القطاع السياحي اللبناني يعوّل على هدنة سياسية في الأعياد أو.. الكارثة
دخل القطاع السياحي في عنق الزجاجة، في ظل معلومات نقابية عن إقفال حوالي 22 مطعما أبوابه خلال الشهرين الماضيين في منطقة بيروت الكبرى، والحديث عن نقل مستثمرين عرب أعمالهم إلى خارج البلد، بعدما تخطت خسائرهم «الخط الأحمر». فيما معدل نسبة الإشغال في الفنادق حالياً، ما دون 30 في المئة، مقابل 70 في المئة في الفترة نفسها من العام الماضي، أما اشغال «الشقق المفروشة» فلم يصل إلى 20 في المئة.
وعلمت «السفير» أن «فنادق العاصمة أوقفت نشر حركة الإشغال اليومي، بعدما بدأ البعض يعطي أرقاما غير واقعية خوفا على سمعته». ويؤكد أكثر من مسؤول في هذه الفنادق لـ«السفير» أن «الوضع سيء جداً، ولم نشهد مثله طوال أيام الحرب الأهلية»، مشيرين إلى أن «الطلب على حجوزات الأعياد المقبلة شبه معدوم في بيروت». أما خارج العاصمة، فيتراوح الطلب «بين 30 و40 في المئة، لكنه غير مؤكد، إذ مع وقوع أي حادث أمني صغير، تلغى كل هذه الحجوزات».
وفي سياق متصل، علمت «السفير» أن فندقا (5 نجوم) في بيروت تراجعت نسبة اشغاله إلى 30 في المئة في شهر تشرين الثاني الماضي، مقابل 66 في المئة في الشهر نفسه من العام الماضي، الذي كان الاشغال فيه متراجعا أيضا مقارنة مع العام 2010. وتوضح مصادر الفندق لـ«السفير» أن «الخطورة في القطاع السياحي الآن، تكمن في عدم إدراك التوقعات المستقبلية»، مشيرة إلى أن «تقرير الاحتمالات الذي وضعته عن أشهر كانون الأول والثاني وشباط، يفيد عن توقع المزيد من الخسائر». وتعتبر هذه المصادر أن «قانون منع التدخين زاد الطين بلّة، إذ إن القسم الخاص بالسيجار بار في الفندق شارف على الإقفال، بعدما خفّض عدد العاملين فيه من 20 إلى خمسة موظفين»، كاشفة أن «مداخيل هذا القسم مثلا، تراجعت حوالي 66,6 في المئة خلال الشهر الماضي مقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي».
«صرف 40 من أصل 310 موظفين»:
وفيما تنفي «إدارة أحد الفنادق الكبرى» في بيروت بيع فندقها إلى مستثمر آخر، تؤكد لـ«السفير» أن «الفندق لا يزال ملكاً لأصحابه»، مضيفة أن «الحديث عن هذا الموضوع، ومن دون التثبت من صحته، يعني أننا نودي بالقطاع السياحي إلى الهاوية». لكن تستدرك «الإدارة» قائلة «إن هذا لا يعني عدم وجود أزمة بل كارثة في القطاع، فمعظم المؤسسات السياحية لا تستطيع دفع الرواتب لموظفيها»، مشيرة إلى أنها «صرفت أخيرا من أصل 310 موظفين يعملون لديها، 40 موظفا من مراكز لم تعد تحتمل هذا الضغط من الموظفين»، مؤكدة أنها «دفعت لهؤلاء التعويضات القانونية».
إقفال مطعمين في «زيتونة باي»:
في سياق متصل، علمت «السفير» أن مطعما جديدا أقفل في منطقة «زيتونة باي» الأسبوع الماضي، بعدما أقفل مطعم آخر منذ 20 يوماً. وتفيد المعلومات أن «المستثمرين في مشروع «زيتونة باي» الذي يضم 24 محلاً (18 مطعما و6 محلات بيع بالتجزئة)، يواجهون أزمة مزدوجة، فمن جهة لم يعد بإمكان معظمهم، دفع الإيجار المرتفع والبالغ ألف دولار عن المتر المربع الواحد سنوياً، عدا عن دفع الرواتب الشهرية لحوالي 558 موظفاً الذين باتوا مهددين بالصرف، ومن جهة أخرى هم ملزمون وفق العقد الموقع مع «شركة waterfront التي تمتلك «شركة سوليدير» 50 في المئة من أسهمها، و50 في المئة لـ«شركة stow، دفع كامل الإيجار عن السنوات الثلاث، حتى لو قرروا إخلاء المحل الآن، أي بعد سنة من انطلاق المشروع (افتتح في 15/12/2011)».
ويوضح أحد المستأجرين في المشروع لـ«السفير» أن «المعدل الوسطي للإيجار سنويا يبلغ 250 ألف دولار، إذ هناك محلات تبلغ مساحتها 200 متر مربع، وأخرى تصل مساحتها إلى 500 متر مربع». وإذ يؤكد أن «المشروع لن يقفل، لكن هناك مؤسسات تواجه وضعا شديد الصعوبة»، يشير إلى أن «المستأجرين أمام خيارين؛ فمنهم من يراهن على تحسن الوضع السياحي في الأسابيع المقبلة، ما يمكنه من سدّ ديونه، ومنهم من يعتبر أن وضع البلد لن يتحسن خصوصاً أننا مقبلون على فترة انتخابات نيابية في العام المقبل، مما يعني أن هناك مزيدا من الخسائر، لذا على كل صاحب مؤسسة أن يراجع حساباته وفق هذا الوضع».
«ما نطلبه الاستقرار الأمني»:
وبعدما يؤكد أن «الوضع السيئ لا يقتصر على «زيتونة باي»، بل يطال كل المؤسسات السياحية والتجارية في البلد»، يقول: «لا نريد شيئا من وزارة السياحة التي تعيش في كوكب آخر، ولا نريد شفقة من أصحاب المشروع الذين يرفضون حتى الآن خفض الإيجار أو منحنا مهلة إضافية للتسديد، ولا طلب المساعدة من المصارف، بل كل ما نطلبه الاستقرار الأمني في البلد، وتوقف الخطف». ويعيش القطاع السياحي أزمة ضاغطة أقلّه منذ إعلان دول الخليج حظر سفر مواطنيها إلى لبنان قبل موسم الصيف، إذ تلحظ الإحصاءات أن السياح الخليجيين يشكلون حوالي 40 في المئة من مجمل عدد السياح الوافدين إلى لبنان، وتبلغ مساهمتهم في مداخيل القطاع 60 في المئة.
«مغتربون ومصريون ومغاربة»:
ويحذر العاملون في القطاع السياحي أن «الخسائر تتراكم من العام الماضي، وإذا بقي الوضع الأمني غير مستقر، فنحن مضطرون إلى إقفال مؤسساتنا أو صرف المزيد من الموظفين». ويشير أمين عام «اتحادات النقابات السياحية» جان بيروتي إلى أن «نسب الحجوزات خارج العاصمة البالغة حتى الآن حوالي 40 في المئة، معظمها للبنانيين مغتربين ومصريين ومغاربة، لكن هذا كله غير مؤكد بعد.. فالوضع في لبنان ليس مستقراً، ولا وضع دولهم أيضاً». ويقول: «إذا أوحى المسؤولون في البلد بالرشد السياسي، يتوقع أن ترتفع هذه الحجوزات، لأن معظم السياح العرب يفضلون لبنان لقضاء إجازاتهم فيه لما يتمتع به من خدمات على صعيد الفنادق والمطاعم وأماكن السهر، أما إذا أصرّوا أن يبقوا في عين العاصفة، فعلى القطاع السياحي السلام».
استعدادات وآمال بالحدّ من الخسائر:
وتستعد معظم المطاعم حالياً إلى تنظيم حفلات في فترة الأعياد، كذلك تأمل قطاعات سياحية أخرى منها الفنادق ومكاتب تأجير السيارات السياحية في هذه الفترة، أن تتمكن من تسديد التزاماتها للمصارف والحدّ من خسائرها التي تتراكم منذ الصيف. ويؤكد بيروتي أن «القطاع السياحي كله يراهن على هدنة سياسية في عيدي الميلاد ورأس السنة بعدما قُطع الأمل بوفاق وطني، فإذا أصيب البلد بنكسة أمنية كما حدث خلال الأشهر الماضية، يمكن القول: إننا سنشهد كارثة حقيقية مطلع العام المقبل»، مفيدا بأن «بعض الاقفالات لن تكون بفعل الإفلاس لأن أصحابها لديهم ملاءة مادية، إنما لقرارهم بنقل استثماراتهم إلى خارج البلد، فهم غير مضطرين إلى تحمل المزيد من الخسائر». وتعيش معظم المؤسسات السياحية «كل يوم بيومه»، كما يردد أصحابها، مشيرين إلى أن البعض منهم أقفل أقساما من مؤسسته، «علّه يتمكن من تقليل تكاليف التشغيل الشهرية».
المصدر : السفير