بين (ذ ب ح) و (ذ ك ى):
الذبح والذكاة في لغة الجذور
في عيد الأضحى تكثر الذبائح "الأضاحي" تطبيقا لسنة سيدينا ابراهيم ومحمد عليهما الصلاة والسلام، واستلهاما من وحي المناسبة الشريفة كان المقال التالي:
هل الذبح يرادف الذكاة في لغة الجذور؟
وما الفرق بينهما إذا لم يكونا مترادفين؟
بقلم : د محمد فتحى راشد الحريرى
معنى (ذبح) في لسان العرب: الذبح قطع الحلقوم من باطن عند النصيل وهو موضع الذبح من الحلق والذبح مصدر ذبحت الشاة يقال ذبحه يذبحه ذبحا فهو مذبوح وذبيح من قوم ذبحى وذباحى وكذلك التيس والكبش من كباش ذبحى وذباحى والذبيحة الشاة المذبوحة وشاة ذبيحة وذبيح من نعاج ذبحى وذباحى وذبائح. وكذلك الناقة وإنما جاءت ذبيحة بالهاء لغلبة الاسم عليها.
قال الأزهري: الذبيحة اسم لما يذبح من الحيوان وأنث لأنه ذهب به مذهب الأسماء لا مذهب النعت، فإن قلت شاة ذبيح أو كبش ذبيح أو نعجة ذبيح لم تدخل فيه الهاء لأن فعيلا إذا كان نعتا في معنى مفعول يذكر يقال امرأة قتيل وكف خضيب وقال الأزهري الذبيح المذبوح (فعيل بمعنى مفعول) والأنثى ذبيحة وإنما جاءت بالهاء لغلبة الاسم عليها وفي حديث القضاء من ولي قاضيا (أي من عين قاضيا أو وسم في منصب القضاء) فكأنما ذبح بغير سكين معناه التحذير من طلب القضاء والحرص عليه، أي من تصدى للقضاء وتولاه فقد عرض نفسه للذبح فليحذره! والذبح ههنا مجاز عن الهلاك، والإنسان الطبيعي يكره الهلاك!
والذبح (بكسر الذال) اسم ما ذبح، وفي التنزيل: ((وفديناه بذبح عظيم)) سورة الصافات 107 يعني كبش كبير أكرم الله به سيدنا إبراهيم عليه السلام. وقال الأزهري معناه أي بكبش يذبح وهو الكبش الذي فدي به إسمعيل بن خليل الله صلى الله عليهما وسلم، وأضاف الأزهري الذبح ما أعد للذبح وهو بمنزلة الذبيح والمذبوح والذبح المذبوح هو بمنزلة الطحن بمعنى المطحون والقطف بمعنى المقطوف.
وفي حديث الضحية فدعا بذبح فذبحه: الذبح بالكسر ما يذبح من الأضاحي وغيرها من الحيوان وبالفتح الفعل منه. وبعيدا عن الذبح ولوثة قطع الرؤوس المنتشرة في طول الكرة الأرضية وعرضها هذه الأيام، على أيدي الجماعات الارهابية المتطرفة والملاحدة ومن يلبس مسوح التدين من المسلمين والسيخ والنصارى وغيرهم، فقد سن فرعون عادة قتل الاولاد قبل قرون حفاظا على ملكه من ولد سينزعه منه إن هو ولد، وهو المراد بقوله تعالى: "يذبحون أبناءكم" وقد قرئت بالتخفيف (يذبحون).
قال أبو إسحاق: القراءة المجمع عليها بالتشديد والتخفيف شاذ والتشديد أبلغ لأنه يفيد التكثير، و (يذبحون) يصلح أن يكون للقليل والكثير ومعنى التكثير أبلغ. والذابحة: كل ما يجوز ذبحه من الإبل والبقر والغنم وغيرها فاعله بمعنى مفعولة.
قلنا: ان المعجميين تأثروا بالفقه الاسلامي حين وضعوا تعريفا للذبح لغة، وليس هو كما قال ابن منظور والفيروزابادي وغيره، بل هو ازهاق الروح بقطع الاوداج.
أما الجذر (ذ ك ى) في الجذور فنقول فيه:
ذكى يذكي، ذك (فعل الأمر)، تذكية، فهو مذك، والمفعول مذكى، ولعل الأصل في هذا الجذر ذكى الاكمالالنار أي أوقدها، وأتم إشعالها، وزاد من لهيبها بما يلقى فيها من حطب.
فالذكاة هي الاكمال والاتمام ليكون الشيء غاية في الطيب والقبول ورضاء النفس عنه …
وتقول العرب:
ذكى الشاة: ذبحها أثناء حياتها، قال تعالى: "وما أكل السبع إلا ما ذكيتم"
لكن الأصل في المعنى المتعارف عليه عند فقهاء الجذور أن التذكية (الاكمال والاتمام) تطييب للذبيحة وإكمال لعملية إعدادها للتناول طعاما طيبا على المائدة، وليس مجرد ازهاق حياتها بقطع الاوداج،،، وتأملوا معي قوله تعالى في قصة أهل الكهف:
((فابعثوا أحدكم بورقكم هذه الى المدينة فلينظر أيها أزكى طعاما فليأتكم برزق منه وليتلطف ولا يشعرن بكم أحدا))
. ارادوا لحما زكيا مذبوحا بطريقة أخلاقية، ليس وقيذا ولا مخنوقا ولا نطيحة ولا مقتولا بطريقة غير حضارية، وقد ثبت اليوم بالادلة القطعية أن الذكاة الشرعية تطيب لحم الذبيحة، ذلك أنها تستنزف دمها وتصفيه من القاذورات السابحة في الدم (لا حظ المصاهرة الجذورية بين الجذرين: ز ك ى، ذ ك ى).
جرب أن تضع لحما مذبوحا بالذكاة الشرعية، ولحما مذبوحا بالصعق الكهربائي مثلا، وضع القطعتين في ظروف متشابهة تماما، وراقب فسادهما:
بعد ساعات يدب الفساد في اللحم المصعوق، بينما اللحم المذكى لا يطاله فساد ألبتة!
الدم بؤرة الفساد في الأجسام الحيوانية، وتطييب اللحم يكون باستنزاف هذا الدم، بل باختيار أفضل الوسائل والسبل التي لا تبقي منه في خلايا اللحم شيئا، ولا حظوا معي أن الحيوان الذي لا دم في جسده يؤكل بلا ذبح، إذ لا معنى هنا للذبح،
هل يذبح السمك؟ أبدا، لماذا؟ ببساطة لا دم فيه وهو يعيش في بيئة نظيفة. وكذلك حشرة الجراد التي أباح الاسلام أكلها لا تذ بح، جاء في الحديث الشريف الصحيح الصريح: (أحلت لنا ميتتان ودمان، فأما الميتتان فالسمك والجراد، وأما الدمان فالكبد والطحال) أوكما قال.
والكبد والطحال هنا يحملان اسم الدم رمزا ..
ثمة أمر يجب ملاحظته وهو أن الذبح يطلق على كل كائن حي، أما التذكية فلا تطلق الا على الحيوان مأكول اللحم.
فالذكاة في اللغة: تمام الشيء كما أسلفنا، وسمي الذبح أو النحر أو العقر ذكاة، لأنه إتمام لزهوق النفس، ومنه قوله تعالى:
إلا ما ذكيتم أي ما أدركتموه وفيه حياة مستقرة فأتممتموا ذبحه واستنزفتم دمه فصار طيبا، ثم استعمل في الذبح أو النحر أو العقر، سواء كان بعد جرح سابق أو ابتداء.
وهكذا فالذكاة في الاصطلاح الشرعي: ذبح أو نحر الحيوان البري المأكول اللحم
بقطع الحلقوم والمريء أو عقر الممتنع عن ذبحه بطريقة تامة (هيئة الذبح الاضطراري)، وقولنا البري لإخراج الحيوان البحري من الدائرة لانه لا يذكى، بل يؤكل مباشرة لعدم تحقق معنى الذكاة فيه، ولا معنى لتذكية حيوان لا دم فيه، كما أسلفنا …
إذن الذكاة لا تعمل إلا في الحيوان البري مأكول اللحم دون البحري، لأن ميتة البحر حلال. يقول الله سبحانه وتعالى: ((أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة)) وقد ذكر المفسرون أن (صيد البحر) هو ما أخذ منه حيا، و (طعامه) هو ما قذفه البحر ميتا، قاله ابن عباس رضي الله عنهما، وروي عن أبي بكر الصديق وزيد بن ثابت وعبد الله بن عمرو وأبي أيوب الأنصاري رضي الله عن الجميع، ومن التابعين عكرمةوابن أبي سلمة عبد الرحمن، وإبراهيم النخعي، والحسن البصري رحم الله الجميع، ذكر ذلك عنهم ابن كثير رحمه الله في تفسيره.
وأيضا لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في البحر: "هو الطهور ماؤه الحل ميتته)) رواه الخمسة والشافعي وصححه البخاري والترمذي وابن حبان وابن خزيمة وغيرهم رحمهم الله ..
هذا والله أعلم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم،،، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين …