بقلم د. عبد الرحيم ريحان
مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمى بسيناء ووجه بحرى
فى ظل التجاهل المتعمد فى العهد السابق لسيناء الأرض والأهل والاستثمار والتعمير تتجه الأعين الآن لرد اعتبار لأهل سيناء وتاريخهم المشرف ومن هذا المنطلق جاءت شهادة عيان من اللواء فؤاد حسين الذى شغل عدة مناصب بإدارة المخابرات الحربية والاستطلاع وعضو جمعية مجاهدى سيناء فى كتابه " شبه جزيرة سيناء المقدسة – المعجزات الإلهية على أرضها وبطولات أهلها " وقد تضمن الكتاب سبعة أبواب شملت أهمية سيناء العسكرية والدينية والبيئية وعادات وتقاليد وبطولات أهلها.
مخطط صهيونى خاص بسيناء
يوضح المؤلف أن هناك مخططاً مدروساً جارى تنفيذه منذ فترة طويلة يهدف إلى استقطاع سيناء من الوطن الأم مصر بدأ منذ عام 1902 عندما وصلت لجنة هرتزل لمعاينة سيناء وعرضت تأجيرها من الحكومة المصرية بحجة إنشاء مستعمرات عليها لجمع اليهود من الشتات وقوبل طلبهم بالرفض وقد أصدر هرتزل كتابه " الدولة الصهيونية" وحدد فيه حدود إسرائيل قائلاً ( فى الشمال مرتفعات تركيا وفى الشرق نهر الفرات وفى الغرب قناة السويس) وبدأت بعدها الأيدى الخفية الإسرائيلية تشكك فى مصرية سيناء وفى عام 2006 وزعت المجموعة الدولية للأزمات وهى منظمة دولية فى أوربا تقريراً عنوانه (هل سيناء مصرية؟) وبعد عام 1967 قال موشى ديان (إذا كنا نملك التوراة وإذا كنا نعتبر أنفسنا شعب التوراة فيجب أن تكون لنا أيضاً أرض التوراة) وإسرائيل حالياً ومنذ انسحابها من سيناء لا تزال تعتبر سيناء محتلة بالنسبة لها ويقيمون كل عام يوم 25 أبريل احتفالات جنائزية على ضياع سيناء وجاء فى مقال المنظمة الصهيونية العالمية بالقدس الذى نشر فى مجلة "كيفونيم" الإسرائيلية عام 1982 ما يلى (أن استعادة سيناء بثرواتها هدف ذو أولوية ولكن اتفاقية كامب دافيد تحول الآن بيننا وبين ذلك ، لقد حرمنا من البترول وعائداته واضطررنا للتضحية بأموال كثيرة فى هذا المجال ويتحتم علينا الآن استرجاع الوضع الذى كان سائداً فى سيناء قبل زيارة السادات المشئومة لإسرائيل).
ويضيف المؤلف أن هناك العديد من الأقلام والمواقع المشبوهة تسلب سيناء وضعها الدينى المقدس بادعاء أن الوادى المقدس طوى ليس بسيناء بل فى منطقة تبوك بالسعودية ويسمى جبل اللوز وأن نبى الله موسى عليه السلام شق البحر إلى شبه الجزيرة العربية وأن التخطيط والخطوات التنفيذية مستمرة لإنشاء إسرائيل الكبرى التى تمتد حدودها إلى قناة السويس ويشرف على تنفيذ هذا المخطط جهاز المخابرات العسكرية الإسرائيلية (امان)
عزلة أهل سيناء
يشير المؤلف إلى أن البطولات التى قام بها أهالى سيناء عبر التاريخ لا يمكن حصرها وبالذات بعد احتلال سيناء عام 1967 ولا تقتصر هذه البطولات على قبيلة معينة بل كل قبائل سيناء حظيت بهذا الشرف وقد قاموا ببطولات ومساعدات هائلة للوطن وللقوات المسلحة من البدو والحضر وإذا نظرنا لمعيشة أهل سيناء وطريقة معاملتهم قبل عام 1967 بسنوات طويلة والعزلة الإجبارية التى فرضت عليهم لتأكد لنا حقيقة أن ما قاموا به يعتبر بطولات نادرة ولقد كانت الظروف والقوانين أقوى من إرادة الشعب ولقد فرض الاستعمار الانجليزى العزلة على أهل سيناء لدرجة أقنعت حكام مصر بعد زوال الاستعمار على استمرار نفس النهج وأصبح هذا النهج هو التقليد الطبيعى فى مفهوم الحكومات المصرية المتعاقبة .
وقد كان المخطط الاستعمارى الانجليزى متمشياً بل ومنفذاً للمخطط الصهيونى الاستيطانى الذى كان يعمل على عزلة سيناء عن الوطن الأم مصر ليسهل عليهم احتلالها وهو ما حدث عام 1967 وقد أشار المؤلف فى باب خاص للظروف التى كانت تسيطر على أهل سيناء وطريقة الدخول والخروج ونقاط التفتيش الجمركى فى العريش والقنطرة شرق ونقطة الشط وكأنها دولة خارج مصر كما أنها كانت محافظة لا تتبع الحكم المحلى كباقى محافظات مصر وكان أهل سيناء يذهبون للسويس لشراء احتياجاتهم بعد الحصول على تصريح من سلاح الحدود من أقسام الشرطة بالشط أو الطور أو العريش أو الشيخ زويد وغيرها وكان أهالى سيناء محبوسين دون خدمات أو مدارس أو مستشفيات وبدون كهرباء ومياه صالحة للشرب إلا عن طريق الآبار ولا زراعة إلا على الأمطار القليلة ولا صناعة على الإطلاق ولا خدمات طرق وخلافه
بطولات أهل سيناء
يرصد المؤلف بطولات أهل سيناء وقسمها لثلاث مراحل الأولى ما قبل عام 1967 والثانية ما بعد احتلال سيناء والثالثة مرحلة العمل الإيجابى لتحرير الأرض والذى أطلق عليها "مرحلة سيناء العربية" التى تكونت من أبناء سيناء وبعض المحافظات الأخرى وفيها بطولات غير مسبوقة لأهلها ، وعن المرحلة الأولى يشير المؤلف لبطولات فى جمع المعلومات عن العدو ورصد التحركات العسكرية داخل إسرائيل وإرسالها للمخابرات المصرية فى العريش وقد أرسلوا خبر الهجوم الإسرائيلى الوشيك يوم 4 ، 5 يونيو وقد أجمع المحللون والقادة فى مذكراتهم أنه لو كان قد تم التعامل مع هذه المعلومات الواردة من مخابرات سيناء بجدية وسرعة لما نجحت الضربة الجوية الإسرائيلية الأولى على المطارات المصرية ولما نجح الهجوم الإسرائيلى الكبير بعد ذلك.
وفى المرحلة الثانية ظهرت بوضوح معادن أهل سيناء ووطنيتهم وخدماتهم التى قدموها للوطن ومنها مساعدة أفراد القوات المسلحة العائدين والتائهين وتوصيلهم لقناة السويس بعد إخفائهم عن أعين القوات الإسرائيلية ونقل المصابين لأماكن علاج آمنة وعلاجهم بالطب البدوى والمساعدة فى إنشاء مراكز إعاشة وتجمع لأفراد القوات المسلحة فى منطقة بئر العبد تمهيداًً لنقلهم بمراكب صيد إلى بور سعيد بالتعاون مع المخابرات الحربية أو نقلهم سيراً على الأقدام من خلال الملاحات إلى بور سعيد علاوة على إخفاء العديد من أفراد القوات المسلحة فى بيوتهم كما حدث بالعريش كما قاموا بجمع البطاقات الشخصية والعائلية الفارغة بمبنى السجل المدنى والأختام وشعار الجمهورية قبل وصول قوات إسرائيل إليها وقاموا باستخدامها فى استخراج بطاقات لأفراد القوات المسلحة الذين تخفوا فى المدن لإيهام السلطات الإسرائيلية بأنهم من أبناء سيناء.
كما أنشئت شبكة مخابرات العريش الخاصة من أبناء سيناء كما قام المجاهدون من أهالى سيناء وبتكليف من المخابرات الحربية باختطاف الجواسيس الإسرائيليين منفذى عملية السكة الحديد من القنطرة شرق وهى العملية الذى قام فيها الجنود الإسرائيليون بتجميع الأسلحة والذخيرة والمعدات العسكرية المتروكة بسيناء لنقلها بالسكة الحديد إلى العريش ومنها لإسرائيل.
مؤتمر الحسنة
بعد 16 شهر من احتلال سيناء وبالتحديد فى 26 أكتوبر 1968 جهزت إسرائيل لمؤتمر فى الحسنة بوسط سيناء بحضور جميع وسائل الإعلام المحلية والعالمية وقد خططت إسرائيل لتعلن أمام العالم موافقة أهل سيناء على تدويل سيناء وفشل المؤتمر بعد أن وضعت المخابرات الحربية خطة مع أهل سيناء وقد كان همزة الوصل هو المرحوم محمد اليمانى والشيخ سالم الهرش والذى تحدث بصوته الجهورى أمام العالم قائلاً ( أن هذه الأرض أرضنا نحن جميعاً مصريين ورئيسنا هو الرئيس جمال عبد الناصر وإذا كانت سيناء محتلة حالياً فستعود قريباً إلى الوطن الأم ) فصفق له الحاضرون من أهل سيناء وفشل المخطط الصهيونى.
كما ساعد أهل سيناء القوات المسلحة المصرية عندما وضحوا لهم أن من صفات الجمل أيضاً هى قدرته على العوم واقترحوا على المخابرات نقل المعدات والأسلحة عن طريق الجمال لتعوم من غرب القناة لشرقها وهى فكرة الشيخ سمحان موسى مطير من قبيلة الصوالحة وكانت هذه أول مرة يعرف الجميع أن الجمل يعوم فى الماء وكانت المعدات والأسلحة تنقل بواسطة لنشات مطاطية خلفها الجمال حتى تصل لشرق القناة لتنطلق بعد ذلك بالجمال إلى المناطق المحددة لها مهام قتالية.
نماذج من مجاهدى سيناء
محمد محمود اليمانى قام بجمع معلومات عن العدو بعد نكسة 1967 كما قاد مجموعة من الفدائيين أبناء منظمة سيناء العربية الذين أرهقوا المخابرات الإسرائيلية وكبدوا العدو خسائر فى المعدات والأفراد وكان مطلوباً من مخابرات العدو تطارده فى كل مكان ومع ذلك دخل سيناء وخرج منها 64 مرة أثناء الاحتلال لتنفيذ مهام كلفته بها المخابرات المصرية وسار فوق رمال سيناء مئات الأميال ومات مريضاً عام 2005 ولم ينل من الدولة سوى بعض الأنواط والنياشين التى لا تغنى من جوع .
أما حسن على خلف الملقب بالنمر الأسود فهو شاب من الشيخ زويد والذى قام بعد تدريبه بتصوير الموانع الإسرائيلية شمال سيناء فى مناطق رمانة وبئر العبد والعريش وقام بضرب قيادة القوات الإسرائيلية فى العريش بصواريخ الكاتيوشا وعددها 12 صاروخ وكان معه زميلاه بريك جهينى وأحمد سالم وكلهم من قبيلة السواركة وعند تنفيذ عملية أخرى قبض عليهم العدو الصهيونى وتم تعذيبهما بواسطة مخابرات العدو وحكمت عليهم المحكمة الإسرائيلية بالسجن 149 عام قضوا منها 4 سنوات وأفرج عنهم ضمن صفقة تبادل الأسرى ومنح حسن على خلف نوط الامتياز من رئيس الجمهورية
عودة صباح لويمى من قبيلة الترابين الذى أبلغ المخابرات الحربية عام 1972 أن القوات الإسرائيلية فى سيناء تقوم بالتدريب على عبور مانع مائى عند نقطة سد الروافع بوسط سيناء ووصف معدات العبور وفى عام 1973 وبعد عبور القوات المسلحة المصرية قناة السويس وقبل حدوث ثغرة الدفرسوار أبلغ عودة بأن معدات العبور السابق ذكرها تخرج من المخازن وتتجه لقناة السويس وكان ذلك أول بلاغ صحيح عن احتمال عبور العدو لقناة السويس فى الدفرسوار
موسى رويشد تخصص فى زرع الألغام فى طريق مدرعات وعربات العدو فى سيناء وأطلق عليه مهندس الألغام والشيخ سمحان موسى مطير الذى خصص بيته على أطراف السويس لتدريب الكثيرين من أهل سيناء لعمل مأموريات لصالح المخابرات المصرية والشيخ متعب هجرس شيخ قبيلة البياضية فتح بيته لاستقبال آلاف الجنود المصريين المنسحبين من سيناء عام 1967 وقام مع رجاله بتوصيلهم للبر الغربى ليكونوا فى أمان والمجاهدة فهيمة وهى أول سيدة تعمل فى منظمة سيناء العربية تحمل جهاز لاسلكى متنقل وتنقل التموين للأفراد خلف الخطوط وقامت بإيواء أحد الفدائيين فى منزلها فترة طويلة بعد أن حفرت له حفرة كبيرة وضعته فيها وغطته بأكوام الحطب وكانت تقدم له الطعام والشراب فى حفرته .