تونس/القاهرة (رويترز) – لم تكن الدبابات المصطفة بجوار مبنى وزارة السياحة التونسية والسوق الرئيسية في العاصمة هي بالتحديد ما تقصده شركات السياحة عندما قالت ان تحسين الوضع الامني هو السبيل لتشجيع السياح على العودة للبلاد.
فبعد مضي أربعة أشهر على الانتفاضة الشعبية التي أطاحت بالرئيس التونسي تحاول البلاد تدريجيا استعادة استقرارها واختيار حكومة جديدة وإعادة بناء الاقتصاد بالتركيز على قطاع السياحة الذي يعمل به أكبر عدد من السكان بعد القطاع الزراعي.
لكن مع تراجع الزوار الأجانب بنسبة 50 بالمئة مع دخول فصل الصيف لا تحصل تونس بعد الثورة على الدعم الذي كانت تنتظره من أوروبا- خاصة التدفق المعتاد لالاف السياح من فرنسا واسبانيا وألمانيا.
وقال دنيز مدير الافواج باحدى الشركات السياحة وهو يتجول في شوارع قرية سيدي بو سعيد "يشعر التونسيون أنهم خذلوا بدرجة كبيرة لانهم كانوا أول من بدأ الانتفاضات المطالبة بالديمقراطية والان هم منسيون."
وجاء دنيز مع الفوج الوحيد الموجود في القرية المطلة على خليج تونس والتي عادة ما تجتذب مئات السياح يوميا بمناظرها الخلابة ومنازلها ذات اللونين الابيض والازرق وسوقها النشطة.
غير أن الفوج الذي يرافقه في جولة بالسوق ليس من السياح بل من المرشدين السياحيين الاخرين جاءوا في إطار رحلة يرعاها المكتب الوطني للسياحة التونسي وشركة الطيران الوطنية في محاولة لاظهار أن البلاد آمنة ويمكن عرضها مرة أخرى على السياح.
وعادة ما تسهم السياحة بنسبة بين ستة وسبعة بالمئة في الناتج المحلي الاجمالي وهي مصدر مهم لفرص العمل المؤقتة في تونس حيث يبلغ معدل البطالة 14 بالمئة وكان من العوامل الرئيسية وراء الثورة.
وقال دنيز ان شركات السياحة تستهدف الازواج الذين يبحثون عن رحلة فاخرة في اللحظة الاخيرة مثل أسبوع في فندق ساحلي خمس نجوم مقابل 200 جنيه استرليني (322 دولارا) أي بنصف السعر المعتاد.
وقال بأسى "الناس تجذبهم الاسعار أكثر من الاهتمام الفعلي بالبلد."
قد يكون عدد السياح انخفض الى النصف لكن البعض مازال يأتي الى تونس. وبلغ عدد السياح 252 ألفا في مارس اذار على الرغم من الوجود العسكري وفرض حظر التجول في بعض الأحيان وإضراب سائقي سيارات الأجرة الذي يغلق الطريق الرئيسي للمطار والحرب الدائرة عبر الحدود في ليبيا.
وفي متحف باردو بالعاصمة التونسية والذي يضم فسيفساء وتماثيل رومانية قال فرنسوا اجزافييه مارشان (26 عاما) وهو مصرفي من باريس انه يمضي بضعة ايام يشاهد فيها المدينة قبل اجتماع عمل.
وقال "شركتي لها مكتب في تونس لذلك أعرف أشخاصا هنا وأخذت مشورتهم قبل السفر. لم أكن خائفا لكن يمكن القول انني لم أكن لاعرض نفسي للخطر." وتابع انه ما كان ليأتي الى تونس لولا اجتماع العمل.
وفي بلدة الحمامات الساحلية التي تبعد مسيرة ساعة بالسيارة تملا الفنادق غرفها الشاغرة بخفض الأسعار بنسب تتراوح بين 20 و30 بالمئة.
وفي فندق المرادي الفخم حيث تبلغ نسبة الاشغال نصف معدلاتها المعتادة في مايو أيار تجد من يتصيدون الرحلات الرخيصة يسترخون تحت المظلات على حوض السباحة.
وقال الفرنسي الان باريه مشيرا الى حوض السباحة الفارغ والمقاعد الشاغرة المحيطة به وبزوجته فرنسواز التي تأتي معه للمرة الثالثة الى الحمامات "يمكنك أن ترى الدليل على أن الناس تشعر بالخوف."
وأضاف "بعد كل الجهود التي بذلها التونسيون يخشى الناس الان بسبب قربها من ليبيا. حل حزن رهيب على هذا المكان."
لكن الزوجين يقولان انهما يشعران أنهما بعيدان بما يكفي عن مشكلات تونس ما يمكنهما من الاستمتاع بعطلتهما حتى وان كان البائعون في السوق أكثر إلحاحا وهم يتنافسون على المشترين.
وقالت فرنسواز "جئنا الى هنا لنستمتع لأسباب أنانية تماما."
وفي مصر حيث أطاح محتجون استلهموا الانتفاضة التونسية بالرئيس حسني مبارك في فبراير شباط الماضي تراجع عدد السياح في الشهر التالي بنسبة 60 بالمئة الى 535 الفا من 1.3 مليون قبل عام. وأحجم الروس بشكل خاص عن الحضور.
لكن بعض شركات السياحة تقول انها تتوقع ان تنتعش مصر أسرع من تونس بسبب مناخها الاكثر استقرارا ومناطق الجذب السياحية المهمة مثل الاهرامات.
وقبل ثلاثة أشهر فقط كان ميدان التحرير هو مركز الاحتجاجات التي أطاحت بمبارك الذي يصفه كثير من المصريين بأنه فرعون العصر الحديث. لكن بالنسبة للسياح الذين يعبرون الميدان الان لم يكن للاحداث أثر كبير عليهم.
وقالت البريطانية تينا وين (31 عاما) التي تمكنت من الاقامة في فندق اربع نجوم بسعر غرفة في نزل للطلاب "الثورة لم تكن بالامر الخطير بالنسبة لنا لاسيما انها مكنتنا من الحصول على أسعار رخيصة في كل مكان."
واضافت "القاهرة بالنسبة لنا هي الاهرامات والتسوق."
والسياحة من المصادر الرئيسية للعملة الصعبة في مصر وتسهم بأكثر من عشرة بالمئة في الناتج المحلي الاجمالي. وكما هو الحال في تونس يوفر القطاع عددا كبيرا من فرص العمل حيث يعمل به واحد من كل ثمانية في دولة تعاني كذلك من ارتفاع معدل البطالة.
وفي زقاق ضيق بسوق خان الخليلي القديم الذي كان مكتظا بالسياح يوما يعمل خالد محمود (31 عاما) في متجر يبيع ملابس الرقص الشرقي ويقول ان الثورة أثرت على عمله وأنه يجد صعوبة في توفير سبل العيش.
كان محمود يحقق نحو 40 ألف جنيه (6720 دولارا) شهريا قبل الثورة من بيع الحلل اللامعة للسياح. والان يكون سعيد الحظ لو كسب ألفي جنيه في الشهر.
وقال وهو يمسك برداء مطرز انه كان يمكنه بيعه مقابل 350 جنيها لكنه الان يمكن ان يقبل 250 جنيها بهامش ربح ضئيل.
وبدا فوج من السياح نقل بحافلة من منتجع شرم الشيخ لقضاء يوم في القاهرة غير مبال بالثورة. وحجز بعضهم العطلة قبل الاحداث ولكن البعض انتهز فرصة التخفيضات.
وقال ستيف كولينز "نقضي شهر العسل لذلك اخترنا مكانا يكون دافئا في هذا الوقت من العام." وأضاف أن زوجته تشعر بأمان كامل بعد أن اطلعت على نصائح السفر الحكومية قبل العطلة.
وكان الزوجان البريطانيان يحتميان من الشمس عند مدخل المتحف المصري على مسافة بضعة امتار من المبنى المحترق للحزب الوطني الحاكم سابقا والذي أحرقه محتجون قبل أسبوعين من تنحي مبارك.
وقال كولينز "باستثناء هذا المبنى المحترق ليس هناك أثر يذكر للثورة."
من سيلفيا ويستول وايزابيل كولز