بقلم : محمود كامل
في أواخر الأربعينيات أراد «يوسف بك وهبي»، عميد المسرح، فور تشكيل فرقة «رمسيس»، أن ينشر الثقافة المسرحية في المدن الكبيرة أولاً، ثم القرى بعد ذلك منافسةً لمسرح الريحاني، وكشكش بك. واختار «يوسف بك» مدينة بورسعيد لبداية جولته تلك، بعروض مجانية، حيث امتلأ المسرح بمئات البمبوطية وصيادي السمك، وكان اختياره لبورسعيد أن تصل شهرته منها إلى روما، حيث تلقّى ثقافته المسرحية على غير هوى أسرته الأرستقراطية، التي رأت أن «العار» قد لحق بها لكون أحد أفرادها قد أصبح «مشخصاتي».
وقد اختار يوسف بك مسرحية «راسبوتين» ليفتتح بها جولته، وهي مسرحية يرتدي البطل فيها ملابس سوداء متقمصاً شخصية «قسيس روسي» تنحصر حياته في رغباته الجنسية، حيث اشتهر بأنه «زير نساء»، وهي المسرحية التي كنا -ونحن صغار- نضحك منها لعدم فهم المضمون، مع أنها كانت تمثل قمة «الدراما السوداء»!
وبسبب مجانية الحضور، فقد احتل جمهور البمبوطية والصيادين الصفوف الأولى من المسرح، حيث بدأ «يوسف بك» -فور إطفاء الأنوار- مشاهدة المسرحية التي تحمّلها الجمهور الحاضر على «مضض» شديد. بسبب عدم فهم حرف واحد مما يقوله «البيك» على المسرح، بالإضافة إلى حركته الدائمة بثوبه الواسع بما يقترب كثيراً من شكل الوطواط الهائل بسبب جسم يوسف بك الطويل العريض. ولما طال صبر الجمهور، وقف أحدهم صارخاً بلهجته البورسيعدية الشهيرة «والنبي يا سي يوسف.. إحنا مش ناقصين غم.. إحياة أبوك تشوف لنا حاجة للريحاني.. عايزين نضحك شوية.. الله يكرمك»، ليفاجأ يوسف بك برد الفعل هذا الذي عدّه إهانة لمسرح رمسيس، ليحمل عصاه ويرحل لفشل التجربة!