وومعتقدات اهله، ولم يغير الناس هناك من قناعاتهم الايمانية ، وبالتالي لا داعي للخوف والقلق والتردد، فالمسألة هي ايمان الانسان ذاته وقوته.
لا بد من قراءة هذا الامر بمسؤولية تعلي من المصلحة الوطنية، وبعيدا عن العواطف والقلق والخوف الذي لا يستند الى حقائق دامغه، ولا بد ان يكون للسياحة في العقل المركزي للدولة وحكوماتها المتعاقبة، والمؤسسات التشريعية، اهمية استثنائية في برامج عمل الحكومات، وان لا تكون وزارة السياحة- مع كل التقدير لمن تعاقب على حملها- مجرد حقيبة ترضية، فالاصل ان تكون اهميتها بحجم كل الوزارات السيادية.