الجزائر "المسلة" … يجدد الجزائريون موعدهم مع الحمامات مع حلول شهر رمضان من كل عام، حيث يتقربون إلى الله بالطهارة استعدادًا لصيام أفضل الشهور.
ولا يجد الجزائريون أفضل من الحمامات العثمانية التي شيّدها الأتراك منذ دخولهم البلاد عام 1436م، فهي تذكرهم بتاريخ كبير تمثل الحمامات أحد شواهده الباقية.
ويعد سكان العاصمة الجزائرية هم الأكثر اهتمامًا بهذا المعلم الأثري، حيث يجدون متعة خاصة في الحمامات التركية التي شيدها العثمانيون خلال فترة وجودهم بالبلاد بين عامي 1436 و1830م.
من جانبه قال محمد بن مدور، الباحث في التراث الوطني الجزائري، والمسئول بوزارة الثقافة، إن الجزائريين لم يكونوا يعرفون الحمامات الجماعية قبل مجيء العثمانيين للبلاد، حيث كانوا يتحممون فرادى في بيوتهم.
وأضاف لوكالة الأناضول للأنباء، أنه في عام 1436م ومنذ دخول العثمانيين للجزائر، قاموا بتشييد عدد من الحمامات الكبرى التي أبهرت الجزائريين، وعلى رأسها حمام "سِيدنا" الموجود قرب قصر مصطفى باشا، الذي حكم الجزائر من 1798 إلى 1805م، وحمام "بوشلاغم" وحمام "الجيش الإنكشاري" أو "بربروس" كما يطلق عليه، مشيرًا إلى أن تلك الحمامات، الموجودة بالعاصمة الجزائر والتي تتسع لمئات الأشخاص، مازالت تعمل منذ ذلك التاريخ حتى اليوم، كما أنها مازالت تحتفظ بهندستها العثمانية العريقة.
واعتبر بن مدور أن تلك الحمامات تعد أغلى الهدايا التي تركها العثمانيون للجزائريين، مشيرًا إلى أنه تراث لا تزال وزارة الثقافة في الجزائر تحافظ عليه وتحميه.
وأوضح بن مدور أن مدينة الجزائر كانت محوطة بسور عظيم وكان لها 42 بابًا، كما كانت مقسمة إلى أحياء وحارات خاصة بكل عرق ودين، فبعضها كان مخصصًا للمسلمين، وأخرى لليهود وثالثة للعرب والأندلسيين، حيث كان لكل حي وحارة حمامه الصغير الخاص به الذي يتحمم فيه أهله فقط، بينما كانت الحمامات الكبرى مقصد الجميع.
وكانت الحمامات العثمانية بالجزائر تضاء في رمضان بما يسمى "الفتلة"، وهي عبارة عن زيت إنارة يوضع داخلها خيط شمعي يُشعل ليضاء به الحمام احتفالاً بقدوم الشهر الكريم، كما كانت تعج بالمتحممين مع حلول هذا الشهر وحتى عيد الفطر، وذلك حسبما ذكر المسئول بوزارة الثقافة الجزائرية.
ولعل أهم ما كان يميز تلك الحمامات هو الاستعداد لحفلات الزفاف، حيث كانت النسوة يحجزن الحمام لمدة 15 يومًا كاملة لاستحمام العروس وأهلها ومرافقاتها، كما كان الحمام يحوي تسعة بيوت أو أقسام، أهمها: "الساخنة" و"الباردة" و"الراحة" و"العروسة" و"الضيوف"، حسبما ذكر بن مدور.
وعن مراسم تحميم العروس في الحمامات العثمانية، أوضح بن مدور أن "العروس تخرج من بيت أهلها برفقة محفل نسائي كبير من أهلها وأهل حارتها ومعارفها فقط، تصحبهم موسيقى الزرنة (آلة شبيهة بالناي) والدفوف إلى مدخل الحمام، ومن عادات ذلك الزمان أن تكسر العروس صحنًا برجلها وهو بمثابة كسر للعين التي قد تصيبها حسدًا.
وبعد الاستحمام تأتي مراسم الحناء، وتجرى في سرية تامة أيضًا خوفًا من العين والحسد، ولكن هذه العادات انقرضت اليوم، حسبما قال مدور.
ووفقًا للباحث في التراث الوطني الجزائري، لم تكن الحمامات العثمانية تستخدم في تجهيز العروس للزفاف فقط، ولكنها كانت تستخدم أيضًا في تجهيز الحجيج لأداء مناسك الحج، كما كانت أموال الاستحمام التي يدفعونها يتم توجيهها من قبل إدارة الحمام في شراء خراف وذبحها وتوزيعها على الفقراء، حتى يُشرك المساكين في أجواء تلك الاحتفالية.
وعن التنظيم الداخلي للحمامات، أشار بن مدور: "كانت غاية في التنظيم، وكل من يدخل الحمام سيجد القائم على حفظ اللباس بعد وضعها في "قفة" أو حقيبة وتعليقها في حلقة حديدية كبيرة تتدلى وسط الحمام، حيث كان لكل حقيبة رقم يعرفه صاحب الملابس الموجودة بها حتى إذا انتهى من الاستحمام نادى خادم الحمام ليحضر له الملابس من الحلقة التي كانت تعلق في الأعلى حتى لا تطالها يد أحد، وهو دليل على الأمانة التي كانت تتميز بها الحمامات في ذلك الوقت".
نوافذ الحمامات كانت صغيرة جدًا وتوجد في أعلى الجدران، وكانت نوعان، "الريحيات" وهي التي تعمل على تهوية الحمام وإخراج البخار المتصاعد من "البيت الساخن"، حيث يستحم الناس ويتدلكون، أما "الشمسيات" فهي المسؤولة عن إدخال الضوء إلى غرف الحمام كلها.
وكانت ساحة "الشهداء" في قلب العاصمة سوقًا كبيرة، من بين ما فيها "سوق اللوح" وهي سوق خاصة بالحطب الذي تشتريه الحمامات لتسخين الماء في "البرمة"، ذلك الحوض المائي الذي يسخن فيه الماء، كما كان في الحمامات العثمانية مدلّكون أيضًا، وهو لا يزال معمولاً به حتى اليوم في الجزائر، طبقًا للمسئول بوزارة الثقافة..