Al Masalla-News- Official Tourism Travel Portal News At Middle East

جانبى طويل

من جدار برلين الى بابا عمرو بحمص : السياحة الثورية

القدس " المسلة " … في مشهدٍ من المسلسل الكوميدي السوري (مرايا) للفنان ياسر العظمة، يتباهى بطل احدى الحلقات بحجر موضوع في علبة مفتوحة مليئة بالتراب في صالون منزله المفروش بالآثاث الفخم واللوحات الرائعة لكبار الرسامين بالاضافة الى التحف الثمينة.

 

كان ضيوف ذاك الشخص يتساءلون عن سبب وجود حجر في منزل فخم كهذا، وكان البطل لا يتوانى عن ابقاء التعريف بحجره حتى أخر جولته التعريفية بأثاثه الفخم ولوحاته وتحفه الثمينة، فكان يلتقط الحجر برشاقة ويقول، ما معناه: هذا الحجر هو أثمن ما في بيتي!! فهو بقايا من جدار برلين أتيت به بعد زيارتي لآلمانيا الموحدة.

اذاً، هو حجر من جدار برلين، ولا عجب اذاً أن يتباهى أي شخص بوجوده في منزله، ولا غرابة أيضاً في اعتباره أثمن من كل اللوحات والتحف والأثاث الفخم ان وجد في منزلِ أيٍ منا. فقيمة بعض الآشياء أبداً لاتقدر بكمية العمل الضروري لانتاجها، كما في المفاهيم الماركسية المعروفة.

كنت قد تذكرت هذه الحلقة وأنا أسمع من مضيفي بعض الأخبار السارة عن تعداد الآفكار الخلاقة التي يبتكرها الشباب المنتمي لما بات يعرف بالربيع العربي، وعن المصاعب التي تواجههم في مواجهة قوى الظلام أو الثورة المضادة وغير ذلك. توجهت من مضيفي بطلب ابقائي على اتصال بمعارفه التونسيين لضرورة انشاء مجموعة ضغط تونسية تتولى حملات الاهتمام الاعلامي بمدينة سيدي بوزيد مهد الربيعين التونسي والعربي. اذ يحق لنا، كشعوب مقهورة على امتداد مساحة لا بأس بها من الزمن، أن نفتخر ولو لمرة واحدة بصنيعة بشرية حديثة هي الربيع العربي.

ولعل أحدى الآفكار الخلاقة في هذا المضمار هي الاستثمار السياحي في هذا الربيع، فالآنباء الواردة لنا تتحدث عن تحول مدينة سيدي بوزيد الى محج لزائري تونس هذه الآيام، ومع قليل من الآهتمام تستطيع الحكومة التونسية والمجتمع المدني هناك تحويل هذه المدينة-المهد الى مركز جذب سياحي تنافس قرطاج الآثرية أو الشواطئ الرملية ذات السماء الصافية المشهورة في صناعة السياحة التونسية.

في مصر أيضاً هناك منافسة قيد التصعيد بين تمثال أبو الهول والآهرامات من جهة وميدان التحرير من جهة ثانية. ومع أنه الى الآن اقتصر زوار ميدان التحريرفي الغالب على المسؤولين الآجانب من سياسيين ودبلوماسيين، الا أنه من المفيد بمكان تذكير الحكومة المصرية بأهمية الآستثمار السياحي في هذا الميدان.

للآسف، وطوال الخمسين عاماً الماضية، كان مفهوم السياحة في بلداننا له وجهين، اما سياحة تعتمد بالكامل على البارات والفنادق المرفهة كما في مصر وتونس والمغرب ولبنان ،أو سياحة أثرية كما في سوريا ومصر والى حدٍ ما تونس. مفهوم صناعة السياحة اذاً يعتبر قاصر عندنا، ولا أبالغ حينما أقول أن حكومة شمولية كالحكومة الصينية استثمرت، سياحياً ،جريمتها في ميدان تيان أن مين الشهير وان بطريقة خجولة جداً. اذاً، فمابالكم ان استثمرنا نحن في مواقع الانتفاضات السلمية التي لم يسمح الشباب لآنظمة الفساد والافساد بتحويلها الى أماكن شبيهة بتيان ان مين!

في سوريا، اعتمد النظام السوري فقط على السياحة الأثرية، فحرمت مناطق تمتد من ريفي حمص وحماة الى اللاذقية وطرطوس على الخط الساحلي من البرامج السياحية كون تلك المناطق غير مشهورة بالآثار التاريخية (رومانية أو عربية) بل بالطبيعة الخضراء الخلابة. ان تلك المناطق المذكورة اعتمدت في مواردها السياحية في الغالب المطلق على السياحة الداخلية تاركةً زوار وسياح المنطقة يذهبون باتجاه تركيا للاستمتاع بالطبيعة الخضراء!

اليوم نحن بحاجة الى اعادة احياء تلك المناطق سياحياً بالترافق مع مورد سياحي جديد لا يقل أهمية ويتجلى ببؤر الانتفاضة السورية. فعلى غرار مدينة سيدي بوزيد في تونس وميدان التحرير في القاهرة، فان مدينة كحمص قد تكون مورداً سياحياً رائداً لما تتضمنه من أحياء منكوبة وصلت سمعتها الى هوليود نفسها!! ان حييّ بابا عمرو والخالدية وبسبب من كثرة الدمار فان حجارة البيوت المهدمة يجب أن لاتقل أهمية في الترويج السياحي عن حجارة جدار برلين، ويجب أن تتحول المدينة كلها الى مركز جذب سياحي على خارطة السياحة في العالم.

ان المجتمعات الحديثة تخلق مواردها بنفسها وتعبر عن نجاحها بأفكارها الخلاقة، فان كانت الطبيعة أعطتنا روعة خضرة الغابات وجمال زرقة البحار والسماء، وان كان الآجداد وكل من مر على أرضنا أعطونا دهشة الآثار والفن المعماري، فانه من واجبنا اعطاء حاضرنا ومستقبلنا الآفكار الخلاقة المبدعة والتي تتركز اليوم في اعادة انتاج الانسان وصنائعه والتي أهمها اليوم الربيع العربي. ولعل استثمارنا في الربيع العربي سياحياً قد يكون التتويج النهائي لنجاح هذا الربيع ذاته.

اذاً من سيدي بوزيد الى ميدان التحرير الى حمص العدية وقبلاً مروراً بدوار اللؤلؤة في البحرين، هذه كلها مدعوة لتكون جزءاً من مواردنا السياحية، وطبعاً نحن بانتظار المزيد من الساحات والآماكن التي سيجيئها دور التغيير ان عاجلاً أم أجلاً.

 

 

 

 

 

نبذة عن الكاتب

مقالات ذات صله