شلقم يكشف النقاب عن أسرار آواخر عهد القذافى والثورة الليبية
بنغازى "ادارة التحرير"…. فى هذا الحوار الذى اختص به شلقم “الأهرام العربي” برغم عزوفه عن التواصل مع أجهزة الإعلام يكشف النقاب عن أسرار كثيرة تتعلق بأواخر عهد “القذافي”، وتمتد إلى الحاضر، واضعا النقاط على الحروف بما يجيب عن تساؤلات كثيرة تعتمل فى الأذهان حول ليبيا وثورتها، وما يجرى اليوم من احتراب على أرضها، وأسباب توقف تصدير النفط، وحقيقة الدور الذى قامت به قطر وأهدافه، ولا يفوته توضيح سر إعجاب ديكتاتور ليبيا بالراحل اللواء عمر سليمان، ويعلق شلقم على ما ورد فى حوار عبد السلام جلود مع الأهرام العربى وعرض “ القذافى “التنازل عن السلطة ل” جلود “، مبديا عدم اقتناعه بحدوث ذلك لأن السلطة، in respect of لـ “معمر” وفقا لرأيه لم تكن “الجبة” التى يضعها على ظهره، بل كانت “الجلد” الملتصق بجسده، ولم يكن بالإمكان فصلها عنه إلا بالسلخ ، وحتى لا نفسد عليكم متعة الاطلاع بأنفسكم على ما ورد من أسرار فى الحوار نترككم تكتشفونها عبر السطور التالية.
< بعد 3 أعوام على قيام ثورة ليبيا، ألا ترون مسار النظام الجديد لا يقل غموضا عن سابقه فى أعماله وتوجهاته، والفوضى التى تعم البلاد تجعلنا نتساءل عن القوة الحقيقية على الأرض فى ليبيا؟
الوضع الليبى يعيش حالة سيولة شاملة، فى كل جوانب الحياة، وفى كل أنحاء ليبيا، لكن برغم ذلك لا يمكن مقارنته أو مقابلته مع الوضع فى عهد معمر القذافى، فالبلاد بدون مؤسسات، بدون قوة فرض القانون، لاجيش ولا شرطة، السلاح فى كل مكان وفى كل يد، والحدود مفتوحة، والقادمون من كل صوب، لكن برغم كل ذلك فالحياة تسير بشكل عادى إلى حد كبير، وعندما تتابع أخبار ليبيا عبر وسائل الإعلام تعتقد أن كل شىء قد انهار، صحيح المشاكل موجودة وبشكل كبير، لكن الحياة تمضى بوتيرة مقبولة، إذا نظرنا لها من بوابة الانفلات العام والغياب شبه الكامل للدولة
.. < ما القوة الحقيقية على الأرض؟
.. من الصعب جدا تحديد قوة معينة واحدة، هناك قوى كثيرة، هناك المسلحون الذين يمثلون العناصر التى حملت السلاح مباشرة بعد قيام ثورة 17 فبراير وقاتلت بشجاعة، وأسهمت بفاعلية فى إسقاط نظام القذافى وأبنائه، وهناك مسلحون من المجرمين المحكوم عليهم فى قضايا جنائية أخرجهم القذافى من السجون ، وهؤلاء شكلوا عصابات إجرامية تخطف من أجل الحصول على المال، لكن قوة الشارع تتنامى ومظاهرات المواطنين العزل ضد المسلحين أضحت قوة ضاغطة، بل نستطيع أن نقول إنها خلقت رادعا هائلا على المستوى العام، لكنها قوة غير مؤطرة تنظيميا بحيث تنقل (قوتها) إلى حركة فاعلة على تربة القرار، فبعضها مشتت بين توجهات سياسية متعددة، وبعضها الآخر يتحرك كرد فعل للمضايقات والتجاوزات التى تقوم بها المجموعات المسلحة.
< برغم أن المجلس الوطنى الانتقالى يمثل الشرعية السياسية المعترف بها دوليا ويفترض به قيادة العملية الانتقالية برمتها
فإن الواقع شىء مختلف تماما عما ينبغى أن يكون، فإلى ماذا تردون ضعف المجلس؟
الاسم الحقيقى لـ «للبرلمان» الليبى، هو «المؤتمر الوطنى العام» وقد تم إنتخابه بعد الإجهاز الكامل على نظام القذافى وأبنائه، وحل «المجلس الوطنى الانتقالى» الذى تولى المهام التشريعية إبان الثورة، مهام «المؤتمر الوطنى العام» حسب الإعلان الدستورى (تشكيل الحكومة الانتقالية) واختيار لجنة الستين التى ستكتب الدستور، لكن هذا المؤتمر انشغل فى التداعيات اليومية والأحداث المتلاحقة، وتجاذبته التيارات الجهوية والحساسيات الأيدولوجية، ولاننسى أن أعضاء المؤتمر تنقصهم الخبرة السياسية، وكثير منهم عاش خارج ليبيا لسنوات طويلة، ولا يمتلك القوه المطلوبة التي ينفذ بها ما يقرره ، فلا جيش عنده يأمره، ولا شرطة .. وقد وصل الأمر أن اقتحم المسلحون جلساته وفرضوا عليه إصدار قوانين وقرارات، وهناك الكثير من أعضائه قد طالهم قانون العزل السياسى وأخرجوا من المؤتمر.
< وما تقييمكم للوضع السياسى فى ظل التدهور الاقتصادى الليبى وعدم الاستقرار واستمرار سيطرة الجماعات المسلحة وإلى أين تتجه بوصلة البلاد الغنية بالنفط والمثقلة بالتناقضات؟
ما يجرى الآن فى ليبيا ليس بالأمر الهين، لكنه فى نفس الوقت ليس بالمستغرب، فقد انهارت الدولة بالكامل: لاجيش، لا شرطة، لا إدارة، لا مؤسسات، والسلاح كما قلت فى كل مكان، مع تدافع المهاجرين من الدول المجاورة وغير المجاورة، وهناك عصابات منظمة تقوم بذلك فى مصر وتونس واليمن، فالأنظمة السياسية أنهارت وبقيت الدول، كان النظام فى ليبيا من قماشة خاصة، تداخلت الدولة فى النظام وفى الأشخاص وفى النسيج الاجتماعى، وعندما تحدث سيف القذافى فى بداية الانتفاضة، وقال إن ليبيا ستنهار وستكون هناك حرب أهلية .. إلخ، لم يكن يتنبأ، لا .. لا .. كان يقرأ الخارطة التى صممت بمقاييس رسم سياسية وأمنية واجتماعية متقنة .. ومع ذلك أقول بثقة إن المشهد السياسى فى ليبيا قابل للتغيير إلى الأفضل، لأن الليبيين يريدون ذلك بل يصرون عليه، لقد خرج الآلاف من المدنيين العزل بصدور عارية وهاجموا المجموعات المسلحة وأجبروها على مغادرة المدن .. السلاح فى ليبيا اليوم يخيف حامليه أكثر مما يخيف الذين لا يحملونه.
< توقف تصدير البترول الليبى يثير علامات استفهام كثيرة، وهناك من يتهم قائدا قبليا هو السيد إبراهيم الجضران بأنه سبب التوقف لرغبته تصديره لحسابة الخاص، وينفى مناصروه ذلك ويردون بأنه طلب التحقيق فى سرقة البترول، وأن تشرف على بيعه لجنة من 3 قضاة من أقاليم ليبيا الثلاثة حتى لا تسرق عائداته؟ فأين الحقيقة؟
السيد إبراهيم الجضران يقود عملية منع تصدير النفط من إحدى الموانئ وهو يتهم الحكومة أو بعض أطرافها بإهدر المال العام، ويطالب بالتحقيق فى أوجه صرف الميزانية التى بلغت أرقاما غير مسبوقة، وفى غياب أى مشروعات للتنمية، والقول إنه يبيع النفط لحسابه الخاص لم يصدقه أحد ، وبغض النظر عن تقييم صواب مايقوم به الجضران أو عدمه، فقد قام آخرون فى الجنوب والغرب الليبى بأفعال مماثلة، لكن الأهم أن يدرك الليبيون أن تداعيات خطيرة وكثيرة ستحدث فى غياب الحوار والمصالحة الوطنية الشاملة، والشروع فى بناء الدولة الليبية الجديدة والحديثة.
< وماذا تم بخصوص الأموال الليبية التى قيل إن القذافى وأسرته وبعض أركان نظامه قاموا بتهريبها وما حجمها؟
هذا ملف مثل الجان والعنقاء، من الصعب الحديث عنه بيقين مطلق، والذى أعرفه أن لجنة العقوبات بالأمم المتحدة تتولى هذا الملف، وتتابعه بقدر كبير من الدقة، والاستثمارات الرسمية للدولة ومنها الودائع فى البنوك الأجنبية وكذلك الاستثمارات العقارية معروفة وتحت السيطرة، تبقى مشكلة الأموال السرية المهربة ، وهى مشكلة لا تعانى منها الدول الغنية فقط بل وأيضا الدول الفقيرة.
قال عبد السلام جلود فى حوار مع “الأهرام العربي”: “لم يهمشنى أحد ولم يبعدنى القذافى ولا يقدر على ذلك، أنا ابتعدت حين وجدت أنه تحول إلى طاغية ولا يسمع إلا رأيه، فقد أصبح ميكافيليا” .. وأضاف: “كنت فى باريس أرسل لى معمر أولاده الاثنين وقال لى تعال نسلم لك ليبيا، رفضت وقلت له لا يا معمر لا تريد إنقاذ ليبيا بل إنقاذ نفسك” .. فهل حدث ذلك الحوار فعلا؟
لا علم لى بما قاله معمر لعبد السلام جلود، ولا أستطيع توكيده أو نفيه، لكن السيد عبدالسلام جلود هو أكثر من يعرف أن معمر القذافى لن يسلم له السلطة، وإذا كان القذافى قد رفض مجرد مشاركته له فى جزء من السلطة فكيف سيسلمها كلها له؟!
لم تكن السلطة لمعمر القذافى “الجبة” التى يضعها على ظهره، بل كانت “الجلد” الملتصق بجسده، ولم يكن بالإمكان فصلها عنه إلا بالسلخ، وهذا ديدن كل الحكام العرب .. لقد كانت الثوراث العربية أخيرا هى عملية سلخ السلطة عن جسد الحاكم.
< يقول غسان شربل فى مقدمة كتابه “فى خيمة القذافى … رفاق العقيد يكشفون خبايا عهده” إن “هناك قوى جديدة تخرج من صناديق الاقتراع .. تيارات إسلامية لم يسبق أن امتحنت فى موقع القرار .. ستجد هذه القوى نفسها أمام أسئلة جديدة وتحديات جديدة تتعلق بتداول السلطة والاقتصاد والموقف من الأقليات وحقوق المرأة والحريات الشخصية .. ستجد هذه القوى نفسها ترتطم بعالم لا يمكن إعادته إلى قرون مضت ولا يمكن معالجة مشكلاته بوصفات قديمة “.. ما تعليقكم؟
ما ذكره السيد غسان شربل ينطبق على دول كثيرة، ليبيا لم تعش منذ الخليقة تجربة ديمقراطية حقيقية، مثلها مثل بقية البلدان العربية ودول أخرى فى العالم الثالث، والمأساة أن العهد الملكى منع الأحزاب، ولم يقم حتى نظام الحزب الواحد، مع كل سلبيات هذا النمط من العمل السياسي.
الحزب السياسى هو الذى يجمع الناس من أنحاء على أساس غير جهوى أو قبلى، ويقدم برامج وطنية، معمر القذافى جرم الحزبية، رفع شعار (الحزبية إجهاض للديمقراطية) و(من تحزب خان)، وهناك بعض البسطاء فى ليبيا مازالوا يعتقدون أن هذه المقولات أحاديث شريفة ، أو أقوال فقهية دينية!
الليبيون لم يعيشوا تجربة سياسية أو ثقافية حديثة، حتى فى مجال الفن والرياضة والأدب غيبوا لعقود عدة، وكل شيء فى ليبيا يبدأ من ماقبل الصفر.
نعرف من التاريخ أن الديمقراطية أصعب شيء فى الدنيا، والأمم التى وصلتها قليلة جدا، ولقد دفعت تلك الشعوب ثمنا باهظا من الجهد والفكر والدم والعرق، أوروبا مثلا خاضت حروبا أهلية وعالمية قبل أن تصل إلى ماهى عليه اليوم.
< قبل عدة شهور قامت إحدى الصحف بنشر مقالة منسوبة لك تتبرأ فيها من الثورة وتعلن الندم للمشاركة فيها متحسرا على عصر القذافى.. فما حقيقة نسبة المقالة لكم؟ ومن كان وراء نشرها والهدف من النشر؟
هذا صحيح، لقد نشر أحد المواقع الإلكترونية مقالة مزورة نسبت إلى، ولقد ضحك الليبيون على تلك النكتة البائسة، الليبيون يعرفوننى جيدا، هناك أكاذيب لا تتوقف يتسلح بها الضعفاء، أحدهم أنشأ موقعا على الفيس بوك باسم، وفاء عبد الرحمن شلقم، وللأسف أنا لم أرزق ببنت، ذريتى كلها أولاد، وأنا بطبيعتى حين أريد اتخاذ موقف فى أى شأن وطنى أقوله علنا وبأعلى صوت، وفى كل وسائل الإعلام وفى المحافل الرسمية العلنية .. وفى شهر إبريل الماضى أقيم مهرجان كبير بطرابلس احتفالا بعيد تأسيس “التحالف الوطنى”، ألقيت فيه خطابا طويلا، ومما قلته فيه: “هناك من يقول إننى من فلول نظام معمر القذافى، ومن يقول إننى من أزلام نظامه، لا .. لقد كنت من أركان النظام “.
< وهل صحيح ما رواه السيد إبراهيم الدباشى عن قيامكم قبل شهر من اندلاع الثورة بمطالبة القذافى بتصحيح الأوضاع لكنه رفض الاستجابة لنصيحتكم؟
نعم، صحيح ما قاله الدباشى مندوبنا فى الأمم المتحدة الذى حل مكانى بعد تقاعدى، كنت فى ليبيا فى أواخر سنة 2010 م، حيث استدعيت من نيويورك لمناقشة استضافة ليبيا لمؤتمر قمة مجموعة 77 + الصين، وقابلت معمر القذافى يوم 6 نوفمبر أى قبل تفجر ثورة تونس قابلته فى المربعات بطريق مطار طرابلس، وإستقبلنى أحمد قذاف الدم، وكان هناك أيضا الساعدى معمر القذافي وبعض أطفال ابنته عائشة، كان معمر متمددا على الأرض تحت مظلة بسيطة، بادرنى ببعض التعليقات الودية على ملابسى وحذائى، وتلك إشارات بأن مزاجه رائق ومنفتح للحديث، بدأ كلامه بالتعبير عن ضيقه من السياسة الدولية ومن الغطرسة الأمريكية، وضرورة العمل على إعادة صياغة النظام الدولى، بدءا بالأمم المتحدة والبنك الدولى وغيرهما، بعد ذلك استأذنته أن يستدعى الدكتور البغدادى المحمودى رئيس الوزراء، الذى كان زميلى فى الدراسة بجامعة القاهرة، لأننى أريد التحدث عن الشئون الليبية الداخلية، وأفضل أن يكون البغدادى معنا لأننى سأنتقد سياسته، ولما لم يحضر البغدادى لأنه كان فى اجتماع، حدثته عن البطالة، وانهيار التعليم والصحة وتفشى الفساد، وعن ممارسات أولاده، وكان القذافى يستمع باهتمام، لم يقاطعنى إلا قليلا، وشجعنى بتعليقاته الهادئة والموضوعية على الاستمرار والتوسع فى الحديث، أحسست بأنه مدرك لأبعاد الأزمات التى تعيشها البلاد، إصغاؤه أعطانى انطباعا أن لديه الرغبة فى التغيير ولكن ليست لديه القدرة عليه، قضيت معه أكثر من ساعتين، وعند مغادرتى له قابلنى أحمد قذاف الدم سألنى عن المقابلة، فقلت له: أعتقد أنه مدرك لخطورة الموقف وقد يعمل شيئا، قال أحمد: إن لديه الإحساس نفسه.
فى صباح اليوم التالى اتصل بى محمد بلقاسم الزوى أمين مؤتمر الشعب العام البرلمان وهو صديق قديم، وطلب منى المرور عليه بمكتبه، وعند دخولى لمكتبه قابلنى كعادته بابتسامة وقال: لقد اتصل بى القائد وطلب منى أن نجتمع سويا مع البغدادى المحمودى رئيس الوزراء، لأنك كنت غاضبا ومنتقدا لكل شىء فى البلاد، ونريد أن نقيم الأمور، ونقدم ورقة للأخ القائد .. حضر بعد ذلك كل من أحمد قذاف الدم وعبد القادر البغدادى رئيس اللجان الثورية، وقدمت لهم ملخصا وافيا عما دار مع القذافى، وكانت هناك نبرة إحباط وأحيانا يأس من الجميع، فى الأثناء سحبنى البغدادى المحمودى إلى غرفة جانبية، بادر بالقول: لا أمل .. كان .. كان لدينا قذافى واحد أصبح لدينا سبعة، مشيرا إلى أبناء القذافى، وأضاف بأسى: كلهم يريدون الاستيلاء على الخزنة.
< كنتم أول من أطلق إنذارا بوجود دور قطرى مريب فى بلدان الربيع العربى، فهل كان تحذيركم استقراء بناء على معطيات أم مجرد إحساس صدق؟
ما قلته عن قطر كان استنادا إلى وقائع ذكرتها فى كتابى “نهاية القذافي”، عموما أشير لقمة المساعدات التى قدمتها قطر للشعب الليبى منذ بدايه ثورته، والجهد الذى بذله الأمير السابق حمد بن خليفة فى الاتصالات الدولية، فعلا كان دور قطر حاسما وحقيقيا؛ لكن للأسف تبين – فيما بعد – أن ما قام به القطريون لم يكن من أجل حرية الشعب الليبى، بل من أجل أطماع فى التسلط والسيطرة على ليبيا، حيث قدموا الأموال بلا حدود للإسلاميين، وقد تحدثت مع الأمير الحالى الذى كان – آنذاك – وليا للعهد، ونبهته بألا يتدخلوا فى شئوننا، كما تحدثت مع الأمير السابق، وقلت له الكلام نفسه ومع رئيس الوزراء السابق حمد بن جاسم، وأرى أن ما تعانيه ليبيا اليوم تتحمل قطر جزءا كبيرا منه، فقطر تحلم بإقامة دولة الخلافة وعلى رأسها أميرها، أوهام القذافى نفسها .. لكنها تنسى أن الشعب الليبى عنيد له أنفة لا يمكن أن يقبل أن تحميه قطر، ولا أمريكا أو إيطاليا أو أى قوة أخرى.
صراحة ما يجرى فى ليبيا لن يتوقف على حدودها، بل سيتجاوزها لدول الجوار، ونحن فى مصر نعانى من قيام جماعات وعناصر ليبية بتهريب السلاح للتكفيريين؟ ومن مصلحتنا استقرار الوضع فى ليبيا، فهل ترون أن هناك دورا يمكن لمصر القيام به لمساعدتكم على بناء دولة مدنية حديثة؟
ليبيا تؤثر وتتأثر بما يجرى فى مصر، لا استقرار فى مصر دون استقرار فى ليبيا، والعكس صحيح، نحن قادرون على إعادة تأسيس الدولة الجديدة فى ليبيا، لدينا القدرات البشرية العلمية فى كل المجالات، ولدينا الملأة المالية، وفوق كل ذلك الانسجام الاجتماعى فليبيا سكانها 100 ٪ مسلمين، سنة مالكيين وعرب، وهناك نسبة لا تتجاوز 5 ٪ من الأمازيغ ويربط الجميع تعايش وسلام مجتمعى منذ مئات السنين.
< هل تتوقعون ردة فعل للسلطات الليبية لعدم تسليم مصر للسيد أحمد قذاف الدم بعد تبرئة القضاء المصرى له؟ وما صحة الجرائم المنسوبة له فى ليبيا؟ وهل تؤيدون أو تعارضون عدم تسليمه؟ ولماذا؟
هناك أسس قانونية دولية، ومثلما تطالب مصر الدول الأخرى بالتجاوب معها، فعليها أن تلتزم بذلك، أنا لست طرفا فى الحكومة الليبية القائمة وهى المسئولة عن متابعة هذا الموضوع رسميا .
< سبق لكم أن اتهمتم نائب الرئيس الراحل عمر سليمان بأنه رجل القذافى فى مصر؟ فهل لا تزالون مصرين على الاتهام؟ وما دليلكم؟
الراحل عمر سليمان كان شخصية سياسية وأمنية غير عادية، كان معمر القذافى يرتاح له كثيرا، ويستمع إليه ويثق فيه، وعمر سليمان لعب دورا محوريا فى تفكيك حلقات الشكوك بين النظامين.
كان مدركا للأهمية الجيوسياسية التى تربط ليبيا بمصر، ويعتبر أن الحزم الأمنية للبلدين واحدة، وكان القذافى يثق أن هذه الحزم لن تفلت طالما بقى عمر سليمان على رأس المنظومة الأمنية فى مصر .
< أصدرتم كتابا أثار جدلا “رجال حول القذافى” وصفه بعضهم بأنه ليس كتابا سياسيا أو حتى معنيا بشرح حقبة حكم القذافى، وإنما هو كتاب سير تطول وتقصر لبعض أهم الشخاص الذين أحاطوا بالقذافى .. بماذا تعلقون؟
كتاب “أشخاص حول القذافى” هو تفكيك سياسى واجتماعى، بل حتى نفسى لكينونة نظام معمر القذافى، المقاربة تتعلق بمنهج التناول .. فى مصر مثلا استخدم الرئيس الراحل أنور السادات مصطلح “مراكز القوى” لوصف من أعطوا الإخلاص والوفاء للرئيس عبد الناصر، فمكنهم من القوة فى تلك المؤ سسات لتوظيفها لخدمة النظام، فى ليبيا كان الأمر مختلفا تماما، لم تكن هناك مؤسسات للنظام، كان هناك أشخاص أنتجهم معمر القذافى، أو أعاد إنتاجهم ليكونوا فى خدمته هو، كان فى مصر الاتحاد الاشتراكى العربى له لجنة مركزية ولجنة تنفيذية عليا، ومؤسسة عسكرية محترفة بتراتبية تقليدية، ومجلس وزراء، ومحافظون إلخ .. فى ليبيا لم يكن الأمر كذلك، كان هناك الشخص المؤسسة برغم اختلاف الأشخاص وتكويناتهم وأدوارهم .. تستطيع أن تدرس النظام التونسى أو العراقى أو التشادى أو الألمانى وغيره، من خلال مؤسسات هذا النظام، بالنسبة لنظام القذافى لم يكن ذلك ممكنا، هناك عناصر فى نظام القذافى لم يكن لهم وظائف وكانت لهم أدوار فى غاية الأهمية، وآخرون كانت لهم وظائف عليا ولكن بدون مهام أو أدوار.
< كانت بدايتكم العملية كصحفى وشاعر وموسيقى ثم سرقتكم السياسة من الإبداع ، وقد بلغنى أنكم أصدرتم أخيرا رواية بعنوان “حبروش” فعم يدل الاسم وما موضوعها؟ وهل نعتبرها إشارة طلاق للعمل السياسى وعودة للإبداع؟
لا .. الإبداع كان معى طوال عمرى وأنا سفير أو وزير، لقد نشرت الديوان الأول لأشعارى سنة 2001 م بعنوان “أسرار” والثانى فى سنة 2009 م بعنوان “قررت أن أفرح”، ونشرت كتابا بعنوان “تجليات”، وهو مجموعة من الأقوال والنصوص، وكتب فى الدين وفى السياسة ، ومجموع إصداراتى حتى الآن 9 كتب.
ورواية “حبروش” التى صدرت هذا العام باشرت منذ كتابتها البرنامج المفضل أكثر من 7 سنوات، ظروف العمل والسفر أثرت على مدة العمل، رواية “حبروش” رافقتنى طويلا، وهى محاولة للولوج إلى الإنسان الآخر فى كل إنسان، الإنسان فى برازخ الزمان والمكان، فى خضم القوة والضعف، “حبروش” اسم حقيقى لامرأة فى قريتى بالجنوب الليبى، امرأة غريبة عجيبة تغنى وترقص دائما، كتلة من الفرح، برغم فقرها الشديد، تعطى كل وقتها لخدمة العاشقين، فى الرواية محطات من الجهاد الليبى، سفر الليبيين إلى تونس أيام الاحتلال الإيطالى، والحرب العالمية الثانية، فيها محطات عن البهائية فى مصر وفلسطين، عن السيخ، عن التصوف، هى نص عن البشر فى رحلة كيمياء الوجود.
لماذا الرواية؟ .. لكل محتوى وعاء، البحث العلمى له أوعيته، للانفعال أوانيه، الرواية هى وعاء الوجود الإنسانى فى خضم أدغال الزمان والمكان، انفجارات قوة الضعف وضعف القوة .. تلك هى “حبروش”.
< ماذا تركت سنوات الدراسة فى مصر، ووقت التدريب الذى قضيتموه فى مؤسسة الأهرام الصحفية من ذكريات لديكم؟
القاهرة لا تكون أبدا ذكرى، القاهرة وجود وفكرة ودروب وآفاق لا تغادر، تحملها معك دائما .. الأماكن كائنات حية، تعيشها عندما تتكون فيها، لقد عشت فى القاهرة فى الزمن الخاص بحكم سنوات الشباب الجميلة، والقاهرة الشابة الجميلة، سنوات حرب الاستنزاف البطولية والمعنويات الشاهقة، زمن جمال عبد الناصر، وأم كلثوم وعبد الحليم وكل القامات ناطحة السحاب والزمان.
تدربت فى أهرام شامخة .. الأهرام كانت بداية المرحلة التقنية فى الصحافة العربية، كان يكفى أن بها يوسف إدريس، ونجيب محفوظ، وتوفيق الحكيم، وصلاح جاهين، ووسطهم الأستاذ هيكل. فيها رأينا الصحافة بدمها ولحمها، السلطة الرابعة، السلطة الشامخة التى تقرص أذن السلطات بأصابع المعنى. رحم الله زمانا كانت فيه للحروف حواس خمس، وللسطور نفوس وأنفاس.