تشهد دمشق منذ سنوات عدة ظاهرة تحويل البيوت الدمشقية القديمة إلى مطاعم ومقاه وفنادق بعد اعادة ترميمها للحفاظ على صبغتها الأثرية ما جعلها استثمارا سياحيا جاذبا للمستثمرين الذين استفادوا من اللمسات المعمارية المميزة والمواصفات التي يتمتع بها البيت الشامي من مساحة واسعة وباحة كبيرة واحتوائه على بحرات وغرف كبيرة ومتعددة.
ومع نجاح التجارب الأولى لتحويل هذه البيوت إلى مطاعم وفنادق في تسعينيات القرن الماضي سارع العديد من أصحاب رؤس الأموال والمستثمرين لشراء البيوت الدمشقية من أصحابها في عدد من الحارات كالعمارة والقيمرية والأمين وباب شرقي والقشلة وباب توما وزقاق الصوف وقاموا بعمليات الترميم والتجهيز التي تصل تكاليفها إلى مبالغ تتراوح مابين المئتي الف والمليون دولار أمريكي حيث يتم التركيز في عملية الترميم على أبراز ما يحتويه البيت من تفاصيل كالزخارف والرسوم والفتحات السماوية والبحرات والأواني والأغراض القديمة.
وتشهد هذه المطاعم والفنادق إقبالا كبيرا وعلى كافة المستويات إذ يتوافد العديد من المواطنين السوريين والسياح لقضاء فترات ممتعة فيها ولاسيما من خلال تنوع البرامج الترفيهية التي تقدمها الفرق الفنية التراثية وما تؤديه من وصلات غنائية فلكلورية وقدود بمصاحبة آلة العود والقانون وعروض لرقصات المولوية والعراضة اضافة لما يقدم من مأكولات شامية عريقة ووجبات أخرى متنوعة.
ويعزو بعض من أصحاب هذه التجربة اهتمامهم باعادة الروح إلى البيوت الدمشقية نظرا لما تمثله هذه البيوت من ثقافة وحضارة وتاريخ عريق وكذلك لتقديم نمط مغاير من المطاعم والفنادق يختلف عما هو موجود ومألوف من خلال الاستفادة من التراث المعماري الفريد وخاصة أن العديد من الدراسات والاستبيانات أثبتت أن أغلب الزبائن سواء المحليين أو السياح العرب والأجانب يفضلون قضاء أوقات راحتهم وسط أجواء تراثية هادئة كالتي تتميز بها هذه المطاعم المتواجدة وسط الحارات القديمة.
ومن أهم المطاعم والمقاهي التي كانت بيوتا قديمة لعائلات دمشقية بيت جبري الذي يعود بناؤه إلى 1737 م و اليسار في باب توما الذي بني عام 1840 م و قصر الأمويين وعالبال و قصر النرجس وبيت جدي و بيت ستي و باب الحارة و تمر حنة وموليا وألف ليلة وليلة و قصر العرسان والقيثارة وسيلينا والخوالي وغيرها من تسميات كثيرة حرص أصحابها أن تأتي منسجمة مع رومانسية البيت الدمشقي القديم وشاعرية أقسامه وباحته الواسعة وشجيرات الياسمين والنارنج والليمون التي كانت تعد جزءا لايتجزأ من أصالته.
ويقول أحمد عمر باشي مدير أحد الفنادق في دمشق القديمة: منذ أكثر من عام على افتتاح الفندق الذي أعمل به أصبح مشهوراً لكثير من السياح الأجانب تحديدا ورغم وجود الفنادق الضخمة فإن الكثير من السياح يفضلون فنادق دمشق القديمة لأنها أكثر ملاءمة لهم على اعتبار أن التجول في المدينة القديمة وأسواقها والاطلاع على أوابدها التاريخية والاسواق فيها أهم ما يدفع السائح لزيارة دمشق وخاصة انها تضم المحال المتخصصة بالمهن التراثية كالأرابيسك والبروكار الدمشقي العريق والنحاسيات والخشبيات والزجاجيات المزخرفة.
ولم يقتصر الأمر على افتتاح المطاعم والفنادق في البيوت الدمشقية وإنما تجاوز الأمر ذلك لتبرز ظاهرة مماثلة تتمثل بإيجار الغرف في عدد كبير من هذه البيوت لاستخدامها كمراسم وصالات عرض للأعمال الفنية إذ تصل أجرة الغرفة الواحدة من 15إلى 20 ألف ليرة سورية في الشهر حيث راقت فكرة النحات السوري مصطفى علي لكثير من زملائه بشرائه منزلا دمشقيا واسعا في زقاق تل الحجارة بحي الأمين وتحويله إلى مرسم ومعرض دائم لأعماله وصالة عرض لمعارض الأصدقاء حتى أطلق على تلك الحارة القديمة لقب حي الفنانين مع بداية العام الحالي 2008 الذي زهت دمشق فيه باختيارها عاصمة الثقافة العربية.
ويرى خالد السروجي صاحب منزل دمشقي قديم قيد الترميم حاليا بغرض استثماره إن هذا التحول في استثمار البيوت القديمة من شأنه أن يسهم في جذب السياح وتفعيل الحياة الثقافية والفنية من خلال تحويل بعض من غرف هذه البيوت إلى صالات عرض فنية وإقامة أمسيات فنية وأدبية في باحاتها المفتوحة وايواناتها.
ويتابع: إن هذه الظاهرة صحية من شأنها تشكيل بقعة مضيئة في المدينة القديمة بعد أن كان كثير من هذه البيوت العريقة مهجورة لفترة طويلة نتيجة انشغال الملاك بأعمالهم وخروجهم للسكن في شقق حديثة في أحياء مختلفة بدمشق.
وتتكون البيوت الدمشقية في العادة من باحة كبيرة تتوسط البيت تسمى أرض الديار وبضمنها بحرة ماء وبعض الأشجار المعروفة كالنارنج والليمون أو التوت والياسمين وتكون غرفة الضيوف عادة مفتوحة على هذه الأرض التي تحيط بها الغرف الباقية للمنزل حيث يتالف عادة من طابقين أو ثلاثة طوابق.
المصدر : سانا