تقصير في تسويق السياحة الدينية رغم ثراء الوطن بمواقعها
عمان ….. تتجه بوصلة النشاط السياحي العالمي بشكل لافت نحو السياحة الدينية بشكل باتت تبحث به الدول وتحديدا التي تملك أسواقا مصدّرة للسياحة، عن الدول التي تملك عوامل جذب لهذا النوع من السياحة الذي بات المقصد الأساسي إن لم يكن الوحيد عالميا في ظل الأزمة الاقتصادية التي تمر في العالم من جانب، وعدم توافر الأمن في غالبية الدول فباتت في معظمها تعيش حالات اضطرابات أمنية وسياسية!!!!
وفي ظل هذا التوجه العالمي للسياحة الدينية، تتضح على خارطة المنطقة سياحيا المملكة كواحدة من أبرز وأهم الأراضي المقدسة في العالم، تحديدا فيما يخص المواقع الدينية المسيحية، حيث تضم المئات منها، الأمر الذي يضعها في هالة واضحة تحتاج فقط الى تسويق بأدوات تناسب متطلبات المرحلة سعيا لجذب أكبر عدد من السياح العرب والأجانب الباحثين عن طلب السياحة الدينية.
ما من شك أن الحديث عن هذا الجانب الهام من السياحة وضرورة تسويقها، يبرز حضور الأردن بكافة المحافل الدينية بالعالم، وبرز ذلك جليا من خلال اشادة رأس الكنيسة الكاثوليكية البابا فرنسيس بالمملكة الأردنية الهاشمية التي لم تغلق أبوابها في وجه الأخوة المهجرين واللاجئين، أمام (190) سفيرا لدول العالم لدى الفاتيكان، لتكون شهادة جديدة للأردن يجب استثمارها الى جانب عدد آخر من الانجازات في هذا الشأن والتي يجب أن تستثمر بشكل ايجابي لا أن يتم المرور عليها مرورا عابرا!.
لم تكن اشادة بابا الفاتيكان بالاردن الايجابية الوحيدة التي سجلت للأردن مؤخرا في الجانب الديني، انما كان لزيارة خمسين أسقفا للمملكة ايضا اضاءة هامة على الاردن تعزيزاً لمسيرته النموذجية التي يقودها جلالة الملك، اضافة الى الكثير من العلامات الفارقة في هذا الجانب شهدتها المملكة مؤخرا، وحتما جعلت من وطننا أيقونة في المنطقة فيما يخص الانفتاح الديني والوحدة الوطنية تدعم وتعزز ثراءه بالمواقع السياحية الدينية المسيحية والاسلامية.
ولعل السؤال الذي يفرض نفسه هنا، الى أي حد تمكن صانع القرار السياحي من استثمار هذا الجانب، وهل تم تسويق المنتج السياحي الديني كما يجب، وبصورة تنسجم والجهود التي تبذل من الكنيسة لجذب أنظار العالم للأردن، وهل يمكن التأكيد على أن هذا النوع من السياحة سيكون طوق النجاة الذي سينقذ قطاعا كاملا من غرق محتمل؟!.
واقع الحال في هذا السياق لا يدعو للتفاؤل مطلقا، ذلك ان استثمار هذا الجانب لم يكن اطلاقا على قدر الآمال، ولا حتى على قدر جهود تبذلها الكنيسة وغيرها من الجهات الدينية لتشجيع السياحة الدينية للمملكة، بل على العكس هناك تراجع لافت وتهميش غير مبرر الأمر الذي يؤكده مختصون، فلم تشهد السياحة الدينية على الاطلاق أي تطور او اقبال مطلقا!.
وفي قراءة خاصة لـ»الدستور» حول واقع السياحة الدينية في ظل عدد من الأحداث التي شهدتها المملكة مؤخرا بهذا السياق، الى جانب الحديث عن وجود آلاف الحجاج قدموا من لبنان خلال الحج المسيحي الذي أقيم مؤخرا في منطقة المغطس، ظهر في واقع الحال أن كل ما تم الحديث به مجرد كلمات خالية من أي حقائق او مضامين عملية وواقعية، فلم يتجاوز عدد الحجاج اللبنانيين العشرين حاجا فقط!! وباقي الحجاج بالكامل هم من المواطنين!!!!.
مختصون في السياحة الوافدة اكدوا ان المملكة من أكثر دول العالم التي تضم مواقع دينية اسلامية ومسيحية، لكن للأسف لم يتم تسويقها بالشكل المطلوب، حتى ان دولا لا تعرف شيئا عن الأردن بهذا الشأن، مؤكدين انه في ظل الأزمة المالية التي تمر في العالم فان السياحة الدينية اليوم هي أكثر أنواع السياحة اهمية كونها ضرورة ولا تأخذ طابع الترف كباقي أنواع السياحة، فعلى هيئة تنشيط السياحة الأداة التنفيذية للتسويق الخارجي أن تدرك أهمية هذا الجانب وتوليه أهمية أكبر من الصورة المعمول بها حاليا!.
وبالكثير من الأسف، اكد مدير المركز الكاثوليكي الأب رفعت بدر في متابعتنا الخاصة أن الأردن لم يحقق أي خطوات ايجابية في مجال تسويق السياحة الدينية، على الرغم من ثرائه بالمواقع السياحية الدينية المسيحية، لافتا الى اننا نسوّق لغيرنا اكثر مما نسوّق لانفسنا، محملا هيئة تنشيط السياحة مسؤولية هذا التقصير، معتبرا أن الكنيسة هي من تقوم بالدور الأكبر لكن حتما جهودها وحدها لا تكفي.
ونفى الأب بدر ما تم الحديث عنه قبل أيام من وجود مئات الحجاج اللبنانيين في الاردن، فعددهم لم يتجاوز (20) حاجا فقط، وباقي الحجاج كانوا من المواطنين، فلم يزر المملكة أي سائح لغايات السياحة الدينية مطلقا مؤخرا، على الرغم مما يتمتع به بلدنا من مقومات نادرة بهذا المجال، ليس فقط في جانب المواقع انما كذلك في الجانب السياسي لما تتمثل به سياساته بقيادة جلالة الملك بإتباع سياسة الأبواب المفتوحة بالرغم من الصعوبات المادية التي تواجهنا.
وطالب الأب بدر هيئة تنشيط السياحة استثمار التسهيلات التي منحتها لها الحكومة لمزيد من التسويق السياحي، ولفت نظر العالم لوطننا، فلا بد من جهود اكثر من تلك المبذولة في هذا البعد من نمطية التسويق، والتأسيس لحالات سياحية تعتمد سنويا كأن يكون احتفال سنوي بعيد الميلاد المجيد في المغطس وندعو له العالم، وان لا نبالغ في الأخبار ونضع الأمور في وضعها الصحيح ليس كما حدث مؤخرا في موضوع الحجاج اللبنانيين الذين ضخّمت زيارتهم ولا نعلم لمصلحة من يتم ذلك.
وشدد الأب بدر على ان الاعتماد الأساسي حتى الآن في السياحة الدينية على المواطنين، ونسبة الاقبال من العالم عربيا واجنبيا تكاد تكون معدومة، بالتالي يجب وضع خطة لهذه الغاية وأن تبذل جهودا اكثر، تتناسب والاعترافات الدولية بأهمية السياحة الدينية في الأردن، فلا بد من الاعتراف بوجود تقصير ومن ثم العمل على علاجه.