دمشق / المسله
تتميز محافظة اللاذقية بشواطئها الجميلة وجبالها الخضراء المغطاة بالاحراش وتلالها المنحدرة الملامسة لمياه البحر وبأشجار الصنوبر والسنديان وتتناثر على ذرى جبالها العديد من الأماكن التاريخية والقلاع القديمة والأوابد الأثرية التي تضم بين ثناياها حكايات سيرة التطور الحضاري للمنطقه على مر العصور وتميزت المحافظة بتلالها التي كانت منسية وشبه مندثرة عبر الحقب المتلاحقة والتي استطاعت رغم الغزوات والزلازل والحضارات المتعاقبة ان تورث الى العصر الحديث التاريخ والعراقة عبر الامكنة الاثرية والتاريخية في قلب المدينة وعلى اطرافها .
وذكر الباحث جمال حيدر مدير اثار اللاذقية ان تلال اللاذقية كثيرة ولها اهميتها التاريخية فهي تطلعنا على تاريخ انقضى وزمن اندثر والقليل تم اكتشافه منها تل رأس البسيط وتل نهر قنديل والسمعلية والسريان والمحجر والمقرونية وشوكت والصليب ورويسة الحياة ورويسة الامير ونهر العرب والمصلى ورأس ابن هاني ورأس شمرا وستمرخو والبرج وجبل القلعة والبرسونة وعين الحلوة والفاروس كلها تلال تم توثيقها وتحديدها اثريا .
واشار الى ان تل رأس شمرا تم العثور عليه بالصدفة في عام 1928 واسفرت اعمال التنقيب فيه على احد المدافن في حقل يقع بالقرب من خليج مينة البيضا فكان هذا الاكتشاف بمثابة منطلق للاستقصاء عن موقع رأس شمرا احد اهم مواقع التاريخ السوري فقد تبين ان الخليج كان يحتضن مرفأ مزدهرا في العصر البرونزي الحديث في الالف الثاني قبل الميلاد وان التل الواقع على بعد 1 كم من الشاطئ نتج عن تراكم بقايا مساكن عبر الاف السنين لحاضرة ازدهرت فيها عاصمة مملكة اوغاريت التي ورد ذكرها في رسائل تل العمارنة وفي نصوص بوغازكوي في العصر البرونزي الحديث والتي اندثرت بعد سنة 1200 قبل لميلاد .
كما اسفرت اعمال التنقيب وحفريات المدينة العليا الواقعة على قمة التل مابين عام 1929 و 1938 عن اكتشاف عدد من الاحياء السكنية المنتشرة حول ما يسمى بمعبد بعل ومعبد دجن وما يعرف ببيت رئيس الكهنة الذي يقع بينهما اذ تم العثور سنة 1929 على عدد من الآجرات المرقومة برموز مسمارية وبلغة لم تكن انذاك معروفة كما عثر على بعض الادوات البرونزية وقد اسفر فك رموز تلك اللغة التي تعرف اليوم بالاوغاريتية عن مجموعة من المقطوعات الشعرية الميثولوجية التي كان من شأنها القاء اضواء جديدة حول المشاعر والمعتقدات الدينية والاهتمامات الفكرية التي كانت سائدة في احدى الحضارات السورية في الالف الثاني قبل الميلاد .
اما التنقيبات التي تناولت القطاع الشمالي الشرقي التي بدأت سنة 1939 فقد توقفت بسبب الحرب ثم استمرت من سنة 1948 الى 1955 واسفرت عن اكتشاف الحي الملكي بما فيه القصر ومدخله الحصين الذي يخترق سور المدينة بالاضافة الى عدد من الابنية الملحقة به وقد تم خلالها اكتشاف الكثير من مستودعات المحفوظات المدونة بالاوغاريتية والحورية والاكادية التي كانت لغة التعامل الدبلوماسي بين الدول في تلك الحقبة وكان قصر العصر البرونزي الحديث يجمع بين مركز الادارة ومقر الحكم .
كما جرى حفر العديد من الاحياء السكنية التي كانت تشغل الجزء الاكبر من التل بدءا من المدينة السفلى والحي الارستقراطي الواقع بقرب القصر الملكي والذي كانت تقوم فيه بيوتات اعيان المملكة وقطاعات ما يعرف بالمدينة الجنوبية وجنوب المدينة العليا ووسط المدينة ومن خلال تفحص تلك الحفريات امكن وضع برنامج عمل زمني لاجراء دراسات متكاملة حول تنظيم المدينة وعمارتها وبدأ العمل به منذ عام 1978 .
واسفرت الحفريات واعمال التنقيب الاثري عن العثور على تل ابن هاني وهو واحد من اهم المواقع الاثرية في القطر ومركز حضاري بارز في حقب تاريخية تكاد تكون متصلة وان النشاط البشري الهائل الذي عرفه على مدى العصور المتعددة تدل على اهميته الحضارية والاقتصادية والعسكرية .
وقد دلت اعمال التنقيب والدراسات الاثرية على ان التل الاثري في ابن هاني الى انه وجه جديد متمم للحضارة الاوغاريتية الكنعانية اذا كان الموقع تابعا لمملكة اوغاريت ويقع رأس ابن هاني في شمال مدينة اللاذقية ويطل عليه من جهة الشمال الغربي جبل الاقرع وهو اشبه بأنف يدخل في البحر قرابة كيلو متر ونصف اما عرضه فيبلغ في وسطه نصف كيلو متر ويصل الى قرابة الكيلو في قسمه الشرقي وترتفع اعلى نقطة منه عن سطح البحر تسعة امتار ويتميز التل بان القسم الشرقي من شاطئه رملي اما القسم الغربي فصخري وتوجد خلجان صغيرة متعددة على هذين الشاطئين وهناك خليجان واسعان ورئيسيان احدهما في شاطئه الشمالي الشرقي ويدعى خليج القبان والاخر في شاطئه الجنوبي ويدعى خليج مزار الخضر ولايزال الخليج الشمالي حتى يومنا هذا ملجأ آمنا للمراكب عندما يشتد هياج البحر .
وكان رأس ابن هاني جزيرة في الاصل لكنه اتصل باليابسة تدريجيا في عهود قريبة نسبيا لاتتعدى الالف الثانية قبل الميلاد ما يؤكد هذه الحقيقة وجود طبقات رملية قي قسمه الشرقي عند اتصاله باليابسة وهي نتيجة لتراكم المجروفات المائية التي ادت الى هذا الاتصال وتعتبر تسمية ابن هاني او ابن هيني حديثة العهد ويطلق عليه احيانا رأس الفنار ويرى العالم الفرنسي رينه دوسو في هذا الرأس موقع بلدة ديوسبوليس في العهد اليوناني والروماني والتي ذكرها المؤرخ الروماني بليني في كتابه التاريخ الطبيعي وقد يكون موقع بلدة هرقلة المذكورة في عصور دليل البحارة اليونانيين الا ان الحقيقة الثابتة اليوم ان رأس ابن هاني كان مكانا لبلدة اوغاريتية ذات شأن قامت عليه في منتصف الالف الثانية قبل الميلاد ويعتبر في فترة من تاريخه هاما جدا وهذه الاكتشافات اغنت بلادنا بمعلومات لاتزال صفحاتها غير المدونة بانتظار اكتشافها .