تواصل جمعية صيانة جزيرة جربة تهيئة متحف الهندسة المعمارية لمساجد الجزيرة بهدف التعريف بالرصيد الهائل من المساجد الذي يظل عدد هام منها شاهدا على عراقة وثراء التراث الحضاري في جربة.
وباشرت الجمعية انجاز نماذج مصغرة لعدد من المساجد لتأثيث المتحف الذي يحتوى ايضا على ورشات حية ومخطوطات ووثائق قديمة تؤرخ لهذه المعالم ووظائفها.
وقد اعطت هذه المساجد لجزيرة جربة اشعاعا سياحيا كبيرا. كما استاثرت باهتمام عديد الباحثين بالنظر الى خصوصياتها المعمارية الفريدة والى ادوارها التاريخية والاجتماعية فضلا عن قيمتها العددية اذ تنسب الرواية الشفوية للجزيرة 360 مسجدا على عدد ايام السنة.
وتتميز مساجد جزيرة جربة بطرافة التخطيط فهي تتالف من وحدات معمارية عديدة بعضها كان مخصصا للشعائر والبعض الاخر لاقامة طالبي العلم او للتدريس او حتى لتعاطي انشطة اجتماعية واقتصادية مختلفة.
كما تتنوع هذه المساجد فتوجد مساجد منقورة في الصخر وهى اقدم ما عرفته الجزيرة ومساجد ناتئة موزعة على الشواطىء بمثابة نقاط مراقبة واخرى بمثابة حصون قريبة من السواحل ومساجد احياء تتوسط الحومة وتكون مركز حياتها الاجتماعية.
ومن خصائص مساجد جزيرة جربة ايضا بساطة البناء وتواضعه فهي تكاد تكون خالية من اشكال الزخرف المعروفة بالمساجد التونسية وان وجدت فهي لا تتعدى كتابة بعض الايات القرانية والاحاديث او الادعية باعتماد هندسة تقتصر على مثلثات ودوائر وانصاف دوائر وعلى لونين اثنين هما الابيض للجدران والاخضر للابواب والنوافذ. وتحتوى مساجد جربة على نقائش تؤرخ للمعلم وتتضمن معطيات اجتماعية وسياسية هامة.
اما تاريخيا فتكمن اهمية هذه المساجد في تمثيلها لمختلف ردهات التاريخ الاسلامي للجزيرة سيما من حيث تعبيرها عن قيم ثقافية لمجتمع اباضي وجد فى جربة ملاذا له.
واضطلعت مساجد جربة بادوار متعددة تجاوزت وظائفها الاصلية كاماكن للعبادة لتشمل وظائف اخرى مثل تعليم القران والحديث وتدريس الفقه وتلقين علوم الكلام والاداب والرياضيات والفلك الى جانب الوظائف القضائية وابرام شتى العقود والفصل في القضايا الاجتماعية والاقتصادية.
كما لعبت ادوارا عسكرية تجلت من خلال شكل بعض المساجد القديمة التي تشبه الى حد ما الحصون الاثرية الحربية.
وتحظى هذه المساجد بعناية خاصة اليوم للمحافظة عليها حتى تظل مكونا اساسيا للتراث الثقافي بالجهة وللمشهد الطبيعي الزاخر بعناصر التنوع والانسجام. ذلك ان هذه المساجد استمدت جماليتها في جزيرة جربة من بساطتها وكسبت اشعاعها من اغراقها في المحلية.
ومثلت جمعية صيانة جزيرة جربة احد ابرز المدافعين عن هذه المساجد بما قامت به من مبادرات متعددة تستهدف حمايتها من الاندثار سواء بانجاز اشغال الصيانة والترميم المستوجبة او بالعمل التحسيسي والتدخل للحيلولة دون تشويه بعض المعالم بتوسيعات تؤثر على خصوصياتها المعمارية ولا تتناسب مع محيطها الطبيعي.