Al Masalla-News- Official Tourism Travel Portal News At Middle East

مادة (دعر) وأخواتها… بقلم د. محمد فتحى راشد الحريرى

 

 

 

 

 

بقلم : د. محمد فتحى راشد الحريرى
 

الدعارة: وهي من الجذر الثلاثي (د ع ر) يشير الى الفساد عموما، ويطلق على قطع الطريق والسرقة والخبث والبذاءة والخراب والخيانة وما شابه ذلك وشاكله، (1) ودليلنا الجذوري عبارة الزبيدي في التاج إذ يقول:

ومما يستدرك عليه (أي على صاحب القاموس): رجل دعر كصرد ودعرة: خائن يعيب أصحابه. قال الجعدي:

فلا ألفين دعرا داربا *** قديم العداوة والنيرب

ويخبركم أنه ناصح *** وفي نصحه ذنب العقرب

 وقيل: الدعر: الذي لا خير فيه. والداعر: المؤذي الفاجر قاله ابن شميل ومثله في التوشيح ويجمع على دعار. وفي حديث عدي "فأين دعار طيئ" أراد بهم قطاع الطريق (وهم ذوو فساد عريض).

وقال أبو المنهال: سألت أبا زيد عن شيء فقال: مالك ولهذا؟ هو كلام المداعير. ورجل دعرة كهمزة: به عيب. ومن سجعات الأساس:

 فلان داعر وفي كل فتنة ناعر.

لاحظ كيف أن المعاني كلها ترد إلى الفساد.

وجاء في لسان العرب: دعر العود بالكسر دعرا فهو دعر دخن فلم يتقد، وهو الرديء الدخان، ومنه اتخذت الدعارة وهي الفسق. وعود دعر أي كثير الدخان. وفي التهذيب: عود دعر. وقيل الدعر ما احترق من حطب أو غيره فطفئ قبل أن يشتد احتراقه والواحدة دعرة وقال شمر:

 العود النخر الذي إذا وضع على النار لم يستوقد (لاحظ الفساد واضح ومقصود فيه)، ودخن فهو دعر، وأنشد لابن مقبل:

 باتت حواطب ليلى يلتمسن لها *** جزل الجذى غير خوار ولا دعر

 وقيل: الدعر من الحطب البالي، قال الأزهري: وسمعت العرب تقول لكل حطب يعثن إذا استوقد دعر، ودعر العود دعرا فهو دعر نخر (بلي وخرب وفسد)، وحكى الغنوي: عود دعر مثال صرد، وأنشد:

 يحملن فحما جيدا غير دعر *** أسود صلالا كأعيان البقر

قال ابن منظور في الجذر (د ع ر // باختصار):

ورجل دعر ودعرة: خائن يعيب أصحابه، وقيل: الدعر الذي لا خير فيه. قال ابن شميل: دعر الرجل دعرا إذا كان يسرق ويزني ويؤذي الناس، وهو الداعر.

والدعار: المفسد.

والدعر الفساد.

وفي حديث عمر، رضي الله عنه: اللهم ارزقني الغلظة والشدة على أعدائك وأهل الدعارة والنفاق، الدعارة: الفساد والشر.

ورجل داعر: خبيث مفسد.

وفي الحديث: كان في بني إسرائيل رجل داعر، ويجمع على دعار.

وفي حديث علي (الذي أوردناه قبل قليل): فأين دعار طيء، وأراد بهم قطاع الطريق. والدعرة القادح والعيب.

والداعر، بالدال المهملة، هو الخبيث. والدعارة: الفسق والفجور والخبث، والمرأة داعرة. ومن هنا جاء اطلاق اللقب على من تمارس الخنا والزنا.

 


العهر: أما العهر في الأصل فتشير لفظته إلى الريبة والفسوق والفجور (في الليل خاصة) (2) ثم صار يطلق على الزنا ليلا ونهارا، جاء في جذور العربية:

عهر عهرا من باب تعب فجر فهو عاهر وعهر عهورا من باب قعد لغة) عهرا وعهورا وعهارة وعهورة وعاهرها عهارا أتاها ليلا للفجور ثم غلب على الزنا مطلقا وقيل هو الفجور أي وقت كان في الأمة والحرة (عبارة المصباح).

وفي التهذيب قال أبو زيد يقال للمرأة الفاجرة عاهرة ومعاهرة ومسافحة وقال أحمد بن يحيى والمبرد: هي العيهرة للفاجرة. قالا: والياء فيها زائدة والأصل عهرة مثل ثمرة.

وفي الأساس: حكى النضر عن رؤبة: نحن نقول العاهر للزاني وغير الزاني. وهي عاهر بغير هاء إلا أن يكون على الفعل ومعاهرة بالهاء. قال أبو زيد: يقال للمرأة الفاجرة: عاهرة ومعاهرة ومسافحة. وفي الأساس أيضا: وكل مريب عاهر. وجاء في الحديث الشريف المروي في صحيح الإمام البخاري وغيره من كتب الحديث: (الولد للفراش وللعاهر الحجر).

 قال أبو عبيد: معناه أي لاحق له في النسب ولا حظ له في الولد وإنما هو لصاحب الفراش أي لصاحب أم الولد وهو زوجها أو مولاها وهو كقوله الآخر: له التراب أي لا شيء له. قلنا:

والحديث دل بعبارته على حكمين:

الأول، أن المرأة إن كانت ذات فراش شرعي وزنت، والعياذ بالله، فالولد ينسب لصاحب العصمة والعقد (الفراش الشرعي // زوج المرأة)، فوجود الزنا لا يمنع من نسبة الولد لأبيه، والثاني، دل على أن العاهر أي: الزاني له الحجر أي: يرجم.

 ودل الحديث بإشارته على أنه لا يقع الزنا بالمتزوجة، إلا من رجل قد تزوج، فالذي يرجم بالحجر هو المحصن (المتزوج)، والذي يزني بامرأة متزوجة هو رجل قد عرف أسرار النساء، أما غير المتزوج فالغالب أنه يطمع بالبكر.

وجاء في الصحاح في اللغة، قال أبو عمرو: العهر: الزنى. وكذلك العهر، يقال: عهر فهو عاهر (مثل: نهر ونهر). والاسم العهر بالكسر. والمرأة عاهرة، ومعاهرة، وعيهرة. وتعيهر الرجل، إذا كان فاجرا. وقال الفيروزابادي:

والعيهرة: المرأة النزقة الخفيفة من غير عفة، وقد عيهرت وتعيهرت.

أما الألفاظ الأخرى، فلنتابع:

البغاء: وجاء في قوله تعالى: ((ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا)). سورة النور / 33. ويراد به الزنا المأجور، وهو ما يسمى في أيامنا الرقيق الأبيض. أما أصله الجذوري:

(ب غ ي): قلنا: البغي يشير الى غير المعتاد وخلاف المألوف، قال في الصحاح:

 


البغي: التعدي. وبغى الرجل على الرجل: استطال. وبغت السماء: اشتد مطرها. وبغى الجرح: ورم وترامى إلى فساد. وبغى الوالي: ظلم. وبرئ جرحه على بغي، وهو أن يبرأ وفيه شيء من نغل. والبغية: الحاجة. والبغية: الحال التي تبغيها. وبغى ضالته، وكذلك كل طلبة بغاء بالضم والمد، وبغاية أيضا. يقال: فرقوا لهذه الإبل بغيانا يضبون لها، أي يتفرقون في طلبها. وبغت المرأة بغاء، أي زنت، فهي بغي، والجمع بغايا. وخرجت المرأة تباغي، أي تزاني. والأمة يقال لها بغي، وجمعها البغايا، ولا يراد به الشتم، وإن سمين بذلك في الأصل لفجورهن. يقال: قامت على رءوسهم البغايا. والبغايا أيضا. الطلائع التي تكون قبل ورود الجيش. قال الأصمعي: رفعنا بغي السماء خلفنا، أي معظم مطرها. والبغي: اختيال ومرح في الفرس، أي خروج عن المألوف مما اعتادته.

وهو إشارة إلى أن لغتنا لغة أخلاق، تساير الفطرة، فهي في جذورها وقبل الإسلام تدين الزنا وتعتبره خروجا على الفطرة الطبيعية، وخلافا للمألوف والذوق السليم.

 


الزنا: قال صاحب اللسان: الزنا يمد ويقصر، زنى الرجل يزني زنى (مقصور). وزناء ممدود وكذلك المرأة وزانى مزاناة وزنى كزنى ومنه قول الأعشى إما نكاحا وإما أزن يريد أزني. وحكى ذلك بعض المفسرين للشعر، وزانى مزاناة وزناء بالمد، مروي عن اللحياني، وكذلك المرأة أيضا وأنشد:

 أما الزناء فإني لست قاربه *** والمال بيني وبين الخمر نصفان

 والمرأة تزاني مزاناة وزناء أي تباغي. قال اللحياني: الزنى مقصور لغة أهل الحجاز قال الله تعالى: ((ولا تقربوا الزنى)) من سورة الإسراء / 32، بالقصر والنسبة إلى المقصور زنوي والزناء ممدود لغة بني تميم وفي الصحاح المد لأهل نجد … أما أصل الزناء فهو الضيق، ومنه الحديث: لا يصلين أحدكم وهو زناء أي مدافع للبول، وعليه قول الأخطل:

وإذا بصرت إلى زناء قعرها *** غبراء مظلمة من الأحفار

وزنا الموضع يزنو: ضاق، لغة في يزنأ.

وفي الحديث: كان النبي، صلى الله عليه وسلم، لا يحب من الدنيا إلا أزنأها أي أضيقها.

ووعاء زني: ضيق، كذا رواه ابن الأعرابي بغير همز.

والزنء: الزنو في الجبل (قلت: أي صعوده).

وزنى عليه: ضيق، قال:

 لاهم، إن الحرث بن جبله. زنى على أبيه ثم قتله

قال: وهذا يدل على أن همزة الزناء ياء. ويدل أن الزنا مبغوض مكروه عند العرب فهو ميل إلى حالة الضيق والفساد بدل السعة والراحة الكائنة في الزواج. فالزنا صعود في جبل مرهق للجسد والنفس، يضيق عليها عيشتها!

 


السفاح: في الأصل (س ف ح) وهو الإهراق والصب، من يهريق ماءه بلا طائل ولا فائدة، يسفحه سفحا، والزاني يفعل ذلك:

والتسافح والسفاح والمسافحة: الزنا والفجور؛ وفي التنزيل: ((محصنين غير مسافحين)) سورة النساء / 24. وأصل ذلك من الصب، تقول: سافحته مسافحة وسفاحا، وهو أن تقيم امرأة مع رجل على فجور من غير تزويج صحيح. ويقال لابن البغي: ابن المسافحة، وفي الحديث: أوله سفاح وآخره نكاح، وهي المرأة تسافح رجلا مدة، فيكون بينهما اجتماع على فجور ثم يتزوجها بعد ذلك، وكره بعض الصحابة ذلك، وأجازه أكثرهم، أي الزواج بها.

والمسافحة (اسم فاعل): الفاجرة، وقال أبو إسحق: المسافحة التي لا تمتنع عن الزنا، قال: وسمي الزنا سفاحا لأنه كان عن غير عقد، كأنه بمنزلة الماء المسفوح الذي لا يحبسه شيء، فهو مصبوب سدى وعبثا كما أسلفنا آنفا، وقال غيره: سمي الزنا سفاحا لأنه ليس ثم حرمة نكاح ولا عقد تزويج (فهو عبث في عبث).

وكل واحد منهما سفح منيته أي دفقها بلا حرمة أباحت دفقها، ويقال: هو مأخوذ من سفحت الماء أي صببته، وكان أهل الجاهلية إذا خطب الرجل المرأة، قال: أنكحيني، فإن أراد الزنا، قال: سافحيني (ولم يكن هذا ظاهرة شائعة كما يصورها بعض سفهاء القوم وإنما هو أمر عرفه بعضهم).

ولعلك تنبهت بحصافتك أيها القارئ الكريم إلى القاسم المشترك لهذه الألفاظ التي عدها العرب في أمهات جذورهم اللغوية خبيثة رذيلة مغايرة للفطرة السليمة والطبيعة السائدة، بل اعتبروها مضارعة للخراب والفساد والسفه والنخر.

وبعد: فماذا أنت قائل عن هذه اللغة وعن هؤلاء الناس ؟!


 

 

 

________________________ حاشية:

(1) – قال ابن فارس هنا: الدال والعين والراء أصل واحد يدل على كراهة وأذى، وأصله الدخان، يقال عود دعر، إذا كان كثير الدخان.

ومن ذلك اشتقاق الدعارة في الخلق. والدعر الفساد.

والزند الأدعر: الذي قدح به مرارا فاحترق طرفه فصار لا يوري، أي فاسدا.

(2) – ودليلنا ما جاء في مقاييس اللغة عند ابن فارس، قال رحمه الله:

العين والهاء والراء كلمة واحدة لا تدل على خير، وهي الفجور. قال الخليل وغيره: العهر: الفجور.

والعاهر: الفاجر. يقال عهر وعهر عهراوعهورا، إذا كان إتيانه إياها [ليلا].

وفي الحديث: "الولد للفراش وللعاهر الحجر"، لاحظ له في النسب. قال:

 لا تلجئن سرا إلى خائن يوما ولا تدن إلى العاهر

قال يعقوب: العهور يكون بالأمة والحرة، المساعاة لا تكون إلا بالإماء. ومما جاء في هذا الباب نادرا شيء حكي عن المنتجع، قال: كل من طلب الشر ليلا من سرق أو زنى فهو عاهر.

ويقولون -وهو من المشكوك فيه- إن العاهر: المسترخي الكسلان.

فعبارة ابن فارس أفادت أن العهر لا يكون إلا ليلا، وهو يطلق على الفجور بالأمة والحرة على حد سواء، وأنه قد يطلق على المسترخي الكسلان، قلت:

والمسترخي الكسلان هنا، يراد به من اعتراه ذلك بعد الزنا، مراعاة للمقام الجذوري للفظة، والله أعلم.

نبذة عن الكاتب

مقالات ذات صله