Al Masalla-News- Official Tourism Travel Portal News At Middle East

جانبى طويل

دمرها العدوان السعودي بسلسلة من الغارات وحولها إلى ركام  وأطلال.. ماجد التميمي

 

 

كوكبان .. أوجاع المدينة المسالمة

 

استطلاع : ماجد التميمي

 

في زيارتي الأولى لها لاحظت ازدحاما فريدا وتنوعا بشريا باذخا وحياة ملؤها الحيوية والنشاط والابتسامة النقية ، كان ذلك منذ سنوات خلت عندما زرناها ضمن البرنامج السياحي الشهير “اعرف وطنك”  ، ساعتها أحسست بشعور جميل حيال هذه المدينة ، فقد بدء الأمر كما لو كان اكتشافا جديدا ، خليطا متنوعا من البشر ، يمنيين وأجانب ،  لقد استطاعت كوكبان أن تصهرهم جميعا في حناياها وتستضيفهم بأجمل ما يكون .

 

تعد كوكبان البوابة الرئيسية التي تدلف منها إلى عالم السياحة اليمنية الزاخر ، ولهذا فقد كانت فيما مضى مكتظة بالزوار ، ثمة حصن مهيب بناه السبئيون وجرى تشيده على نحو معماري مذهل ، تطور الأمر كثيرا مع تقادم السنوات ليتحول ذلك الحصن إلى شكلا من أشكال الدولة من خلال اتخاذه عاصمة للدولة اليعفريه لأكثر من قرن ونصف ، ولم يكن ذلك غريبا ، فموقع المدينة وتحصيناتها يجعلانها عصية على كل غازٍ.كوكبان استثنائية بالفعل ، فتضاريسها صعبة المرتقى إلا من مدخل واحد فقط ، وعند سفحها تترآى أمامك مساحات زراعية منبسطة وواسعة بامتداد النظر ، هذا التشكل الجغرافي والطبيعي البديع قد أضفى على المكان قيمة جمالية وسياحية تضاف إلى قيمتها التاريخية التي تعد نقطة التكوين الأصلي وأساسها المتجذر والمتين .

 

قبل أيام قلائل زرنا المدينة ، وكانت تعيش على وقع كارثة مروعة بعد أن استهدفها طيران العدوان بأكثر من عشر غارات ، توزعت على أماكن متفرقة ، وكان من الملاحظ أنهم قد تعمدوا استهدافها كجزء من عملية طمس التاريخ ، بما يلغي صلة الأجيال بماضيهم ،وسعيا في تكريس حاضر هش في الذهنية الغضة للجيل النشء . هذه الأجيال التي لطالما اعتبرت هذا الإرث التاريخي عنوان وجودها ومصدر قوتها وأنفتها .

 

ظهرت المدينة خاوية من سكانها مثل بئر مهجور ، حالها كحال مدينة تنام على وقع انفجار نووي بعد أن صارت أطلالا وخرائب ، ولم يدر في مخيلتي –في ذلك الوقت البعيد – اننى سأرى هذا المكان خاليا وموحشا ، فكيف بها الآن وقد صارت خاوية حتى من أهلها ، لقد كان منظرا مروعا ومحزنا في الوقت ذاته ، وقد رأيناها – في الماضي – وهي  تحتشد بزائريها ذوي الألوان المتعددة وتفرد لهم ذراعيها بكل ود وسلام ، والناس هناك – كبارا وصغارا – لا يتوقفون عن توزيع ابتساماتهم البريئة لك زائر غريب ، تذكرت ذلك بالفعل فازددت عذابا ،وشعرت بفداحة ماجرى لهذه المدينة الوديعة والمسالمة .

 

أنقاض البوابة التاريخية

 

كوكبان حصينة بالفعل وعصية ، وقد ساهمت جغرافيتها ذاتها على تشكيل ملامحها الحصينة إذ تقع فوق جيل كبير ومتسع ، كل جوانبه عبارة عن شواهق يستحيل بلوغها إلا من جانب واحد ، وهو المدخل الجنوبي الغربي ، الذي يمتد بمحاذاة وادي الاهجر ، وحتى ذلك المدخل الذي يشبه حدوة الحصان يبدو صعبا إذا ما اقفل الطريق الإسفلتي ،وقد أحسن السبئيون استغلال ذلك فعمدوا إلى بناء سور كبير يحوط بالمدينة واحكموا إغلاقها إلا من باب واحد وهو عبر البوابة الرئيسة الوحيدة التي يمكن من خلالها دخول المدينة حتى وقتنا الحالي .

 

وصف ” قطب الدين النهرواني ” “تلك البوابة وذلك السور بأنه من الطين الشديد كالحديد ، فالمدينة محصنة بجدار شاهق البناء طوله 72م وعرضه 3 أمتار ما يظهر براعة غير متوقعه في البناء والتشييد ” تلك البوابة الكبيرة – يطلقون عليها القشله – تستند على أعمده حجرية شاهقة وعقود مقوسة وبناء ضخم مقتبس من الشكل القديم للقلاع التاريخية الكبيرة ، وتشير المصادر التاريخية إلى أن بناءها كان في مطلع القرن التاسع الميلادي ،وقد حافظت على بقائها زمنا طويلا ،لكن القوات العثمانية عمدت إلى هدم أجزاء من البوابة والسور عندما اجتاحت المدينة أثناء الغزو العثماني الأول لليمن .

 

ضربات العدوان السعودي كانت مركزه ، إذ استهدفت البوابة والسور بعدة غارات أسفر عنها تدمير كبير للبوابة وسورها المتاخم ،ولا نعلم الدافع لذلك ، علما أن المدينة كانت ومازالت تحتفظ بطابعها التاريخي والسياحي وطبيعة أهلها المسالمة ، ولم يكن لها أي دور عسكري ، فقد اعتاد الناس هناك على العيش بأمان مستفيدين من خيرات ما توفره لهم مدينتهم التي تعد واحدة من أهم المدن السياحية في البلد .

 

الطريقة التي تم بها استهداف هذا المكون التاريخي والأثري توحي بمدى الإسفاف لدى أولئك الصبية الموبؤون والمتجردون من كل نوازع الضمير ، على أنهم في استهدافهم هذا يشيحون بإبصارهم عن كل ماهو اثري ويشكل أبجدية للأمم العريقة ، وذلك – في تقديري –  بدافع من الحقد أو من إحساسهم بالنقص كدولة ناشئة بلا أساس أو بعد تاريخي مشرف .

 

كتب المستشار عبدالوهاب شمهان معلقا” يستحيل على من يعرف أهالي كوكبان المعروفين بسلوكهم الإنساني المفعم بالمحبة والبساطة والابتسام ان يصدق أنهم قد هجروا مدينتهم وتشردوا بفعل ذلك الاستهداف الشنيع ” ويضيف ” حولت تلك الضربات المدينة إلى مدينة أشباح بعد أن استهدفت منشاءتها الحيوية وبيوتها وتسببت في خراب كبير ، ناهيك خلق معاناة إنسانية هي الأكثر بشاعة ، ضمن مزاعم عسكرية سخيفة “

 

لا ريب عندي أن أنقاض هذه البوابة سيظل شاهدا حيا على قبح أولئك المخلوقات مهما حاولوا التشبث بتلابيب الحاضر ، لان ذلك أدنى من أن يبلغوا وقد تحولوا إلى مجرد دمى تحركها مطامع الأمريكان واليهود .

 

موظفي السياحة في مواجهة العدوان

 

 نفذت وزارة السياحة ومجلس الترويج السياحي وقفه احتجاجيه أمام البوابة الرئيسية لكوكبان ، وقد عكس ذلك الحضور الكبير  لموظفي قطاع السياحة رغبة أكيده في مناهضة هذا العدوان وان كان بطرق سلمية ، وخلال تلك الوقفة التي رعاها مجلس الترويج السياحي بحضور القائم بأعمال المجلس الأستاذ محمد ابو طالب وحضور من قبل السلطة المحلية بالمديرية ،حمل الجميع دول العدوان بقيادة السعودية مسئولية استهداف المدينة التاريخية وبوابة الحصن الأثري .

 

وفي هذا الصدد اعتبر الأستاذ محمد أبو طالب القائم بإعمال نائب رئيس مجلس الترويج السياحي أن استهداف حصن كوكبان هو استهداف للتاريخ وللذاكرة اليمنية ، مضيفا ” لعبت  مدينة كوكبان دورا تاريخيا كبيرا باعتبارها عاصمة للكثير من الدول التي حكمت اليمن قديما ، وخاصة في الفترة التاريخية الممتدة إلى ما قبل القرن السابع قبل الميلاد ” وتابع قائلا ” صعقت من هول المنظر ، البيوت هجرها سكانها بعد أن أصابها التصدع والتشقق والدمار ، نوافذ البيوت محطمه ، والرياح الباردة  تخترقها من كل ناحية ، كان المنظر موحشا للغاية ويعبر عن حالة من اللااخلاق لهذا العدوان الهمجي  ” واستطرد قائلا ” عندما رأيت بقية الناس يغادرون المدينة ووجوههم واجمة ومكفهرة انتابني الحزن ، وتذكرت ساعتها أن المدينة لم تتعرض للضرب إلا لان هولاء الناس يعتبرون التاريخ كفرا ولا يكترثون له “

 

الأستاذ احمد البيل نائب المدير التنفيذي للمجلس اعتبر أن الوقفة قد نفذت تنفيذا جيدا والحضور كان طيبا وخصوصا من أبناء المديرية ، وقال ” ما رأيناه في الوقفة يعبر عن تعاطف جم وتلاحم أبناء اليمن فيما بينهم ، وأظن انم الحق بالمعلم التاريخي في كوكبان لا ينم إلا عن حقد دفين من قبل دول العدوان تجاه أبناء هذا البلد أرضا وشعبا وتاريخا “

 

الموظفين أنفسهم كانوا أكثر ذهولا ، فقد اعتادوا على رؤية المدينة تنضح بالتاريخ  ، مدينة تحوي في جنباتها تراثا قديما وإبداع متميز في المعمار والتكتيك العسكري القديم ، ناهيك عن فلسفة عميقة في التعايش مع الأخر ، كان منظر البوابة موحشا بعد ان حولته الصواريخ إلى أطلال ، وعندما قاموا بجولة داخل المدينة استوقفهم حجم الدمار الذي طال المباني ، والفراغ البشري ، إذ علق الصديق أكرم الجولحي مدير إدارة الإعلام على ذلك قائلا ” زرت المدينة عدة مرات قبل ذلك ، ولم أكن أتوقع رؤية كل هذا الخواء والدمار والصمت المفزع ، لقد اعتدت أن أرى كوكبان مكتظة بالحياة والتفاؤل والابتسامة ،  حقا لقد بالغ العدوان في سقوطه الأخلاقي باستهدافه هذا الإرث التاريخي الزاخر ، وهذه المدينة الفريدة “

 

كانت رسالة هولاء جميعا واضحة وصريحة وهي وقوفهم ضد هذا العدوان ومناشدتهم للجهات الدولية المعنية سرعة التدخل لإنقاذ مدن التراث الإنساني .

 

العجوز عتيقة ..

بعد أن فرغنا من وقفتنا الاحتجاجية طفقنا نفتش عما تبقى من حياة بداخل كوكبان وقد عمها السكون والصمت والفزع ، كانت هناك عجوز تعانق الثمانين من عمرها ، تقعد جوار منزلها المتصدع بفعل تلك الصواريخ ، وقد شدنا وجودها كثيرا كما لو كان بارقة ضوء يومض وسط الظلام ،اقتربنا منها ورحنا نسألها عن سبب بقائها وحيده وقد هجر الجميع المدينة فكان جوابها صادما كبقائها وحيده ، قالت ” لن أغادر بيتي إلا إلى قبري ولن تخيفني صواريخهم ، أنهم جبناء ، وليس فيهم إنسانية ، وأنا لن أخاف منهم مادام هناك رب أقوى منهم ومن صواريخهم “

 

كانت تتحدث بلكنة شبامية وبثقة لا تزعزعها الجبال ، ولو علم قادة النفط المترهلون لانفرطت أجسادهم غيظا جراء مشهد التحدي النادر هذا .

 

 

وخلال ذلك جلت بنظري إلى البيت الذي تقطن فيه ، كان متشققا وزجاج النوافذ كلها محطمه ، ورأيت كيف أن الرياح في ذلك المكان نشطه وبادره تهاجم بشراسة كل الأماكن فستحيل الحياة فيها إلى كتلة من الصقيع الذي لا يطاق ، كنت متعجبا لصلابتها ومشفقا عليها وتذكرت أبيات لشاعر البنغال العظيم طاغور يقول

 

إن بيتي صغير

وما فقد منه هيهات أن يعود

ولكن بيتك يا الهي بلا حدود

وحينما ذهبت ابحث عنها .. قادتني إلى بابك خطاي

***

لقد كسرت هذه العجوز حقا بصمودها جبروت وطغيان ممالك النفط والرمال المتحركة

منشاءات حيوية مدمره

إلى جانب التدمير الذي طال بوابتها التاريخية وأجزاء واسعة من سورها القديم ، استهدفت طائرات العدوان مبنى الاتصالات وحولته إلى ركام ، وهو من المباني الخدمية الحديثة ، ويغطي نطاقا جغرافيا كبيرا بخدمات الاتصالات ، إذ بلغ عدد المستفيدين حوالي 30 الف نسمة شاملا مديريتي شبام كوكبان وأجزاء من مديرية بني مطر المجاورة .

 

لقد كان استهدافه قبحا بكل المقاييس وصور من صور الانحدار ، وقد اعتبر الأستاذ عبدالمجيد الولي استهداف هذه المنشاة والمدينة بمثابة تخبط عسكري ناجم عن ضعف وانهزامية ومحاولة سخيفة لتعويض انكساراتهم في جبهات القتال الحقيقية ، واعتبر ذلك مؤشرا لقرب سقوطهم ، وتساءل في الوقت ذاته عن الغاية من استهداف منشاة حيوية لا تمت بأي صلة للعمل العسكري وخدماتها مقتصرة على تسيير شئون الناس كما يعرف الجميع .

 

والمدارس هي الأخرى تضررت وتحطمت نوافذها وتشققت جدرانها وبات من المستحيل ممارسة العملية التعليمية فيها بعد أن صارت آيلة للسقوط وباتت عرضة للرياح والبرد .

نبذة عن الكاتب

مقالات ذات صله