دمشق / المسله
تشتهر مدينة معلولا ببيوتها التي بنيت داخل الجبال وضمن كهوفها، وبسكانها الذين ما زالوا يتكلمون لغة المسيح الآرامية الغربية تبتعد معلولا عن دمشق 60 كيلومتراً شمالاً مختبئة عند ركن من سلسلة جبال القلمون ولعل من يعبر الممر الجبلي باتجاهها يحسب أنه يمضي نحو عالم مليء بالسحر و الأسرار يكاد الخيال نفسه يبدو طبيعياً فيها ذلك أن كل ما تقع عليه عيناه بعيد عن مألوف البيئة والزمن، إذ يحتضن الجدار الجبلي الشاهق المدينة ببيوتها المتدرجة و مغاورها التي تفغر أفواهها فوق البيوت و فيما بينها.
جمال معلولا يتجلى في تلقائية عمارتها إذ يتضح أنه لم يتم وضع خطة لتنظيم بناء المدينة فجاءت منازلها كما شاءت لها نزوات المنحدرات الجبلية وتضاريسها وهي ماتزال تحتفظ بغرف نحتت في الصخر وجعلت لها أبواب وسلالم.
وفي معلولا مضيقان جبليان يشكلان المنفذين الوحيدين نحو المناطق المرتفعة تطلق عليهما تسميتا الفج الغربي والفج الشرقي، ولاشك أن طابع البلدة اليوم هو نفسه في العهد البيزنطي من حيث شكلها المدرجي ومتاهة طرقها.
يوجد في المدينة ديران شهيران هما دير مارتقلا ودير مارسركيس، الأول يقبع عند مدخل الفج الغربي كحارس أمين وهو أقدم دير في العالم، وشهد تحديثات في عصور مختلفة ولكن القديسة تقلا أول شهيدات النصرانية وتلميذة القديس بولس كانت قد اتخذت من مغاور ذلك الموقع موئلاً ومنكساً طيلة أيام حياتها ودفنت في إحدى حجراته ومازالت جموع الحجاج تؤم الدير التاريخي من كل حدب وصوب للزيارة والتبرك بمقام الدفينة التقية.
أما دير مار سركيس فيشرف من سطح الجبل على منظر جميل للقرية وكرومها وبعض سهولها وقد اختير بناء كنيسته على أنقاض هيكل وثني إذ ترجع قبة الدير إلى العهد البيزنطي وقد تناثرت خلف الدير قبور صخرية مازال بعضها يحمل صورة نسر امبراطوري ونقوش يونانية يرجع تاريخها إلى القرن الأول الميلادي.
وكانت السريانية مع اليونانية أكثر اللغات شيوعاً في الامبراطورية الرومانية الغربية لتصبح اللغة الرسمية في البلاد في زمن الساسانيين ووصلت حتى الصين، فكانت لسان النساطرة واليعاقبة وأريخ، و كانت السريانية القديمة في فترة طويلة من التاريخ لغة الأدب والعلوم والفلسفة وكانت مراكز التعليم تنتشر وقتها في أوروبا ونصيبين وحران، واشتهرت مدرسة حران في زمن الخليفة المأمون فاختصت بترجمة كتب اليونان العلمية والفلسفية إلى العربية بعد أن كانت تترجم أولا إلى السريانية.
وبقيت السريانية مستخدمة حتى القرن الرابع عشر الميلادي، ثم نامت في مختلف أنحاء العالم باستثناء معلولا و قريتي الصرخة و جبعدين.
غرائب معلولا الأثرية وأهميتها التاريخية تجعل منها هدفاً سياحياً وعلمياً خصوصاً وأنها تحتفظ اليوم باللغة الآرامية الغربية الأخذة بالانقراض، فسكان هذه المدينة يشكلون علامة فارقة وهم يتحدثون هذه اللغة ذات الثلاث آلاف سنة من العمر، واللافت إصرار سكان تلك المدينة على تعليمها للجيل القادم وحمايتها من الانقراض.