اليوم تتحرك الأنشطه و القوافل المختلفة من سياحة بيئيه و علماء أثار و علماء جيولوجيا و علماء الفضاء و المؤرخين فى عمق الصحراء المصرية حيث يهدفوا زياره كهوف إنسان العصر الحجرى الثريه بالحفريات و الرسومات الملونه و حيث التضاريس و المغارات ذات الظواهر الطبيعيه الخلابه و المعادن النادره جداً و التى لا وجود لمثلها فىالعالم أجمع و حيث النباتات الصحراوية و التى ستكون من اساسيات مقاومه خطر التصحر و مواجهة خطر فقد الثروه المائية حيث ظهرت هذة الأيام أبحاث مذهله فى دول متقدمه إعتمدت إعتماد كامل على النباتات الصحراوية المصريه و التى تم أخذ عينات منها خلال الأعوام الماضية .
كل هذا ما كان سيتحقق دون جهد و تصميم عدد من المغامرين و اللذين خاطروا بحياتهم في سبيل رسم و توقيع و تسجيل تضاريس صحارى مصر على خرائط دقيقه بإمكانيات شبه معدومه لو قورنت بالتطورات العلمية المذهله الحادثه فى أيامنا هذه فهم ساروا على أرجلهم او بالإعتماد على الإبل و الخيول و ببوصلات بدائية أو بقرائه النجوم و إتجاهات الشمس و قيود هائله على الماء و الغذاء بالإضافه لمخاطر هجمات القبائل النائية و التى كانت تعتبرهم غنيمه سهله مستباحه يستولوا على كل ما يملكوه و احياناً يصل الأمر للقتل . اليوم بفضل هؤلاء المغامرين و إخلاصهم و بسالتهم و تفاصيل المعلومات الدقيقه التى سجلوها بالكلمه و بالرسم عن المعادن و النباتات و الحيوانات و الحشرات و مصادر المياه و الوديان و الجبال و المغارات و الكهوف و الآثار نتحرك وسط تيه الصحراء دون اى خوف لوفره الخرائط التفصيلية الدقيقة و التى تحقق نجاح جميع هذه الرحلات و تحميها من مخاطر الفقد و التوهان .و يشرفنى أن اسجل نبذه عن سيره هؤلاء العظماء و الذين سمحت لهم الصحراء بإكتشافها و الإضطلاع على أسرارها حيث دخلوها بحذر و خوف و طرقوا أبوابها بكل الأحترام و التقدير و لم يدخلوها بغطرسه و ثقه و قوه كما حدث من جيش قمبيز ألفان و خمسمائه عام فدفنتهم الصحراء تحت رمالها ..
وابدء بمن حقق أعظم إنجاز بل حقق المستحيل و شرف مصر و المصريين فى جميع المحافل الدولية أبدء بالمغامر العظيم” أحمد محمد حسانين باشا “و الذى ولد عام 1889 و بدء دراسته فى مدارس القاهرة ثم سافر الى بريطانيا حيث درس بجامعه اوكسفورد العريقة و تدرج فى عده مناصب رفيعه المستوى و كان هذا المصرىالعظيم بطل فى كل المجالات التى خاضها فكان بطل مصر فى رياضه السلاح ( الشيش ) و مثلها فى أوليمبياد عام 1920 – ثم قام برحلته التاريخية عام 1923 ليكون اول إنسان يعبر بحر الرمال الأعظم فى التاريخ و ينفذ رحله طولها ثلاثه آلاف و خمسمائه كيلومتر من السلوم شمالاً حتى الأبيض بالسودان جنوباً و خلالها إكتشف واحه أركينو و العوينات رحله إستغرقت ثمانية شهور كامله على الإبل و سيراً على الأقدام رسم خلالها أول خريطه تفصيلية دقيقه عن هذا القطاع الصحراوى و الذى كان مجهول للعالم حتى نجاح رحلته هذة – و عندما تولى مهام متابعه صقل و نشأة الأمير فاروق ولى العهد ثم أصبح مستشاره الشخصى تمكن من إنقاذ عرش مصر من براثن الإستعمار البريطانى بنصائحه كما حاول قياده طائره بمفرده من أوروبا الى مصر لأول مره فى التاريخ لكن الملك فؤاد أمره بقطع هذة المحاوله و العوده لمصر لتولى مهام جسام .
و كانت الصحراء حبه الأول وغرامه فقام برحلتين الأولى عام عشرون رافقته سيده بريطانية تدعى روزيتا فوربس و كانت لا تجيد اللغه العربية و لا تجيد قراءة البوصله و لا اى جهاز من أجهزه التعامل مع الصحراء فبإلحاح من أصدقاء مقربين لحسنين باشا عام 1920 وافق على مضض أن ترافقه هذة السيده البريطانية لكن بشرط أن تلقب بأسم عربى ( خديجه ) و أن ترتدى ملابس البدو طوال الرحله مع تغطية وجهها و تدعى أنها قريبته نظراً لدخولهم أرض قبائل البدو و التبو و السنوسيه . و كادت تقتل روزيتا عده مارت من رجال قبائل شكوا فيها لولا التدخل السريع و الحكيم لحسنين باشا و إنقاذه لها ، و بسبب إدعائها إجادتها قراءه البوصله و هو ما كان لا يطابق الحقيقه تسببت فى إنحراف مسار القافله بالكامل مما أدى الى توهان و كادوا يموتوا من العطش لولا إراده الله و عثورهم على بئر ماء مما أنقذهم جميعاً من هلاك محقق – و عندما عادت لبريطانيا ردت الجميل بجحود و نكران مؤسف فكتبت كتاب عام ألف تسعمائة واحد و عشرون إسمه ( أسرار الصحراء – الكفره ) و بالكتاب مجدت نفسها و إدعت أنها هى صاحبة فكره الرحلة و أنها أشرفت على تفاصيلها بالكامل و وصفت حسنين باشا بأنه كان أحد خدمها – و هو ما تسبب فى شهرتها عالمياً لسنوات و جيزه حتى بدء هذا الزيف و الكذب ينقشع فبدء المؤرخون و كتاب أدب الرحلات يكشفوا بالمنطق النقاب عن تفاصيل هذة الرحله و كذبوها و سخروا من السيده /روزيتا و قرظوا حسنين باشا و لقبوه بالرجل الشهم النبيل و أكدوا أنها حاولت عده مرات خلال الرحله إغرائه لكنه أبى مخافه الله و لأنه نشأ فى دار أزهرى جليل ذو جذور دينية عميقه –
و رداً على حملتها الكاذبة قرر حسنين باشا تنفيذ رحله ثانيه أخطر و أطول مع دخول قطاع مجهول تماماً لم يدخله رحاله من قبله بهدف إكتشاف عدد من الواحات المفقوده أو المجهولة للعالم و هو قرار نال إعجاب ملك مصر الملك فؤاد فقرر تمويل الرحله بالكامل و فعلاً تحرك لتنفيذ هذة الرحلة يوم التاسع عشره من شهر ديسمبر عام ألف تسعمائة إثنين و عشرون – و أوائل شهر يناير من عام ألف تسعمائة ثلاثه و عشرون غادر السلوم متجهاً الى الجنوب لواحه سيوة فى قافله مكونه من النوبيين و البدو و عدد كبير من الإبل و كادت تحدث كارثه فى أولى أيام الرحلة عندما وصلته معلومات تفيد أن قبائل بدوية دبرت لقافلته كمين على الطريق من السلوم الى واحه جغبوب بليبيا للسطو عليهم و هو ما دفعه فوراًُ تعديل مسار رحلته و الإتجاه الى سيوة ليلاً لتبدء أعظم مغامره مصريه عبر الصحراء ؟!! يتبع….