وهران " المسلة " … يشير الباحث "ماسينيسا أورابح" إلى أنّ جبل مرجاجو الشاهق (429 متر على سطح البحر)، إلى كون جبل مرجاجو عُرف باسم "إيدور" في القرن الثالث عشر الميلادي ليتحول بعد ذلك إلى مرجاجو إبان الاحتلال الإسباني لوهران، حيث يرجّح أورابح أن يكون أصل التسمية مستوحى من الكلمة الإسبانية "مرخاخو" وتعني نبات "الدوم" الأكثر انتشارا بالجبل المذكور.
ويبرز "سمير كناسي" ابن المنطقة، إلى انطواء سلسلة مرجاجو الجبلية على كم كبير من النباتات، فإلى جانب "الدوم"، "القرنفل" و"الأقحوان"، هناك السنديان الأخضر، الزان، وأشجار الصنوبر الحلبي، فضلا عن الإجاص الشائك والصبار الشوكي، فيما يلفت "عادل لعمامرة" إلى احتواء مرجاجو قرابة 40 مغارة يعود تاريخها إلى مائة ألف سنة قبل الميلاد، وتحفل هذه المغارات بقسط غير قليل من الفطريات وكذا نبات الصنوبر.
ولأنّ هذا الجبل الشامخ يمتلك خواصا غير عادية ويربط عديد البلدات، يراه فتحي، زبير، علي وغيرهم من محبي الطبيعة والناشطين في جمعيات بيئية محلية، منارة قادرة على إنتاج سياحة إيكولوجية بوسعها تغيير وجه المنطقة، خصوصا مع امتلاك وهران لجزر "حبيباس"، "بلان" و"رشقون" الواقعة غرب الجزائر، والتي تنتظر تفعيلا لأرصدتها البيئية وارتفاعا بتنوعها البيولوجي بعيدا عما يتهددها من مخاطر.
ويستقطب مرجاجو آلاف الراغبين في استكشاف مراياه الأثرية كالحصن العتيق "سانتا كروز"، و"كنيسة العذراء" وبقايا "القرى البربرية" المتناثرة عبر السلسلة الجبلية وما تبقى من "طريق الحصن الروماني" والكهوف، كما تستهوي الحظيرة الطبيعية بأعالي مرجاجو، قطاعا غير قليل من عشاق رياضتي المشي والدراجات.
ويحتضن هذا الموقع سنويا أكبر تظاهرة سياحية محلية تنظمها جمعية "الأفق الجميل" حيث يشارك فيها ألاف المواطنين من مختلف الفئات العمرية والشرائح الاجتماعية ويلتقي فيها محبي المعالم الأثرية والطبيعة في جولات شائقة على الأقدام، تتسارع وتيرتها خصوصا في مواسم الإجازات.
ويشير "مراد شعيري" إلى أنّ التظاهرات الدورية التي تقام بحصن "سانتا كروز" بأعلى جبل مرجاجو، كعيد السردين ويوم الجبل وغيرهما، تسمح بتعزيز الساحة الإيكولوجية، طالما أنّ المكان يُصنّف كموقع جذاب للسياحة الإيكولوجية.
وتبرز أهمية السياحة الايكولوجية في وهران من خلال تقاطع ما يحتويه مرجاجو مع متحف "أحمد زبانة" الذي يتوافر على مجموعات تاريخية لها مكانة معتبرة نظرا لقيمتها الإيكولوجية والتاريخية، حيث تضم عينات محنّطة وعظمية، تم اقتناؤها إثر عمليات استكشافية منذ بدايات القرن التاسع عشر، بينها بعض الأنواع النادرة لسلاحف بحرية والثدييات كالفقمة وأسد البحر والفهود، فضلا عن الطيور، الزواحف، ومجموعات متنوعة من النباتات والحيوانات.
وتسعى محافظة الغابات المحلية على لسان مسؤوليها لإثراء جبل مرجاجو بالكثافة النباتية وإلباسه غطاء أخضرا عن طريق الإكثار من استزراع أشجار فستق الأطلس واليرقان والسنط والسرو، فضلا عن بلوط الفلين وأرز الأطلس، ما سمح خلال الفترة الماضية بغرس قرابة ألف شجرة، بالتزامن مع حملات زرع الوعي لدى مواطنيهم بحتمية تأمين الجبل ضدّ ظواهر غير صحية كالبناءات الفوضوية، والصيد العشوائي ومحذور التلويث.
وكغيرها من قمم الجزائر ومرتفعاتها الساحرة، يزدان جبل مرجاجو في فصل الشتاء بحلة بيضاء كالقطن المندوف، قبل أن يتحول إلى جزيرة خضراء في مواسم الربيع، تغري المتسلقين كما الحالمين والراغبين في اقتناص لحيظات استرخاء ومرح على ارتفاع آلاف الياردات عن سطح البحر.
ويركّز "الصديق بن عبد الله" وهو مدير جهوي للبيئة، على أصناف الصنوبر والبلوط المنتشرة بكثرة، ما يوفّر جوا مصغرا قابلا لإنتاج وتنمية أشجار الفلين وثروات نباتية وغابية أخرى كأرز الأطلس مع أصناف حيوانية موجودة بالجزر المحاذية كالبط البري ودجاج الماء وبعض الحيوانات الغطاسة.
وينادي متخصصون بضرورة حماية جبل مرجاجو، وتحسيس السكان أكثر فأكثر بضرورة الحفاظ على الفضاءات النباتية و الحيوانية التي تلعب عدة وظائف على بيئيا، اجتماعيا واقتصاديا، وذاك مرهون بعيون "سيد أحمد رباحي" و"أحمد عوالي" بمعالجة الأحواض المنحدرة وتوسيع ثروات مرجاجو لتحقيق التوازن الايكولوجي المرتجى.
وتشير بيانات المديرية العامة للغابات إلى تضرر 14 ملايين هكتار بالانجراف في المناطق الجبلية، في حين أنّ 12 مليون هكتار معرضة لهذه الظاهرة على مستوى الأحواض المنحدرة مهددة بذلك السدود بالتوحل.
وزادت التغيرات المناخية، سيما السيول الغير منتظمة بجانب حرائق الغابات، من تدهور المناطق الجبلية إضافة إلى ممارسات غير سليمة كسوء استعمال الموارد الطبيعية وغياب مخطط تهيئة للفضاءات الجبلية، ما يؤثر على حوالي 1169 بلدية و1.2 مليون أسرة، في وقت يمكن لفعل اقتصادي ايكولوجي مستدام أن يستحدث أكثر من مليون منصب شغل ويضمن إعادة تأهيل أكثر من 8 ملايين هكتار.
المصدر : ايلاف