لاتزال تصنّف كوجهة أولى بالنسبة لغالبية الجزائريين
السياحة التونسية تنتعش بعد نفحات الثورة
تونس "ادارة التحرير" … تمثّل تونس مزيجا من الزخم السياسي الذي تعيش على وقعه منذ أكثر من عامين، لم يقدر على طمس وجهها السياحي. وبين النشاطات السياسية والاجتماعية المتواصلة، تجد السياح متلهفين للتعرف على مكنونات هذا البلد الصغير، انطلاقا من المدينة العتيقة، حيث يقع جامع الزيتونة والعديد من المعالم الإسلامية المجاورة والمتاحف التي تضم آثارا تحكي رواية المكان عبر التاريخ وانتهاء بالقرى السياحية.
”النهضة تلعب بالنار” هذا ما قاله مسؤول في قطاع السياحة في تونس، الذي أكد أن أي محاولة من طرف رجال السياسة لتغيير النمط السياحي سيؤدي لا محالة إلى التأثير على حجم الإقبال ومداخيل البلاد من السياحة، خاصة أن مداخيل القطاع تمثل 8 في المائة من المداخيل العامة في تونس. وبما أن اقتصاد تونس يرتكز على القطاع السياحي بدرجة أخص، فإن العديد من المتتبعين يرون أن دعوات النهضة إلى تقنين العديد من الخدمات التي تقدم للسياح ستضر بالقطاع، خاصة أن السياحة الأجنبية في تونس تلقى رواجا رغم تداعيات ما بات يعرف بـ”ثورة الياسمين”، ورغم الوضع السياسي الذي تعرفه البلاد، إلا أن القطاع السياحي لايزال نشطا إلى حد كبير.
وأوضح المتحدث لـ الخبر بأن دعوات مسؤولي النهضة إلى الرفع من حجم الضرائب على الخمور وإيقاف بعض الخدمات التي تصنفها في إطار ”المحرمات”، يبقى أمرا غير مفهوم مادامت مداخيل الضرائب تعود إلى الخزينة العمومية، مبرزا أن المنطق الذي تفكر به هذه الأخيرة غير واضح، خاصة أن قيمة الضرائب المدفوعة على بعض الخدمات ”الحرام” توجّه للخزينة العمومية وتتم الاستفادة منها في المشاريع العامة في تونس.
وتفيد الأرقام بتسجيل القطاع السياحي بين 800 ألف و900 ألف سائح في 2012، وهو يوظف 400 ألف موظف مباشر ومليوني موظف غير مباشر، يحرصون على تقديم أرقى الخدمات للزوار الذين يستفيدون من تخفيضات هامة على أسعار الفنادق، حيث تتوفر البلاد على أزيد من 800 فندق، 600 منها مصنّفة، بمجموع 230 ألف سرير.
انتعاش ملموس
عرف القطاع بوادر انتعاش مع بداية سنة 2012، إذ ارتفع عدد السياح بنسبة 46 بالمائة، مقارنة بالنسب التي سبقتها، ليبلغ 660 ألف سائح مقابل 451 ألف سائح خلال نفس الفترة من سنة .2011 وتبيّن قراءة فى إحصاءات وزارة السياحة أن الأسواق المغاربية تصدرت قائمة الأسواق التي يتوافد منها السياح سنة 2012، لاسيما ليبيا بـ5,333 ألف سائح والجزائر 6,102 ألف سائح.
وتبرز ذات المعطيات في ما يخص الأسواق الأوروبية، أن فرنسا تحتل المركز الأول في عدد السياح الوافدين، تليها ألمانيا وإنجلترا وإيطاليا، ويقدر العدد الإجمالي للسياح الأوروبيين الوافدين إلى تونس بأزيد من 200 ألف سائح.
أزقة مدينة تونس العاصمة تعجّ بالأسواق الشعبية، وتضم كل سوق على حدة محلات الذهب وملابس العرائس والملابس التقليدية والنحاسيات وغيرها. وبين هذا وذاك، تجد شارع بورفيبة مكتظا بمختلف التشكيلات من السياح الأجانب، منهم العرب والأوروبيون والآسيويون وحتى الأمريكان والروس، في مزيج متكامل بين الحضارات.
وما لفت انتباهنا بالمكان، أن شارع بورفيبة الذي يشهد العديد من النشاطات السياسية، يعدّ أيضا مزارا للعديد من الأجناس التي لا تولي أهمية كبيرة للحراك السياسي في الشارع التونسي، بقدر ما تهتم بالاستمتاع بمقومات البلد السياحية.
قرية سيدي بوسعيد المدينة المعروفة عالميا بحفاوة استقبال زوارها وبساطة أزقتها التي تتميز باللون الأبيض والأزرق، تجد المقاهي الشعبية والأزقة فيها مطلة بارتفاعها الشامخ على ميناء المدينة. وبين الأزقة التي تمثل حقبا تاريخية متعددة، تجد الأسواق الشعبية المترامية التي يقدم أصحابها خدمات مميزة للزبائن وترحيبا كبيرا يتقدمها الشاي التونسي.
قرطاج تحكي..
وفي مدينة قرطاج، يسافر السائح بمخيلته إلى أمجاد قرطاج الرومانية وحكايا الأميرة الفينيقية عليسة وقائدها حنبعل.
وفي المدينة متعددة الأوجه ”سوسة” التي تبعد 150 كلم عن العاصمة التونسية، تجد ذلك التزاوج الحضاري بين الماضي العريق للمدينة وحاضرها العصري، وبمسحة أوروبية توفر المدينة الجديدة لزوارها كل مقومات الراحة والرفاهية وبفنادقها المميزة التي تقدر بـ 140 فندق، تجد فندق”هازدروبال” المقصد الأول من طرف السياح، الذي يوفر، زيادة على الرفاهية والراحة، مقومات العلاج الطبيعي بمياه البحر والذي يشرف عليه خبراء ومختصون تكونوا في المجال منذ سنوات. وبالوجبات البحرية المميزة، تجد أصناف الطعام الصحي الذي يجذب وبصفة أخص الباحثين عن الصحة، ناهيك عن الراحة النفسية التي تصاحب سكون المكان وجمالية مناظره الخلابة التي تزاوج بين جمال الطبيعة وما أبدعته يد الإنسان.
وبمرسى القنطاوي، المنتجع السياحي بمينائه وحديقته التي تعتبر الأولى في المتوسط، تجد التميز بين العمارة الأندلسية العربية والخدمات العصرية، حيث نجح، في ظرف وجيز، في التحول إلى علامة سياحية بارزة في تونس من خلال تكامل المنتج السياحي الذي يوفره بما فيه من فنادق وإقامات وشقق وفضاءات تجارية وترفيهية. وبميناء يخت النزهة الذي يتسع لما لا يقل عن 340 مركب، تجد المجال واسعا لممارسة مختلف أنواع الرياضة، من الغطس إلى ركوب الخيل وممارسة كرة المضرب، كما توفر منتجعاته محطات المعالجة بمياه البحر تحت إشراف طواقم طبية متخصصة.
وفي المقابل، تجد سوسة العريقة المدينة التاريخية التي اضطلعت بدور مركزي في نشر الإسلام في المغرب وفي جنوب أوروبا. ففي ساحة المسجد الأكبر، تتربع الأسواق الشعبية المترامية على مساحات واسعة خارجه، هذا المعلم التاريخي الذي شيّد في 850 م خلال الحقبة الرومانية، ويعد المسجد مزارا دائما من طرف السياح العرب والأجانب، منهم النساء اللواتي يدفعهن الفضول إلى ارتداء ”الحجاب” ودخول المسجد لاستكشاف روائع الهندسة المعمارية الإسلامية، إضافة قلعة الرباط التي شيّدت بين القرنين الثامن والتاسع ميلادي والتي أقيمت لاحتضان المرابطين المسلمين، ويشبه نمطها العمراني قلاع الشام إلى حد بعيد. وتتربع بزوايا المدينة العتيقة، الحمامات والدكاكين التي تختص في تجارة المفروشات والألبسة التقليدية والنحاسيات وغيرها.
وفي وسط المدينة، تتنوع الفسيفساء التاريخية، فبين مسجد الأبواب الثلاثة والقصبة وضريح سيدي عمر عبادة وسيدي عبيد وبئر البروطة والمتاحف وأسواقها المغطاة، يجد الزائر نفسه يحنّ إلى البقاء في المنطقة مدة أطول لاكتشاف تفاصيل العمارة الإسلامية العريقة.
أسواق تعج بالحياة
العم صلاح لزرق، 45 سنة، وجدناه بأسواق المدينة العتيقة في سوسة منهمكا في صنع النحاسيات ونقشها. وبأنامله الخفيفة، لا تمر على العم صلاح ثوانٍ في نقش ما يحلو للسائح من الكلمات والرسوم على النحاس. 40 سنة من العمل، بدأها العم صلاح منذ 5 سنوات مع عمه زروقة الذي لقنه مهنة العائلة التي يتوارثونها أبا عن جد. تركنا العم صلاح لنتوجه نحو مدينة الحمامات نابل التي تعود إلى القرن الخامس عشر ميلادي. وتقدم المدينة العتيقة لزوارها بهاء أزقتها الملتوية بأبوابها الزرقاء الساطعة بين الجدران البيضاء. وحولها تمتد منطقة سياحية تتواتر فيها الدكاكين ومراكز الترفيه والمنازل الفخمة والمركز الثقافي الدولي.