جحيم السياحة الجنسية أو المتعة المحروسة
بقلم : فوزية البيض … السياحة الجنسية معناها ان هناك من يسافر بغرض إقامة علاقات جنسية مع سكان البلد المضيف مقابل تعويض مالي. قد تكون هذه العلاقات مع امرأة تسعى للحصول على منفعة مالية، لكن السياحة الجنسية تكون في الغالب مع الذكور وعادة ما يقوم بها وافدون من الدول الغنية لهم انجذاب شاذ او تفضيل جنسي لأطفال قبل سن البلوغ بالدول المتخلفة أو النامية. في حين تكون الطلبات المحلية لممارسة الجنس مع بائعات الهوى تنشط احيانا في بعض المناطق من خريطة الفقر أكثر من نظيرتها الاجنبية.
السائحات الغربيات يفضلن قضاء عطلهن في البلدان الافريقية كالرأس الأخضر، غامبيا، كينيا، مدغشقر، المغرب، السنغال، تنزانيا، تونس أو جزر البهاما، كوبا، هايتي، بورتوريكو، أو جمهورية الدومينيكان. حيث يعيش الشبان من مداخيل تقديم خدماتهم الجنسية الماراطونية لنساء من مختلف الاعمار. النساء الهاربات من صقيع أوربا والباحثات عن حرارة وإثارة العلاقات بدون حاجة الى مهيجات.
إذا كان هدف الرفع من نسبة السياح كسياسة عمومية تشتغل بمنطق استمالة السائح لارضاءه كزبون وجعل طلباته أوامر تحت شعار "الزبون أولا"، فالزبون السائح ليس نموذجا واحدا موحدا. وأمام احتدام المنافسة لم يعد يبحث على الشمس والبحر والأطباق الشهية وزيارة المتاحف والآثار فقط، ولكن هناك فئة اخرى غير مهتمة بما هو ثقافي او إيكولوجي، فهي تحدد الوجهة التي تختارها لقضاء عطلتها بناءا على ما يجري ويدور في ردهات الفنادق و الرياض، تحت شعار المتعة المحمية بتواطؤ مع السلطة أحيانا، اي بناءا على السمعة التي يتم تداولها عند من سبق ان خبر بلائحة الخدمات التي تقدم فوق الطاولة والتي تعرض تحتها.
أي نعم قطاع السياحة هو ثاني قطاع مشغل، رغم ان فئة كبيرة من العاملين فيه يعانون من عدم التصريح وغياب التغطية الاجتماعية. السياحة هي صناعة تحتاج الى هندسة والى تكثيف الحملات الترويجية في المعارض الدولية، والى الرفع من الطاقة الايوائية لخلق دينامية اقتصادية. السياحة تدر العملة الصعبة اذا اشتغلت بمنطق الجودة و التنافسية والبحث عن أسواق جديدة والتنبؤ برغبات السائح. لكن يجب ان لا تتوسع قائمة هذه الرغبات لتشمل شهوات اخرى محظورة، لأنها بذلك تصبح تروج لصورة تزكي رائحتها الأنوف.
لا اقول سرا والكل يعرف أنه في معظم المدن السياحية عبر العالم، تنشط تجارات هامشية أخرى، في سوق سوداء، من بينها بيع المخدرات المحظورة والجنس بمواصفات خاصة تبدأ مقتنياتها احيانا من الطائرة وتنتهي عند الخدمات الخاصة جداً التي تقدمها للزبناء المدلكات بصالونات التدليك في بعض الفنادق وفي الحمامات الفردية والمختلطة. إن غياب الجرأة و الشجاعة الكافية عند بعض مسؤولينا للتصريح بالاختلالات التي يعرفها القطاع المشرفون عنه، رغم ان الواقع يؤكد عكس ما يقولون، يثبت ان ثقافة النفي هي تعبير عن عدم القدرة على مواجهة مكامن الخلل ويثبت غياب استراتيجة وقائية لتحصين القطاع ببصمته.
والمغرب، كبلد متضرر من هذه الظاهرة المهينة، لا يمكنه الاشتغال فقط بهاجس تحقيق 20 مليون سائح، دون تسطير بموازات مع ذلك، سياسة لمكافحتها وأجندة للقضاء عليها نهائيا. اذ كيف نفسر وجود اكبر نسبة من المصابين بالسيدا في المغرب في منطقة سوس ماسة درعة التي تعج بسياح يتعاملون باليورو وبالدولار؟ فممارسة البغاء بالعازل الطبي له ثمن وبدونه له ثمن آخر.
السياحة الجنسية في المغرب لم تنشط فقط بعد هروب الاوربيين من التسونامي ولجوئهم إلينا للقرب الجغرافي طلبا لحرارة وحفاوة الاستقبال، بل انها متجدرة تنشطها الهشاشة الاجتماعية، بؤر الفقر، الفراغ والهدر المدرسي، ونذرت فرص الشغل، التي تدفع اليافعين الى بيع كرامتهم بثلاثين يورو ل الليلة في واحدة من أبشع أنواع التجارة بالجسد التي تفقدهم رجولتهم وتدمر حياتهم الجنسية للأبد. وكل ما يقع يضرب بعرض الحائط حقوق الطفل، وحرمة الجسد ويتبث بالملموس عدم نجاعة وفاعلية الاستراتيجيات واليات البرنامج الحكومي لحمايته.
إن التساهل الذي يتعامل به المغرب مع السياح الاجانب، والتستر على وزير فرنسي سابق، تؤكد تصريحات زميله ليك فيري، انه استغل بمدينة مراكش اطفالا قاصرين عجزت الحكومة عن حمايتهم لهو مساس بهيبة دولة دينها الرسمي هو الاسلام. اين وصل ملف الوزير ؟ ولماذا ثم تسريحه ؟ وما الذي أخرس قضاء نريده أن يكون مستقلا لقول كلمة الحق فيه ؟ ما اقسى ان يحمي الوطن الاجنبي وتضيع فيه حقوق المواطن !
لا يخفى على أحد أن ساحة جامع الفنا، بحمولتها التاريخية، تتحول عند سقوط ظلمة الليل الى ساحة لعرض البلاء. حيث تنشط تحركات القوادة اللذين يعرضون للسياح الباحثين عن اللذة المسروقة، خدمات أطفال من سن الثامنة الى السابعة عشر. أما ما فوق هذا السن فيكون مع التعود أصبح انعطافه حول الممارسات الشاذة اختياريا. وقد اتبثت اشرطة ان كل عملية العرض والطلب تكون على بعد أمتار من أعين كاميرات متبثة وأعين سلطة لا يحركها إلا الهاجس الأمني.
إن الدعارة التي يتعاطاها بعض أطفال حي الملاح، أحد أفقر أحياء مدينة مراكش، ليست قدرا حتميا. ما الذي ينتظر من أطفال وشباب بدون تحسيس ولا وقاية ولا دعم نفسي ولا دراسة ولا شغل إلا البحث عن الخبز العاري والاستمرار في لعب دور الغنائم وتمريغ صورة المغرب السياحي مقابل الحصول على منفعة فانية تجعل من فئة من اطفالنا نوعا ثالثا، جنس بين الجنسين. فالبغاء والسرقة هما حيلة البؤساء عندما ينسد الأفق ويستبد الفقر.
إن نفي وزير السياحة أنْ يكونَ المغربُ قدْ تحولَ إلَى قبلةٍ للسياحة الجنسيَّة، لهو نفي منتظر، لأنه لا يمكن ان يقر مسؤول رسمي بوجود مداخيل مشبوهة عبر خدمات مشبوهة وهامشية وإلا فعليه تقديم استقالته. رغم كونها ليست سياسة ممنهجة لكنها، اي التجاوزات، موجودة حقا. ورغم فرديتها فعلَى السلطة ان تلعب دورها و على القضاءِ أن يقولَ كلمتهُ الرادعة والزجرية. لكن يبقى ان نثبت ان المغرب لا يوظفُ الجنس فِي أنشطته السياحيَّة، وأن الحالاتٍ فرديَّة التي كثرت حتى تعممت يتطلب اجتفاف بؤرها رغبة سياسية وتنسيقا بين سياسات قطاعية وصرامة في تطبيق القانون دونما انتقائية واجتهادا تشريعيا خاصة والحوار حول اصلاح منظومة العدالة لا زال مفتوحا.
فالأجساد الطرية تسهل الرشوة تقديمها في طبق "شهي" في الاماكن الخاصة وتحت الأضواء الخافتة بواسطة وسطاء خبروا شراء الطريق الى المتعة الشاذة والتلاعب بالقانون. فالفساد في هذا القطاع شبح له ملامح يمكن القبض عليها بالأصفاد اعمالا بمبدأ الرقابة. الفساد ولم يكن يوما سياسة ممنهجة تسطرها الحكومات في برنامجها، ولكنه ارث اللامبالاة ونتيجة تراكمات تترسب وتتغلغل في بنيات المجتمع. ودور الحكومة التي رفعت، مثل غيرها، شعار محاربة الفساد، والتي كانت تندد بنبرة زاعقة يوم كانت في المعارضة بوجود السياحة الجنسية دورها اليوم هو القيام بعملية التطهير. ان سكوت السلطة التنفيذية على عدة تجاوزات يطرح اكثر من سؤال، والإرث لا يعفيها من المسائلة عن التدابير التي اتخدتها في الممارسات التي تدخل في إطار القطاعات غير المهيكلة والغير مصرح بها والنشيطة خارج الإطار القانوني.
رغم وجود ميثاق "للسياحة المسؤولة" نتسائل كيف سيلتزم بهذا الميثاق من هم خارج الهيكلة ؟ هذا على اعتبار انه حسب الاحصائيات الرسمية توجد الفين 2000 من الشقق المفروشة والفيلات والرياضات خارج الهيكلة، أي خارج المراقبة القانونية. وفي أسرة تلك الاقامات تقع التجاوزات المسكوت عنها التي انتهت بعضها بقتل أجانب في ما يسمى بجريمة الدفاع عن هتك العرض أوالشرف. بل وحتى الاقامات المرخصة يستغل بعض مسؤوليها هذا الغطاء تحت حماية بعض رجال السلطة الذين يتسترون على أوكار وظواهر الفساد ويضمنون بذلك مدخولا إضافيا لا يهمهم مصدره. كما أن ضمان الحماية الأمنية يطمئن الباحثين عن المتعة الجنسية ويجعلهم يداومون على الحضور. السيد حداد وزير السياحة قال في تصريح حول الموضوع: "خليونا ساكتين". أقول له إن السكوت في هذه الحالة هو تواطؤ وجريمة في حق أبناء وصورة هذا الوطن. وسكوتك السيد الوزير عهر سياسي وذبح للديمقراطية وحقوق الانسان. والسكوت في مواقف تتطلب التصريح والمواجهة خطأ تاريخي.
هناك الكثير من البلدان عبر العالم تتضرر من السياحة الجنسية التي يرتادها الأوروبيون، الصينيون والكوريون مثل الفلبين وتايلاند وكذلك بعض بلدان أوروبا الشرقية وشمال أفريقيا، وكان آخرها كوبا. كوبا التي منذ 1959 كانت تعاني شواطئها الشرقية من إنزال السياح الأمريكيين الباحثين عن أحضان الباغيات. وتضررها من هذه الصورة جعل فيدال كاسترو يجعل ملف السياحة الجنسية ملفا سياسيا. لذلك حارب لسنوات الظاهرة باستماتة سيزيفية بواسطة الحراسة الأمنية المشددة على المنتجعات والرادع القانوني.
اذا كانت ممارسة بعض السياح الجنس مع الاطفال تعتبر في جل التشريعات جناية من قبيل الاعتداء الجنسي على قاصر، فان القانون الجنائي المغربي في فصليه 485 و 486 يحكم من 4 الى 10سنوات على كل من مارس الجنس على قاصر. لكن يغيب تماما في التشريعات المغربية مصطلح "السياحة الجنسية". فالمغرب المستفيد من وضع الشريك من أجل الديمقراطية مع مجلس اوربا يمكنه ان يستفيد من التشريعات المتقدمة ومن الخبرة والتنسيق الدولين لمحاربة هذه الظواهر. خاصة ان الدول النامية هي الاكثر تضررا لأنها مستقبلة للسياح الأجانب. فرنسا بلجيكا وكندا اعتمدت لمواجهة هذه الظاهرة، قوانين لمعاقبة مواطنيها متى ما تبث ان لديهم مثل هذه العلاقة في بلد أجنبي. سويسرا أنشأت ما يسمى بالولاية القضائية العالمية لمعاقبة أي شخص يرتكب مثل هذه الجريمة على أراضيها.
القانون الجنائي المغربي لا تتضمن أحكامه إعتقال ولا محاكمة السياح عن الجرائم المرتبطة بالجنس من قبيل البغاء مع أطفال دون 18 سنة، أو جرائم إيلاج الشرج، أو الاستغلال أو الملامسة الجنسية للأطفال او دفعهم الى القيام بالإثارة والمداعبة وبالأفعال غير اللائقة مباشرة او عبر قنوات التواصل الالكترونية أو إنتاج توزيع أو نقل أو بيع وحيازة المواد الإباحية، أو تصوير افلام بورنوغرافية. الادانة في مثل هذه الافعال المصنفة تصل عقوبتها في كندا إلى 14 سنة سجنا نافذة. وقد اعتمدت العديد من البلدان قوانين مماثلة. ان يسعى المغرب إلى مضاعفة الطَّاقَة الاستيعابيَّة إلَى 185.000 سرير، والى تبوءِ مكانة ضمن الوجهات السياحيَّة العشرين الأُولَى في العالم، لهو طموح مشروع، لكن يجب ان لا يلهي الاشتغال بأفقِ أجرأة رؤيَة 2020 عن محاربة الممارسات الدخيلة التي تؤثر سلبا على سمعته وصورته.
لقد أعربت سياستنا السياحية عن محدوديتها لكونها لم تنجح في الرفع من نسبة مداخيل السياحة وفشلت في جعل المغرب قبلة سياحية، وهو الذي ينعم باستقرار امني اقليميا بعد التحولات التي طبعت الحياة السياسية في تونس ليبيا ومصر. كما أنَّ الأزمة الاقتصاديَّة التِي يجتازُهَا شركاءُ المغرب وقرار الحكومة القَاضِي بحذف 15 مليار درهم من نفقات الاستثمار العمومِي سيؤثر سلبا بدون شك على السياحَة. فسكان كل المدن التي تعيش على عائدات السياحة هم في حاجة ماسة الى مشاريع يكون لها تأثير ايجابي مباشر على معيشتهم اليومية لحفظ ماء الوجه والكرامة. فالسياحة مرآة تعكس صورة المغرب الثقافي، وصناعة يجب ان يعمل المسؤولون على محاربة الصورة الهجينة التي الصقت بها ولنا في السياحة التركية مثلا نموذج للرواج التجاري وللصورة الثقافية النظيفة.
المصدر : هسبريس