أبوظبى "المسلة" … بعد نداءات من مختصين بالشأن السياحي استمرت لما يقرب من 13 عاماً، رأى هؤلاء أنه بات من الضروري أن تفكر الجهات المعنية في إنشاء وزارة مستقلة للسياحة في الإمارات، على اعتبار أن في ذلك ضرورة ملحة، لا سيما في ظل تزايد تدفقات السياح القادمين إلى الدولة والتي وصلت إلى ما يقرب من 14.5 مليون سائح خلال 2011، الأمر الذي جعل قطاع السياحة يسهم بنحو 7.4 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي للإمارات، وبنسبة 11.7 بالمئة من إجمالي الناتج القومي (باستثناء قطاع البترول)، حسب أحدث إحصاءات «المجلس الوطني للسياحة والآثار».
واعتبر مسؤولون في قطاع التنمية والترويج السياحي في الإمارات، أنه نظراً للزيادة السنوية المطردة في القطاع السياحي، والتي قضى عبرها السياح ما يناهز 44.3 مليون ليلة فندقية، بإجمالي إيرادات بلغ 21.67 مليار درهم في العام الماضي، فإن الدولة باتت في حاجة ضرورية لإنشاء وزارة اتحادية مستقلة لرعاية مصالح قطاع السياحة والترفيه، على أن تعنى كذلك بتبني الخطط وإصدار التشريعات والقوانين المنظمة لأداء القطاع، وتنسيق الجهود التسويقية للدولة، بدلاً من المساعي الأحادية التي تنتهجها كل إمارة في الترويج واستكشاف الفرص، وتحديد الأسواق السياحية المستهدفة كل على حدة.
توحيد الجهود
ورأى مسؤولون في هيئات للتنمية السياحية ومراقبون، أن تعدد الجهات المعنية بمصالح قطاع السياحة الإماراتي، وترويج إمكانات الدولة ومؤهلاتها السياحية محلياً وإقليمياً ودولياً، يتطلبان توحيد تلك الجهود في جهة وطنية اتحادية، تؤسس لمنظومة متكاملة من الترويج والجذب والاستثمار السياحي في الإمارات، مشيرين إلى أن إنشاء وزارة اتحادية للسياحة في الإمارات تكون مهمتها الأساسية الترويج الجيد لجميع إمارات الدولة في المعارض والمنتديات السياحية الدولية بدلاً من ترويج كل إمارة لنفسها، إضافة إلى إصدار إحصاءات دورية عن أعداد السياح الوافدة للدولة ونوعيتها عدا عن توحيد القوانين والتشريعات الناظمة، من شأنه أن يزيد زوار الإمارات بنسبة لا تقل عن 20 بالمئة.
ولفتوا إلى أن الوزارة الجديدة من شأنها أن تكون بمثابة مظلة تعمل تحتها جميع الفعاليات المحلية في كل إمارة، وتولي أهمية أخرى بتوحيد القوانين والمنظومة التشريعية، وكذا اللوائح والقرارات، التي بدورها تفيد الدولة على الصعيد التنظيمي والمالي، على اعتبار أنها مورد اتحادي للدخل، لاسيما في ظل الدفع المستمر من قبل الحكومة للتخلي تدريجياً عن عوائد النفط.
وعلى غرار «الهيئة العامة للطيران المدني» والتي تعنى بإصدار التشريعات والقوانين لشركات الطيران المستقلة في كل إمارة والعاملة في الإمارات وتمثيل الدول في الخارج ومع تأكيد وزارة التجارة الخارجية أنه ليس من اختصاصها رصد أعداد الزوار القادمين إلى الدولة أو الترويج الخارجي لسياحة الإمارات، حسب تصريح عبداللـه أحمد آل صالح، وكيل وزارة التجارة الخارجية لـ«الرؤية الاقتصادية»، يبقى أن تتحمل الهيئات السياحية لكل إمارة على عاتقها الترويج الخارجي المستقل لعوامل الجذب السياحية التي تخصها، من دون وجود هيئة عامة تجمعها تحت مظلتها.
حضور قوي
واعتبر مروان بن جاسم السركال، المدير التنفيذي لـ«هيئة الشارقة للاستثمار والتطوير» (شروق)، أن وجود وزارة للسياحة في الإمارات، من شأنه أن يدفع في اتجاه توحيد القوانين والتشريعات المنظمة لأداء القطاع، بينما يتطلب ذلك حضوراً قوياً للوزارة، وعمليات تنسيق مستمرة مع الجهات الأخرى ذات العلاقة بالسياح، مثل إدارات الشرطة، والجنسية والإقامة، والهيئات المختصة بالسياحة والترفيه.
ورأى أن إنشاء وزارة للسياحة سيثبت أن القطاع بات يلعب دوراً محورياً، وسيتضخم بصورة أكبر مما هي عليه الآن، لا سيما في ظل التنوع الذي تحتويه الإمارات في القطاع، ما بين سياحة عائلية وبيئية وعلاجية وتعليمية وثقافية وفنية ورياضية وسياحة المعارض والمؤتمرات، وبالتالي لا بد من توحيد الجهود المحلية لضبط وتيرة التنمية والتخطيط لهذا القطاع الواعد.
وعلى الرغم من إشارة السركال إلى تأسيس «المجلس الوطني للسياحة» قبل نحو عامين، إلا أنه بين في الوقت نفسه أن أعضاء المجلس بشكل عام، ليسوا جميعاً من أصحاب الاختصاص في قطاع السياحة، لافتاً إلى ضرورة أن يكون هؤلاء الأعضاء من رؤساء أو مديري الدوائر السياحية على مستوى الإمارات السبع، كما يمكن ضم المجلس إلى وزارة السياحة، أو إلى أية وزارة أخرى يمكن من خلالها إيصال صوتهم إلى مجلس الوزراء.
ولفت إلى أهمية توحيد القوانين والتشريعات المنظمة لأداء القطاع السياحي الوطني، مشيراً إلى أن أبرز القوانين التي يمكن طرحها، تلك المرتبطة بتصنيف المنشآت والنقل والاحتشام وغيرها»، مستشهداً بأحدث الإحصاءات العالمية التي توقعت أن يصبح واحد من بين كل عشرة أشخاص عاملاً في قطاع السياحة حول العالم بحلول العام 2020، ما اعتبرها مؤشرات تحتاج توحيد للجهود.
عمل تسويقي
بدوره، ذكر فيكتور لويس، الرئيس التنفيذي لـ«هيئة التنمية السياحية» في رأس الخيمة، أن من شأن إنشاء وزارة اتحادية تعنى بقطاع السياحة، أن تنسق الجهود التسويقية للإمارات بشكل عام، ضمن منظومة عمل واحدة، وكذا فهي ستتعامل مع المعارض الخارجية ضمن خطة عمل تروج الإمارات السبع بشكل عصري ومتناغم، لافتاً إلى أنه وفي ظل غياب جهة اتحادية تعنى بهذا الشأن، فإن كل إمارة تغرد منفردة في الترويج السياحي، واستهداف شرائح وجنسيات معينة من الزوار، وأسواق بعض الدول، بينما في وجود وزارة أو جهة اتحادية، فإن الأمر سيتم ضمن منظومة موحدة ترفع من شأن القطاع محلياً ودولياً.
بنية تحتية متكاملة
وحسب مراقبين، فإن الإمارات تمتلك مقومات ومعالم وبنية تحتية سياحية متكاملة، بالصورة التي تسهل عمل منظمي الجولات السياحية للأفواج من مختلف الجنسيات، فيما يتوافر لدى الدولة حزمة من المنتجات السياحية والترفيهية التي تلبي طموحات السائح الدولي.
وتعتمد أغلب الدول في الترويج لأنماط السياحة فيها على تطوير بنية تحتية مرموقة تتمثل في بناء شبكة متفردة من الفنادق والمنتجعات والقرى السياحية وما يرافق ذلك من أدوات الدعم اللوجستي التي تخدم تحقيق هذه الأهداف.
طفرة
ورأى كمال فاخوري، المدير العام لمجموعة فنادق «كريستال هوتل»، ضرورة إنشاء هيئة اتحادية أو وزارة للسياحة تعنى بسن القوانين والتشريعات الناظمة للقطاع السياحي في الدولة، لأن الأمر يزداد أهمية مع وجود مجموعات فندقية منتشرة في أنحاء الدولة تحاول التكيف مع القوانين الناظمة في كل إمارة.
ولاحظ فاخوري أن هيئات السياحة في الدولة تشارك في المعارض العالمية بأجنحة كبيرة لكنها مستقلة عن بعضها، مشيراً إلى أن توحيد تلك الجهود تحت مظلة أو هيئة واحدة سيجعل من جناح الإمارات الأكبر على الإطلاق وسيستقطب أعداداً أكبر، مبيناً أن السوق الإماراتي على أعتاب طفرة سياحية كبيرة خلال السنوات المقبلة، منوهاً بجهد «هيئة أبوظبي للسياحة» في ترويج إمارة أبوظبي وجهة مفضلة لسياحة الأعمال والسياحة الترفيهية على حد سواء.
توطين
وأوضح فاخوري أن الوزارة المقترحة من شأنها أن تدعم قضية التوطين في القطاع السياحي خصوصاً مع تدني نسب التوطين في أبوظبي على سبيل المثال لتصل إلى أقل من 2 بالمئة.
ولفت إلى أن وجود استراتيجية عمل موحدة تروج لإمارات الدولة كافة من شأنه النهوض بالقطاع السياحي وتنظميه وتنسق الأنشطة والفعاليات السياحية والترويجية في كل إمارة من حيث الأوقات وطبيعة الفعالية الأمر الذي ينعكس إيجاباً على جميع الأنشطة الاقتصادية في الدولة.
وبين أن الأشهر الأربعة الأولى من العام الجاري شهدت ازدياداً ملحوظاً في أعداد زائري الدولة، ما يدلل على دخول الإمارات إلى عصر جديد ستحتل فيه السياحة مكانة متعاظمة، لافتاً إلى توقعات بنمو مستمر في قطاع السياحة العام الجاري نتيجة لمستوى الخدمات المتميز التي يقدمها قطاع الفنادق في الدولة ولما تحظى به الإمارات من مكانة متميزة وبنية تحتية حديثة الأمر الذي جعلها من أكثر الوجهات تفضيلاً في المنطقة.
حلم قديم
واتفق إسماعيل جحا مدير شركة «كوزمو للسفر والسياحة» في أبوظبي، مع فاخوري في أن توحيد منصات الهيئة السياحية المتواجدة في المعارض الدولية من شأنه أن يساعد على استقطاب أعداد أكبر من السياح، مبيناً أن مطلب إنشاء هيئة اتحادية تردد في أذهان المهتمين بالقطاع السياحي منذ نحو 13 عاماً وكان واحداً من بينهم، وأن الحاجة إليه تتعاظم اليوم مع تنامي أعداد السياح الوافدين إلى الدولة.
ورأى حجا أنه في حال غياب النية لدى الجهات المعنية بإنشاء وزارة مستقلة للسياحة فيمكن إسناد الجانب الترويجي الخارجي إلى وزارة التجارة الخارجية أو غيرها لتتولى التنسيق وتوحيد الجهود بين هيئات السياحة في الدولة، لافتاً في هذا السياق إلى أن الإحصاءات السياحية في الدولة تصدر منفردة من كل هيئة على حدة.
وبين أن من شأن الترويج الموحد أن يجعل السائح يقوم بتقسيم عدد الليالي الفندقية التي سيقضيها في الدولة على كل إمارة ما يجعله يفكر في زيادة عدد الليالي الفندقية ويتعرف إلى المعالم السياحية في إمارات الدولة كافة، متوقعاً أن يؤدي توحيد الجهود الترويجية إلى زيادة أعداد السياح بنسبة لا تقل عن 20 بالمئة سنوياً.
الجهود الموحدة تعزز الفعاليات
أشار حسين علي المناعي، رئيس «المركز العربي للإعلام السياحي» (فرع الإمارات)، إلى أهمية أن تكون هناك هيئة اتحادية تدعم القرار السياحي في الدولة على غرار وزارة الاقتصاد و«الهيئة العامة للطيران المدني»، لافتاً إلى أن وجود تلك الهيئة من شأنه أن يحدث نقلة نوعية في السياحة الإماراتية التي أصبحت تحتل مكانة بارزة على خريطة السياحة العربية.
وأوضح المناعي أن الفعاليات والمهرجانات السياحية التي تقام في أبوظبي ودبي أضحت تضاهي الفعاليات العالمية ومن شأن الجهود الموحدة في هذا الشأن أن تزيد من عدد الفعاليات وتجتذب أعداداً أكبر من السياح للتعرف إلى الثقافة الإماراتية المتنوعة.
ولفت المناعي إلى أن «المركز العربي للإعلام السياحي» يقوم الآن بتنسيق الجهود في الدولة مع «المجلس الوطني للسياحة والآثار»، واصفاً قطاع السياحة الإماراتي بالمتطور.
أهمية الدعم الحكومي المنظم
رأى فهد والي، الرئيس التنفيذي للشؤون التجارية في شركة «رويال جت»، المتخصصة في قطاع الطيران الخاص والفاخر ومقرها أبوظبي، أن إنشاء أية منظومة اتحادية على مستوى الدولة، وتحت مظلة مجلس الوزراء، ستحوز على الدعم الكامل الذي يمكنها من أداء مهامها بشكل منضبط، كما أنها ستكون مؤهلة لأن تصبح وزارة تدر دخلاً مالياً جيداً يعود إلى خزانة الدولة.
واعتبر أن الوزارة ستعنى كذلك بتسهيل عمليات الدخول والخروج من وإلى الدولة، وإصدار حزمة من التشريعات والقوانين التي تساعد على تشجيع السياحة، فضلاً عن إمكانية قيامها بتنظيم إجراءات الحصول على التأشيرات السياحية وتصريحات الدخول بالتعاون مع الجهات المعنية في الدولة، بصورة تتجاوز دور الهيئات والدوائر المحلية.
في المقابل عد عبداللـه بن سويدان، نائب مدير إدارة الترويج الخارجي، في «دائرة السياحة والتسويق التجاري» في دبي، أن وجود «المجلس الوطني للسياحة والآثار» الذي تأسس حديثاً، ويعمل كحلقة وصل بين دوائر السياحة في الإمارات، توجهاً حكومياً لتوحيد الجهود ورعاية مصالح القطاع على مستوى الدولة، لافتاً إلى امتلاك الإمارات تنوعاً في المنتج السياحي القائم على التعدد، وأن الإمارات السبع تروج نفسها كل على حدة بطريقة متميزة بما يثري المشهد السياحي للدولة بشكل عام، وتتسم بخصوصية نسبية لكل إمارة، ما بين تسوق وترفيه وشواطئ ومنتجعات وتراث وآثار ومتاحف وفنون وثقافة وآداب ورياضات وغيرها.
وأشار إلى أن إمارة دبي استقبلت وحدها 2.5 مليون سائح في الربع الأول من 2012، بزيادة 9 بالمئة عن الفترة نفسها من العام الماضي.