فنادق دمشق تنجو من الإفلاس… وتتحول لسكن أو حرم جامعي
دمشق " المسلة " … استطاعت بعض فنادق دمشق، والتي كانت على أبواب الإفلاس، تحقيق توأمة مع جامعات سورية خاصة تنتشر في مناطق ساخنة أو بالقرب منها. ومع هذه التوأمة أصبح عدد من فنادق العاصمة أشبه بالحرم الجامعي، إذ بعدما عانت لأشهر من الهدوء، تشهد اليوم حركة لا تتوقف لطلاب يسكنون أو يدرسون فيها
سيبدو من المستغرب لزائر دمشق فهم عدم قدرته في العثور على غرفة فارغة في غالبية فنادقها، وخاصة تلك المتمركزة وسط العاصمة وتحديداً في منطقة المرجة. ولن يسطيع هذا الزائر إدراك هذه الكثافة في الحجوزات في بلد يعاني من الحرب والمشكلات الأمنية منذ أكثر من سنتين، ومن غير المنطقي أن يؤمّه السياح.
لكن بمجرد الاقتراب ومتابعة حركة النزلاء ستعرف أنهم سوريون، ومن لهجات مختلفة وأيضاً من مستويات متفاوتة. فالفنادق الدمشقية الرخيصة والتي لا تتجاوز النجوم الثلاث ــ في أفضل حال ــ استقبلت أعداداً ضخمة من النازحين السوريين ممن اضطروا تحت تأثير القصف والاضطرابات الأمنية لترك بيوتهم وحاجياتهم واستأجروا غرفة فندقية.
حالة اللجوء هذه، وما حملت من قسوة ديمغرافية واجتماعية كانت طوق نجاة لهذه الفنادق من تهديد وشيك بالإفلاس، كحال فنادق دمشق ذات الخمس نجوم التي تفتقد النزلاء إلا من بعض الوفود الرسمية القادمة من هنا، أو المجموعات الإعلامية الآتية من هناك. ومؤخراً أمست أشبه بالحرم الجامعي بعدما أجّرت قاعاتها وصالاتها للجامعات الخاصة التي نزحت إليها مع طلابها وموظفيها.
القصة بدأت مع الفصل الدراسي الأول للسنة الفائتة، حينما بدأت إدارات الجامعات الخاصة المنتشرة في بعض مناطق ريف دمشق الساخنة أو على طريق درعا، بمخاطبة وزارة التعليم العالي وطلبت إليها منحهم التسهيلات للانتقال إلى أماكن ذات وضع أمني أفضل. لم تصدر الوزارة، حينها، أي تعميم خاص بهذا الشأن وإن كانت خاطبت منذ بداية العام كافة الجامعات وطلبت منهم استمرار العمل ومتابعة العملية التدريسية بالشكل الملائم. ولكن وبعد تكرار الطلبات واستمرار الوضع بالتراجع درست هذه الطلبات وسمحت لأصحابها ممن يملكون مبرراً ملموساً بالانتقال إلى العاصمة.
ويشير المصدر إلى أنّ الوزارة خصصت لجان لدراسة المقار الجديدة والتأكد من تمتعها بالشروط المناسبة التعليمية، مؤكداً أن ظروف غالبية الجامعات مقبولة وهي ليست كالمقار السابقة، فهي تفتقد للمساحات الخضراء والملاعب والمطاعم وللمختبرات. ويضيف المصدر بأنّ بعض الجامعات الجديدة افتتحت مباشرة في دمشق وهي تستقبل طلابها فيها وستقدم مقرراتها أيضاً بالعاصمة. ولم يبق من الجامعات السابقة إلا واحدة ما زالت تعمل في مقرها الأساسي، نظراً لامتلاكها سكنها الجامعي الخاص ووجودها في منطقة مقبولة أمنياً.
قاعات فندقية :
ويخبرنا المسؤول عن شؤون الطلاب في إحدى الجامعات الخاصة، والتي كان لها مقر مميز في طريق درعا، بأنّ هذا الحل الاضطراري رغم أهميته من ناحية تأمين المكان الآمن، حمل سلبيات عدة، فالجامعات اليوم تتكبد أعباء مالية ضخمة بسبب استئجارها مقار جديدة ومكاتب إدارية، كما أنها اضطرت لإعادة تأهيل المقار الجديدة واستحضار تقنيات ومعدات جديدة لضمان سير العملية التعليمية. وأكّد أن الكثير من تجهيزات الجامعة بقيت في المقر الأساسي الواقع على طريق درعا، وهي كلفت ملايين الليرات ولا يمكن نقلها لتعذر ذلك.
ويبيّن هذا المسؤول الجامعي، بأن طريق درعا لا يمكن اعتباره ساخناً مقارنة بمناطق أخرى في سوريا، لكن ثمة مشاكل ترافقت مع وجودهم هناك تجسدت في صعوبة وصول أبناء درعا وريفها إلى الجامعة ــ رغم قربهم الجغرافي ــ نظراً لمعاناتهم من قطع الطريق حيناً ومن تأزم الأوضاع في مناطقهم أحياناً أخرى. وهؤلاء كانوا أكثر المتضطررين بعد الانتقال إلى دمشق إذ باتوا مضطرين لتحمل أعباء مالية جديدة تجسدت في استئجار سكن لهم داخل العاصمة.
ويتابع بأن الطريق الذي كان يستغرق أقل من ساعة لوصول الطلاب من دمشق إلى مقر الجامعة أصبح اليوم يحتاج إلى ساعات غير محددة نظراً للوضع الأمني الخاص وانتشار الحواجز وقطع الطرقات، الأمر الذي سبب غياب الكثيرين عن محاضراتهم وحتى عن امتحاناتهم وأدخل الجامعة في متاهة الدورات التكميلية.
سكن جامعي فندقي :
وفي زيارة لأحد فنادق دمشق القائمة بالقرب من جسر فكتوريا، ستجد حالة غريبة، وتعتقد نفسك داخل سكن جامعي، فالمكان مليء بالطلبة وبذويهم القادمين من مختلف المحافظات السورية ولاسيما درعا والسويداء، وهم يتابعون حالياً إجراءات تسجيلهم في السكن الجديد. وعند السؤال عن سبب هذه الكثافة، أكد أحد العاملين في الفندق، أن غرفهم باتت سكناً جامعياً لطلاب جامعة معينة من الجامعات الخاصة، ويشير بيده لفندق آخر قريب، ويوضح بأنه لجامعة أخرى، وفندق ثالث لجامعة ثالثة، وهكذا. وعن شؤون الطلاب داخل الفندق يخبرنا بأن كل جامعة عينت مشرفاً خاصاً لهذه المهمة، يسعى لضمان سلامة الطلاب ومتابعة شؤونهم. ويختتم بأن فندقهم كان على وشك الإغلاق لولا هذا التعاقد الأخير الذي وقعوه مع الجامعة، وهم بذلك ضمنوا استمرارية وجودهم كفندق، ومن خلال الأسعار المقبولة التي منحوها للطلاب قدموا لهم فرصة متابعة دراستهم وعدم الانقطاع.