الحبانية "المسلة"…. بعيدا عن العبوات والاحزمة الناسفة، وسجالات السياسيين اليومية، يجد العراقيون على مختلف انتماءتهم وطوائفهم في بحيرة الحبانية غرب بغداد متنفسا يجمعهم على حب شيء واحد: السباحة.
وتحت حرارة مرتفعة تناهز ال45 درجة مئوية، يفترش المئات منهم يوميا ضفاف البحيرة الواقعة بين مدينتي الفلوجة والرمادي، اللتين كانتا تشكلان قبل سنوات ابرز معاقل تنظيم القاعدة.
ويقول المدير العام للشركة العامة للمدينة السياحية في الحبانية حميد عبود طراد لوكالة فرانس برس ان "من حسنات هذه المدينة السياحية انها انشئت بعيدا عن التجمعات السكانية حيث تبعد نحو 20 كلم عن اقرب مكان سكني".
ويضيف "انها مدينة عراقية صرفة لا تتعلق بالمحيط الجغرافي الذي تقع فيه ولا تنتمي الى طائفة معينة، وكل العراقيين، من الشمال الى الجنوب، يحتفظون بذكريات جميلة فيها حيث ان 90 بالمئة من العراقيين زاروها".
واقيمت المدينة السياحية في الحبانية على مساحة مليون متر مربع ووضع حجر الاساس لها سنة 1976، وافتتحت رسميا العام 1979 وكانت تعتبر في الثمانينات، وفقا لطراد، "اكبر مرفق سياحي في الشرق الاوسط".
وفي عام 1982، حازت المدينة التي تضم فندقا بسعة 300 غرفة و528 شاليه يراوح ايجارها في الليلة بين 50 و100 دولار ومرسى للزوارق وصالة سينما ومحلات تجارية وملاعب رياضية وخمسة مطاعم، الكأس الذهبية لمنظمة السياحة العالمية كافضل مرفق سياحي في المنطقة.
وانخفضت النشاطات السياحية في المدينة مع بداية سنوات الحصار العام 1990، وتوقفت تماما عند اجتياح العام 2003، قبل ان تتحول قبل سبع سنوات الى مقر للتنظيمات المسلحة، الى ان عاودت نشاطها بداية العام 2009.
ويقول معاون ضابط مركز شرطة المدينة السياحية النقيب لورنس سعد العيساوي لوكالة فرانس برس ان "المجاميع الارهابية استخدمت المدينة في عامي 2006 و2007 مقرا لها بما انها منطقة معزولة وصحراوية ولم تكن القوات الاميركية تتواجد فيها".
ويستدرك "لكن ما ان باشرت الشرطة مهامها وبدأت قوات الصحوة تتشكل، دخلنا المدينة العام 2008 وتمكنا من تطهيرها من الارهابيين، ولم يحصل اي خرق امني منذ ذلك الحين".
وتحت اعين قصر صغير كان يملكه صدام حسين، تجوب مياه البحيرة الضخمة على مدى النهار الدراجات المائية "جيت سكي" والكرات الملونة التي تتقاذفها ايادي الرجال والنساء اللواتي يرتدي معظمهن الحجاب ولا يكشفن من اجسادهن سوى عن الوجه واليدين.
وعلى طول الشاطئ الرملي الذي يمتد بطول نحو كيلومتر، تجلس العائلات تحت خيم صغيرة ملونة. وفيما ينشغل الرجال بترفيه الاطفال، تعمل النساء على تحضير انواع مختلفة من الطعام، وخصوصا "الدولما"، الكوسا المحشية بالارز.
ويقول عبد الرحمن محمد (25 عاما) العاطل عن العمل والآتي من الفلوجة "احضر الى هنا مع عائلتي واصدقائي كل اسبوع حتى نبتعد عن المشاكل اليومية، كالبطالة وهموم الزواج، وايضا السياسة والطائفية".
ويضيف محمد الحائز شهادة في الادارة والاقتصاد من جامعة الانبار "عندما نرى ان العراقيين هنا ليسوا سنة ولا شيعة ولا اكراد ولا مسيحيين، والابتسامة مرتسمة دائما على وجوههم، ننسى كل شيء آخر".
ويدعو شقيقه عبد القادر (29 عاما) العاطل عن العمل ايضا والذي يحمل شهادة جامعية في التاريخ "السواح الاوروبيين لان يأتوا الى هنا حتى يروا العراقيين على حقيقتهم، والا تبقى نظرتهم بان في العراق ارهابيين فقط".
ورغم مرور تسع سنوات على سقوط نظام صدام حسين، تشهد البلاد التي مزقتها في عامي 2006 و2007 حرب طائفية دامية قتل فيها الآلاف، اعمال عنف يومية تشمل السيارات المفخخة والعبوات الناسفة والهجمات الانتحارية.
والى جانب العنف، يعيش العراق منذ سنوات على وقع ازمات سياسية متلاحقة عنوانها الابرز التصارع على السلطة في بلاد يحكمها الشيعة منذ 2003 بعدما حكمها السنة لعقود.
الا ان الحبانية تبدو بنظر طراد جزيرة معزولة عن كل ذلك.
ويقول المدير العام للمدينة (55 عاما) الذي بدأ حياته المهنية فيها موظف استقبال ومسؤولا في قسم الاستعلامات ان "خمسة آلاف زائر حضروا يوم الافتتاح في 21 اذار/مارس 2009، واليوم نستقبل ما بين خمسة وعشرة آلاف شخص في ايام العطل الاسبوعية، ونحو 30 الفا في الاعياد والمناسبات".
ويتابع "نطمح خلال السنتين المقبلتين ان تسترد هذه المدينة بتاريخها الاقدم من شرم الشيخ والغردقة ومدن سياحية اخرى، مكانتها على خريطة السياحة العربية والعالمية".
ويشير الى ان "شركة تركية باشرت منذ بداية العام الحالي اعادة تاهيل المدينة على ان تنجز الاعمال فيها نهاية العام الحالي لتستثمرها بعد ذلك لمدة 25 سنة، وطموحنا كبير ان نجذب خلال السنوات الخمس المقبلة السواح الاوروبيين وان ننافس الامكان السياحية الاخرى في المنطقة".
وبينما تصدح الاغاني الشعبية من آلة تسجيل صغيرة وضعت بين افراد اربع عائلات اتت من بغداد، تقول ام بكر (40 عاما) الموظفة في وزارة التربية "كنت آتي الى هنا قبل السقوط، واليوم عدنا الى الحبانية".
وتوضح "لا نشعر بالفرح الا عندما نسبح. هذه المياه متنفسنا الوحيد".