بيروت : عمار زين الدين
يتميز القطاع السياحي ـ البيئي في الشوف بعوامل مهمة، لما يقدّمه من حوافز من شأنها جذب السياح فمحمية ارز الشوف التي تشكل 25% من غابات الأرز المتبقية في لبنان، والمدى الحيوي التي أعلنت العام 2005 من قبل الأونيسكو ـ برنامج الإنسان والمدى الحيوي، تعطي الوجه الحقيقي للسياحة البيئية، والصورة الجلية في المحافظة على التنوع البيولوجي وعلى الطبيعة بكل اوجهها، علاوة عما تمثله في الحركة السياحية.
ولأن هذه المحمية تعتبر المرفق السياحي البيئي الأبرز في المنطقة، والعامل الأهم في استقطاب محبي الرحلات الى جانب مهرجانات بيت الدين الدولية، ومشروع “درب الجبل” ضمن فسيفساء جمالية منوّعة تتوزع في الكثير من الاماكن الاثرية والتاريخية والطبيعية والمغاور والينابيع…الخ، أطلقت المحمية لهذا العام “رزمة السياحة البيئية” بعنوان” أرز وناس” الذي يعني زيارة غابات الأرز في المحمية التي تضم نيحا، ومرستي، والخريبة، والمعاصر، والباروك، وعين زحلتا، وبمهريه، والتمتع بالسير في ظلال أغصانها وزيارة القرى المحيطة بالمحمية ولقاء أهلها والتعرف على إرث ثقافي من بيوت قديمة ومعاصر عنب وزيتون ومطاحن ومواقع دينية ونشاطات زراعية وحرف تقليدية وغيرها.
وقد أمكن هذا العام لـ 13 ألف زائر حتى شهر يونيو الماضي تمضية عدة أيام في محمية أرز الشوف ومحيطها الحيوي. وفي هذا السياق يقول المنسق العلمي في المحمية نزار هاني: “يبدأ نهارك برحلة مشي على دروب المحمية برفقة مرشد محلي لديه كل المعلومات التي تغني الرحلة وتضفي عليها رونقاً خاصاً بالإضافة إلى التمتع بالطبيعة وبزهورها وأشجارها وطيورها، ثم تعود الى إحدى القرى المحيطة بالمحمية لتتمتع بوجبة طعام تقليدية محضرة بشكل طبيعي في أحد بيوت الضيافة الخمسة الموجودة في قرى نيحا، بعذران، الخريبة، المعاصر والباروك، بحيث تحتوي الوجبات على المأكولات والطبخات البيتية والخضار والفاكهة الطبيعية الطازجة من اراضي هذه القرى.
وبعد استراحة الظهر يمكنك القيام بجولة في إحدى قرى المحمية الغنية بمعالمها الطبيعية والثقافية وتم تنسيق هذه الجولات بطريقة يتعرف الزائر من خلالها على تاريخ هذه القرى وتقاليدها والحرف اليدوية الموجودة فيها وشعرائها وأدبائها الخ… وبعد انتهاء النهار وبانتظار بدء يوم آخر في الإستكشاف والمغامرة، يمكنك الإقامة في أحد بيوت الضيافة التي يزيد عمر بعضها عن 200 عام وتحتوي على كل ما يحتاجه الزائر من حسن الضيافة والتجهيزات والمياه المسخنة على الطاقة الشمسية لتكون هذه البيوت صديقة للبيئة أكثر فأكثر”.
ويضيف هاني: “في قرية نيحا يمكنك التعرف على حقبة مهمة من تاريخ لبنان تمثلها قلعة نيحا “فخر الدين”.أما بلدة بعذران سراياها الجنبلاطية ونولها الوحيد خير دليل على فرادتها وتميزها، أما الخريبة فيمكنك زيارة بيت ضيافتها الذي يزيد عمره عن 200 سنة، وفي المعاصر يمكنك التمتع بحديقتها العامة وبيوتها القرميدية، أما الباروك فشاعرها رشيد نخلة خير دليل على وطنيتها بالإضافة الى أرزها الشامخ منذ آلاف السنين، ولن ننسى أرز عين زحلتا وبيوتها القرميدية الزاخرة بعبق التاريخ، وكذلك نواويس بمهريه، والجسر القديم في بلدة مرستي الشوفية، واستراحة جباع الشوف وعيونها الشهيرة، بالإضافة الى القرية القديمة في بتلون الرابضة قرب النهر.
وهكذا دواليك يمكنك تمضية خمسة أيام في استكشاف هذه المنطقة انطلاقاً من عين دارة وصولاً إلى جزين عروسة الشلال، طبعاً مع رؤية المشاريع التطويرية التي حصلت في المحمية وآخرها انشاء البحيرات الجبلية التي وصلت الى 12 بحيرة بسعة آلاف الامتار المكعبة، ومنها واحدة انجزت العام الماضي واستوعبت المياه هذا العام وهي تتسع لنحو 90 الف متر مكعب وبكلفة 360 الف دولار اميركي هي من رزمة المشاريع الاخرى التي مولها النائب وليد جنبلاط”.
وبالنسبة الى حركة السياحة البيئية هذا العام، فسجلت المحمية بحسب هاني زواراً وصل عددهم إلى 13 ألف زائر حتى شهر حزيران الماضي. ونظراً للاستقرار الذي يمر به لبنان خلال العام 2009 فمن المتوقع أن يرتفع عدد زوار المحمية إلى 30 ألفاً، أما العام 2004 فسُجل أعلى عدد زوار حيث بلغ 28 ألف زائر، إلا أن الأحداث التي مر بها لبنان في السنوات الثلاث التي تلت أدت إلى انخفاض عدد الزوار بشكل ملحوظ، فانخفض عدد الزوار إلى 21 ألفاً في الـ2005 ، وفي الـ2006 بلغ 17 ألفا ، وفي العام 2007 بلغ 14 ألفاً ، وصولا حتى الـ2008 حيث عاد وارتفع إلى 22 ألف زائر.
ويتابع: “لأول مرة ثمة حملة تسويقية بدأت بدعم من بنك البحر المتوسط مشكوراً وبالتعاون مع وزارة البيئة وتستمر هذه الحملة الى أواخر شهر أغسطس الجاري، ومن خلالها يتم توزيع منشورات عن المحمية في المطار تدعو الزائرين الى المحافظة على إرث لبنان الطبيعي وزيارة محمية أرز الشوف الطبيعية. ويشير الى “المؤهلات والبنية التحتية الخاصة بالسياحة البيئة التي باتت موجودة في المحمية والقرى المحيطة بها والتي تحتاج طبعاً إلى المزيد من التطوير في المستقبل مع تزايد أعداد الزوار والضيوف”.
ويرى هاني،”أن رزمة السياحة البيئية هذه إنما تهدف الى حماية الطبيعة ومنفعة المجتمعات المحلية المحيطة فيها وهذا ما حدده مفهوم “السياحة البيئية” الذي تم تبنيه في القمة الدولية التي عقدت في كيبك الكندية بدعوة من الامم المتحدة العام 2002. وهي تالياً خلاصة إستراتيجية للسياحة البيئية في “محمية الشوف المدى الحيوي” التي أعلنت العام 2005 من قبل الأونيسكو ـ برنامج الإنسان والمدى الحيوي .
وساهم المكتب الفني للتعاون الألماني عبر صندوق البيئة في لبنان في تمويل هذه الإستراتيجية بالإضافة الى خطة تسويقية وتطويرية للمنتجات المحلية التقليدية التي اشتهرت بها منطقة الشوف، هذه المنتجات التي تصنعها السيدات في ثلاثة مشاغل في جباع، مرستي، وبعذران بالمواصفات الصحية اللازمة، وتم الحصول على شهادة عضوية لبعض هذه المنتجات Bio-Certification ونجدها بشعارها الأخضر على مداخل المحمية وأماكن أخرى من لبنان نذكر على سبيل المثال لا الحصرعاليه، بحمدون،وسط بيروت،جونيه، برمانا وغيرها.
أما على صعيد حماية غابات الأرز فإن المحمية وبالتنسيق مع مكتب التعاون الإيطالي والسفارة الإيطالية في لبنان ووزارة البيئة تعمل على خطة للوقاية من حرائق الغابات في المحمية ومحيطها تعتمد على إيجاد شبكة إنذار مبكر، والمرحلة الثانية لهذا المشروع هو تعميمه على المناطق اللبنانية مع المهتمين في هذا المجال”.
ويختم هاني بالدعوة الى زيارة المحمية والتمتع بنشاطات السياحة البيئة ولقاء أهالي القرى المحيطة والعيش تجربة الريف اللبناني، مشيراً الى المشاريع العديدة التي كانت انطلقت سابقاً والمستمرة بالتعاون مع عدد من المنظمات المحلية والدولية من اجل تطوير المحمية والحفاظ على تنوعها البيولوجي وموقعها البيئي بكل الوسائل الممكنة.
المستقبل