Al Masalla-News- Official Tourism Travel Portal News At Middle East

جانبى طويل

النهد وحَـبُّ الرُّمَّـــــان والجذور… بقلم د. محمد فتحى راشد الحريرى

النهد وحَـبُّ الرُّمَّـــــان والجذور
 

 

 



بقلم : د. محمد فتحى راشد الحريرى


تقول العرب: نَهَدَ الثدْيُ يَنْهُد بالضم نُهُوداً إِذا كَعَبَ وانتَبَرَ وأَشْرَفَ ونهدتِ المرأَةُ تَنْهُدُ وتَنْهَدُ وهي ناهِدٌ وناهِدةٌ ونَهَّدَتْ وهي مُنَهِّدٌ كلاهما نَهَدَ ثَدْيُهـا قال أَبو عبيد: إِذا نَهَدَ ثَدْيُ الجارية قيل هي ناهِد، والثُّدِيُّ الفَوالِكُ دون النَّواهِدِ .


 وفي حديث هوازِنَ (ولا ثَدْيُها بناهد) أَي مرتفع. يقال نَهَدَ الثديُ إذا ارتفـــع عن الصدر وصار له حَجْم واضحٌ يُرى.


ورتّب العرب مراحل المرأة زمنيّا ً كالتالي:


الطفلة: المرأة طفلة مادامت صغيرة.


الوليدة: ثم وليدة إذا تحركت.


الكاعب: ثم كاعب إذا كعب ثديها وبان حجمه.


الناهد: ثم ناهد إذا زاد، وهو أجمل المراحل لدى السيدة أو الفتاة.


المعصر: ثم معصر إذا أدركت أي بلغت.


العانس: ثم عانس إذا ارتفعت عن حد الإعصار.


الخود: ثم خود إذا توسطت الشباب.


فارتبطت مراحلها حسب شكل وحجم ثديها. ومنهم من أضـــاف مرحلـــــة ً بين الكواعب والنواهد هي الفوالك (جمع مفرده فالك).


وشاع عند العرب قديما وحديثا تشبيه ثدي الفتاة الكاعب بحقِّ العاج وبالرمّان، وشاع إطلاق لفظ الرمان، أو حب الرمان على رضاب الحبيبــة.


وفيما قرأت من أخبار الأدب والشعر العربي ، أنَّهُ عندما صدر ديوان نــزار قباني ”طفولة نهد”، وأعجب به الناقد المصري أنور المعداوي، كتب الأخيـر مقالا عنه لمجلة ”الرسالة” التي كانت تحمل لــــواء الأدب العربي آنذاك، وقد تحرَّج رئيس تحريرها، أحمد حسن الزيات من عنوان الديوان، ولم يُرِدْ أن يغضب النَّـاقـد الذي كان يساعده في التحرير، فأوعز إلى عامل المطبعة أن يقوم بتحريف العنـــــوان بتغيير حرف واحد ليصبح ”طفولة نهــر”· ولو كان نزار قد جعله ”طفولة ثدي” كما كان يفعل الشعراء القدامى لما احتمل هذا التغيير، فحسّ الصراحة والمباشرة الذي كان غالبًا على الشعراء في التعامل مع الجسد ومسمياته كان شائعًا دلالــــة عافية ومروءة إنسانية· كانت هناك بعض التشبيهات النمطية المتداولة التي ظلت مستخدمة على مر العصور، ومن ذلك تشبيه الثدي بالرمّـــــــان وحقّ العاج، لكنَّ الشعراء يتفننون في ابتكار الصور وإضفاء الحركية والألوان الطريفة عليهـا، من ذلك ما يقوله عليُّ ابنُ الجهم:


 كنت اشـتاق فمــــا يحجزنـي***عنك إلا حاجـــــــز يعجبني

 

 ناهدٌ في الصدر غضبان على***قَبَبِ البطـن وطـيّ العُـكَــنِ

 

 شاخصًا ينظر إعجابًـــــا إلى***غَـيَـد الجيد وحُسـن الَّذقـــنِ

 

 يملأ الكفَّ ولا يفضلهـــــــــا***فـــإذا ثـنَّـيْـتَــهُ لا يـنـثـنـــي

 

 ومن الواضح أن الشاعر يملك حدقةً تصويريّة بارعة، فهو معجب بالحاجز الذي يمنعه من عناق محبوبته، مع أنه حاجز غاضب نفور، يرتفع فوق طيّـــات البطن ناظرًا بإعجاب إلى الأعلى؛ إلى الجيد الممشوق والذقن الحسن·


ويقول آخــر في الباب نفسه:

 صادتك من غيد القصور***بيض نواعم في الحريــرْ

 

 حــور تحور إلى رضاك*** بأعين منهن حــــــــــورْ

 

 وكأنمـــــا برضـــائهِـنَّ ***جنى الخمور على الثغور

 

 يصْبغْنَ تفّــــاح الخـدود***بمــــاء رُمَّــــان الصدورْ

 

 وماء الرُّمَّان يذكِّـرنا بالصور الشعبية عن ”فرط الرمان”· ولا أحسب أن لغـــة ًحية معاصرة يمكن أن تقرأ فيها نصوصًا يربو عمرها على ألف عام ومازالت تحتفظ بحيويتها وجِدَّتـهــا، دون استعانة بالقواميس التاريخية سوى العربيــة· وتشبيه النهد بحُقُ العاج يُقال أنَّ أول مَنْ بدأ به هو الشاعر الجاهلي عمرو بن كلثوم في قوله:


 تُريـكَ إذا دخلْـتَ على خــلاءٍ *** وقد أمِنَتْ عيونَ الكاشِحينـا

 

 ذراعي عَيْطلٍ أدمــــــــاءَ بكرٍ***هَجانِ اللون لم تقرأ جنينـــا

 

 وثديًا مثل حُق العـاج رخصـًا ***حصانًا من أكفِّ اللامسينـــا

 

 ولا ننسَ ابن الرومي في قوله:

 

 صدورٌ زانهنَّ حقوقُ عاجٍ ***وحِليٍ زانَـــه حُسنُ اتّســــاقِ

 

 يقـول الناظـرون إذا رأوه *** أهذا الحَلْىُ من هذي الحِقاقِ؟

 

 نـــواهد لا يُـعـَدُّلَهُـنَّ عَـيْـبٌ***سوى منع المحبِّ من العناقِ


أما التشبيه بالرمان فأظنُّ أنَّ النابغة الذبياني، الشاعر الجاهلي هو صــاحب أول نص وصل الينا يشبه النهد بالرمَّان، وهو زياد بن معاوية الذبياني من أصحــاب المعلقات (؟؟؟ -18 ق.هـ/؟؟؟ -605 م).


يقول النابغة واصفاً جمال الصدر بتصوير الثدي وهو يرفع الثوب في علوّ يشير إلى حسن قوامه وارتفاعه (من الكامل):‏


 وَالبَطنُ ذو عُكَنٍ لَطيفٌ طَيُّـُــهُ*** وَالإِتبُ تَنفُجُــــــهُ بِثَديٍ مُقعَـدِ‏


 وفي موضع آخر يشبّه الثدي بالرمان إشارة لحسن تكوِّره، وهو موضع شاهدنا في الموضوع (من الطويل):‏

 

 يُخَطِّطنَ بِالعيدانِ في كُلِّ مَقعَـدٍ *** وَيَخبَأنَ رُمّــانَ الثُّدِيِّ النَواهِــــدِ‏


وشاع أيضا تشبيه رضاب مَنْ يعشقونها بالخمرة وماء الورد والزنجبيل وعصير الرمان، وما كانوا يعرفونه، إنما أشاروا إلى حَبِّ الرمان.


وابن المعتز هو أيضا ممن يُستشهد بشعره في هذا المقام، وهو عبد الله بن محمد المعتز بالله ابن المتوكل ابن المعتصم ابن الرشيد العباسي، أبو العباس. الشاعر المبدع، خليفة يوم وليلة، (247 – 296 هـ).


يقول ابن المعتز:

لا ورمانِ النهـودِ ،*** فوقَ أغصانِ القدودِ.

وعَنــاقِيدَ منَ الصُّد*** غِ ، ووردٍ من خدودِ.

 ووجــوهٍ مِنْ بُدُورٍ*** طالِعاتٍ مِن سُــعـودِ.

ورسولٍ جاءَ بالمِيعا*** دِ من بعـدِ الوعيــدِ.

ونَعِيمٍ في وِصـــــالٍ***حلّ من طولِ الصدودِ.


ويجب أن نلاحظ التعفف ومظهره البارز في أشعارهم، لأن وصف النهد من الغزل الحسي المكشوف الذي يتجاوز الخطَّ الأحمر، فأحاطوه بسياجٍ من العفَّة، وحرموا أكفَّ اللامسين أن تناله ولو مسَّـا ً.


وفي المقام نفسه أبرزوا التعفف حين وصفوا رضاب السيدة أو طعم مسواكهـــا، الذي يباشر ثغرهـــــا، فأكَّدوا أن وصفهم من غير تجربة حسّية. ولنأخذ مثالا من شعر الأعمى العباسي بشار بن برد:


يــــا مُنيـة القلب إنّي لا أسميك ِ***أكْني بأخرى أسمِّيها وأعنيـكِ

يا أطيب الناس ريقاً غير مختبرٍ***إلاّ شهادة أطراف المسـاويك

ولنا قصيدة يمكن ادراجها شاهداً هنا، فيهاُ(1):

يا ثغرها كرزٌ عذبٌ مراشِفُهُ *** من غير تجربــةٍ أضنانيَ السَّهَر ُ


ولنا أيضا(2):


إني أصوغ من الأصداء أغنيـــة ً *** إني أعوم بشبرٍ كان ملآنـــــــــا

والصوتُ أحسنه ما كان من شنَبٍ*** عذْب المراشف منثورا ورمانــا

يا شهدها شفة لعساء من كـــرزٍ *** أو جلّنار يحاكي الخمر والحانــا

ألملمُ الحرف علَّ الأذن تبصرهـــا*** أصوغ من شهقها كأساً وفنجانا


وتقول العرب: نَهَدَ الثَّدْيُ إِذا ارتَفعَ عن الصَّدْرِ وصارَ له حَجْمٌ. نَهَدَ الرَّجلُ يَنْهَد (بالفَتح) نُهُوداً نَهَضَ والفرق بَيْنَ النَّهُودِ والنُّهُوضِ أَن النُّهوضَ قِيَامٌ غيرُ قُعُودٍ والنُّهودُ نُهوضٌ على كُلِّ حــالٍ. وما سُمِّي نهد المرأة إلا لنهوضــه، وإشرافــه وانتباره وبروز حجمه(3).

 

ومما يؤكد تأصّل التشبيه بحبِّ الرمان، أنَّ أحد الصحابة الكرام طلَّق زوجته بأمر أبيه لأنها شغلته عن صلاة الفجر في جماعة، وبعد طلاقها تبعتها نفسُه فقال:


 كنت كأنما أترشَّفُ برضابِها حَبَّ الرمان.


وكنت مدعوّاً في إحدى العواصم العربية على طعام الغداء، فانتبهت لاسم المطعم وإذا به (مطعم حبّ الرمّان)، فقلت لمضيفي:

ما أرى صاحب هذا المطعم إلا أديبا ً أو مهتمّا ً بالتاريخ والأدب، قال: لِـنَـرَ.

ولما طلبنا من النادل أن نراه، إذا به يؤكد وجهة نظري..


============= حاشية:

(1)-ديواننا قمح حوران ص77 /دار أضواء البيان بدرعا- ط1 سنة 2011

(2)- السابق ص52

(3)-تاج العروس، واللسان والصحاح مادة (ن هـ د). وقال ابن فارس في مقاييس اللغة: النون والهاء والدال أصلٌ صحيح يدلُّ على إشراف شيءٍ وارتفاعِه.

وفرَسٌ نَهْدٌ: مُشرِفٌ جَسِيم.

ونَهَدَ ثَديُ المرأة: أشرَفَ وكَعَب؛ وهي ناهد.

ويقولون للزُّبدة الضّخمةِ نَهِيدة.ومن الباب المناهَدةُ في الحروب، كالمناهَضَة، لأنّ كلاًّ ينْهَد إلى كلّ، قالوا: غير أنَّ النهوضَ يكون عَنْ قعود، والنهود كيف كان.

ورجلٌ نَهْدٌ: كريمٌ يَنْهَد إلى معالي الأمور.

والنّهْداء رملة كريمة تُنبت كِرامَ البَقْل…..

 

 

 

 

 

نبذة عن الكاتب

مقالات ذات صله