اعلانات الهيدر – بجانب اللوجو

Al Masalla-News- Official Tourism Travel Portal News At Middle East

جانبى طويل

زيارة القدس معركة حقيقية لا مجرد “سياحة دينية” ! بقلم : حسن خاطر خبير

زيارة القدس معركة حقيقية لا مجرد "سياحة دينية" !

 

بقلم : حسن خاطر خبير …. مرة اخرى يتم تجديد فتوى تحريم زيارة القدس على المسلمين والمسيحيين ، بل ان هذه الفتوى الصادرة عن رابطة علماء فلسطين في غزة ومذيلة بتوقيع الدكتور ماهر الحولي تحرم الزيارة على كل المسلمين في العالم باستثناء أبناء فلسطين ، وأنا اؤكد مرة أخرى على احترامي الكبير لعلمائنا واجتهاداتهم حتى وان كانت مخالفة لما نراه في القدس ولما نلمسه على أرض الواقع ، ولا نشك  ان قصدهم هو مرضاة الله تعالى ، ولكن بقدر احسان الظن بعلمائنا الافاضل فاننا نستغرب من تكرار هذه الفتوى دون الأخذ بعين الاعتبار مصلحة القدس وأهلها المرابطين فيها والمدافعين عنها ، فالفتوى مبنية على درء مفاسد "موهومة" تتعلق بالاشخاص الزائرين، ولا تنطلق ابدا من تحقيق اية مصالح "لقضية الفتوى الجوهرية " وهي القدس وأهلها !

 

نحن نأمل ونعمل من اجل تحرير القدس من الاحتلال الصهيوني، ونؤمن بأن هذا اليوم قادم لا محالة ، ولكن من هنا الى ان يتحقق وعد الله ، ما هو دورنا وما هي مسؤوليتنا تجاه أولى القبلتين ومسرى الرسول (ص) ؟ هل يعقل ان يتلخص هذا الدور في "مقاطعة القدس" وكفى الله المؤمنين القتال ؟

 

لن ادخل في صراع على تفسير النصوص الشرعية فوالله اني اراها كلها تحث على الزيارة والمشاركة في معركة القدس والمقدسات ، ولم اجد الى اليوم نصا من القرآن الكريم او السنة المطهرة يدعو الى الانزواء أو السلبية في أي شأن من شؤون المسلمين ، صغر أم كبر ، فكيف والأمر يتعلق ببيت المقدس قبلة المسلمين وعقيدتهم ؟!

 

ان من أهم ما جاء في فتوى التحريم المشار اليها – وهي تلخيص لما سبق أن أفتى به فضيلة الدكتور القرضاوي – ما يلي " … وإذا قصر المسلمون في الجهاد للذود عن أوطانهم، والدفاع عن حماهم، واسترداد ما اغتصب من ديارهم، أو عجزوا عن ذلك لسبب أو لآخر، فإن دينهم يفرض عليهم مقاطعة عدوهم مقاطعة اقتصادية واجتماعية وثقافية وغيرها.

 

وهذا هو السلاح المتاح لهم، والقدر الممكن من الجهاد، وقد قال الله تعالى: {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [سورة الأنفال، الآية:60]، وفي الحديث الصحيح: "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم" متفق عليه؛ والمقاطعة بكافة أشكالها نوع من الجهاد، وعلى رأسها عدم زيارة المسجد الأقصى وهو تحت نير الاحتلال الصهيوني.

 

وعليه فإن السفر أو السياحة إلى كيان العدو الصهيوني الغاصب، لغير أبناء فلسطين حرام شرعاً، ولو كان ذلك بقصد ما يسمونه (السياحة الدينية) أو زيارة المسجد الأقصى، فما كلف الله المسلم أن يزور هذا المسجد، وهو أسير تحت نير دولة يهود، بل الذي كلف المسلمون به هو تحريره وإنقاذه من أيدي يهود الغاصبين، وإعادته وما حوله إلى عزة الإسلام.."

 

ولا أحد يختلف ابدا مع أن مقاطعة العدو الغاصب اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا ومحاربته عسكريا واعلاميا وعلى كل الصعد هو أمر واجب على الامة ، ولكن ما وقعت فيه الفتوى – دون قصد –  انها كرّست مقاطعة القدس ومقاطعة الأقصى ومقاطعة المقدسيين المرابطين ،تحت "عنوان" نحبه جميعا وهو "مقاطعة الاحتلال وعدم التطبيع معه" ولا شك اننا لا ندعو احد لزيارة القدس من اجل ان يشتري من اليهود أو يبيبت في فنادق اليهود أو يأكل من مطاعم اليهود أو يتعامل مع اليهود ، وانما ندعوا اخواننا المسلمين لزيارة الأقصى من اجل الصلاة فيه وقطع الطريق على قطعان المستوطنين ، وتعزيز صمود اخوانهم المرابطين في القدس بالشراء منهم والنوم في فنادقهم والاكل في مطاعمهم ورفع معنوياتهم ..

 

والاستمرار بعد العودة الى اوطانهم واماكن عملهم في مناصرة هذه القضية العادلة وفضح ممارسات الاحتلال وجرائمه ،وهذا ما نسميه "المشاركة في معركة القدس والمقدسات " ، أما بخصوص قول الله تعالى :" {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [سورة الأنفال، الآية:60] فليس فيه ما ينفي زيارة القدس وهي تحت الاحتلال ، بل اني أرى ان استمرار وصول أفواج من المسلمين الى القدس في هذه الظروف العصيبة يعد من اهم الوسائل العملية لاحداث "رهبة" قوية ومباشرة في نفوس المستوطنين قد تردعهم عن الاستمرار في انتهاك حرمة الأقصى على تلك الصورة التي يشاهدها علماؤنا والعالم اجمع، ثم اني ارى ان نصرة المقدسيين ورفع معنوياتهم من خلال تواصل المسلمين معهم لا يعتبر من الاعداد الذي أمرنا الله به فحسب ،وانما اراه  كذلك جزءا من المعركة نفسها ، ولا أريد أن استرسل في مناقشة حجج الفتوى وأدلتها رغم أهمية ذلك ،ولكني أودّ أن أذكر علماءنا الأفاضل بشيء يسير مما يفعله الاحتلال بقدسنا ، كي يروا أين موقع هذه الفتوى مما يجري وأين تكمن مصلحة القدس والمقدسيين في نهاية المطاف .

 

هل نسيتم لماذا بنى الاحتلال الاسرائيلي جدار العزل العنصري حول القدس ؟ الجواب من أجل أن يعزل القدس عن عمقها الفلسطيني ويمنع الفلسطينيين من الوصول الى القدس والمقدسات ، وهذا ما يجري فعلا على الأرض ! هل نسيتم لماذا يفرض الاحتلال الصهيوني اكثر من اربعة عشرة نوعا من انواع الضرائب اضافة الى الكثير من المخالفات الأخرى على المقدسيين ؟ الجواب من اجل ان يقضي على الاقتصاد العربي المنهك في القدس ويدفع المقدسيين الى الهروب من هذا الجحيم الى خارج القدس أو الى خارج فلسطين ، وهذا ما يجري فعلا على الأرض !

 

هل نسيتم لماذا يمنع الاحتلال الصهيوني منح المقدسيين رخصا للبناء ويكثف من جرائمه في هدم البيوت والمباني السكنية والتجارية؟ الجواب هو مزيد من تضييق الخناق على المقدسيين بهدف تهجيرهم من بيوتهم وابعادهم عن القدس ، وهذا ما يجري فعلا على الأرض ! أم هل نسيتم لماذا يقيم الاحتلال الحواجز على مداخل البلدة القديمة وعلى ابواب الأقصى ولماذا يفرض الاجراءات الصارمة لمنع من هم دون الـ 50 من العمر من الصلاة في الأقصى ؟ الجواب ليضييق على الناس وينفرهم من شد الرحال الى الأقصى ويقلل عدد المصلين فيه ، وهذا ما يحصل فعلا على الأرض !

 

القائمة تطول ..الا أن هدفها في النهاية واحد وهو عزل القدس والأقصى وتحطيم الوجود العربي فيها … وابعاد الفلسطينيين عنها ،وهو هدف استراتيجي للإحتلال لا يختلف عليه اثنان ممن يتابعون مأساة القدس في هذا الزمان ،وهنا نتساءل هل فتوى "تحريم الزيارة" تصطدم بهذا الهدف أو تصطرع معه بأي شكل من الاشكال ؟ الجواب ليس فقط "لا" وانما – للأسف – نجد أن هناك تكاملا عجيبا وغريبا بين "الهدف الاستراتيجي للاحتلال " الذي اشرنا اليه ،وبين فتوى "التحريم" التي يتم اخراجها وتكرارها بين الحين والآخر ، فالاحتلال يحقق نجاحا متزايدا في عزل القدس والأقصى

 

عن أبناء فلسطين ، والفتوى تستمر في عزل القدس والأقصى عن ابناء الامة ، والنتيجة المرة أن "القبلة الأولى للمسلمين " تكاد تلفظ أنفاسها العربية خلف هذين الجدارين ، "جدار العزل العنصري " الذي بناه الاحتلال ، وجدار "العزل الديني " الذي بناه علماء التحريم  والقدس ليس فقط لا مصلحة لها في هذا "التحريم" بل هي أيضا ضحية هذا "الموقف الديني الاسلامي " بنفس القدر الذي هي فيه ضحية تلك الجريمة العنصرية الصهيونية ، مع فارق أن الأولى هي "جريمة ذوي القربى " رغم عفويتها ، في حين أن الثانية هي "جريمة العدو" وهي مع سبق الاصرار والتخطيط والترصد !!

 

ومن حقي ان اتساءل لماذا لا يؤخذ بعين الاعتبار ما يفعله الاحتلال للاستحواذ على القدس اضافة لما قام ويقوم به من جرائم يومية تهدف الى تفريغ القدس من أهلها وابنائها الشرعيين ؟! فمنذ أن تم احتلال القسم الشرقي من مدينة القدس عام 1967م قامت "الحاخمية الاسرائيلية "بتثبيت قطعة من الحديد السميك بالقرب من باب الخليل – احد ابواب القدس القديمة – تحوي فتوى دينية باللغة العبرية تحرم على اليهود الصعود الى " جبل الهيكل" – منطقة الأقصى- لأنهم "غير طاهرين" بما فيه الكفاية ، والعجيب ان " فتوى التحريم اليهودية " هذه قد تآكلت بسرعة وانمحت من عقيدة ووجدان الصهاينة رغم انها منقوشة على الحديد ،ولم يعد أحد من صهاينة العالم يلقي لها بالا ، لتحل محلها "فتوى التحريم الاسلامي " !!

 

والصورة اليوم اصبحت تتلخص في قيام "الحاخامات اليهود" بتطويع الآيات والنصوص الدينية بما يفرض على يهود اسرائيل والعالم "شد الرحال " الى الأقصى ..وأصبح الحاخامات هم الذين "يسوقون" الافواج تلو الافواج الى داخل أقصانا ومسرى نبينا (ص) من الاطفال والنساء ورجال الدين والضباط والجنود .. وحتى من السواح اليهود وغير اليهود الذين يقدمون من مختلف قارات العالم ،وها هم اليوم يسرحون ويمرحون ويصلون في الأقصى في جل الايام وفي كل الاعياد وعلى مدار السنة ، وفي المقابل نجد " علماء التحريم " يقوموا بتعطيل الايات القرآنية والاحاديث النبوية التي تحث على شد الرحال وتوثيق العلاقة بمسرى الرسول (ص) ، بل ان هناك من أعلن ان الايات والاحاديث المتعلقة بالأقصى وشد الرحال لا "توجب" زيارة الأقصى أو القدس، ولا ندري لمصلحة من يقال مثل هذا الكلام الذي يريد اصحابه ان يجعلوه كلاما باسم الله وباسم رسوله ؟!وهذا يدفعنا الى التساؤل عما اذا كان هؤلاء يدركون شيئا من معاناة القدس والأقصى تحت الاحتلال ؟!

 

ان "تبادل المواقع" بين فتوى علماء المسلمين وفتوى رجال الدين اليهود فيما يتعلق بالعلاقة الدينية بالقدس ، يعد في نظري من أهم وأخطر الاسباب التي أوصلت أوضاع القدس والأقصى اليوم الى ما آلت اليه،وحتى فيما يمكن ان تنحدر اليه  في الامد القريب والمتوسط . رغم ان القدس عاشت ظروفا أكثر صعوبا على يد الاحتلال الصليبي ، حيث حوّل الأقصى الى مقر للقيادة الغازية واسطبلات للخيول وحولت قبة الصخرة الى كنيسة ، ومنع الآذان وعطلت الصلاة تماما لما يقرب من قرن من الزمن ، الا أن احدا من العلماء لم يصدر "فتوى" تحرم زيارة القدس ، وانما بقيت هذه المسألة تخضع للتقييم والتقدير من قبل الشخص أو الجهة التي تفكر في مثل هذه الزيارة ، فاذا أمن الانسان على "حياته" و "حريته" و"دينه" و"ماله" فمن يستطيع ان يقول له ان زيارته لأهله ومقدساته هناك حرام ؟!

 

صحيح ان اليهود اليوم اشتهروا بحرصهم على تجنيد اكبر قدر من العملاء على مستوى العالم ، وهم يستغلون المعابر احيانا لمثل هذا الغرض ، الا أنه يمكن التغلب على ذلك من خلال السفر في "أفواج" سياحية وليس سفرا فرديا ، رغم ان "خطر التجنيد" أصبح يقتحم بيوت المسلمين وغيرهم اينما كانوا في العالم ،بواسطة وسائل الاتصال والتواصل الموجودة في كل بيت ، وأنا لا أصدر بذلك فتوى ،وانما أجدد ما كنت قد دعوت اليه في اكثر من مناسبة وعبر أكثر من وسيلة اعلام ، وخلاصته ان يجتمع نخبة من علمائنا المشهود لهم بالعلم ،ومن مختلف القارات الخمس، وبمشاركة من زعماء الطوائف المسيحية أيضا ،في مؤتمر يختص ببحث هذه المسألة دون غيرها،على أن يستمعوا أولا الى مختصين من ابناء القدس ، يقدمون أوراقا علمية دقيقة تشخص واقع المدينة واهلها ،ومخططات الاحتلال واهدافه الاستراتيجية تجاهها وتجاه اهلها ومقدساتها ، ثم يناقشوا هؤلاء المختصين نقاشا علميا ، ثم بعد ذلك يعكفوا على تداول الامر فيما بينهم ، ليخرجوا  بالفتوى التي يرون فيها مصلحة هذه القضية وأهلها .

الا ان ما حدث ويحدث الى اليوم بعيد كل البعد عن هذه المنهجية ، وهو أقرب الى مواقف سياسية منه الى فتوى دينية ، وهي في معظمها مبنية على "فرضيات خاطئة" كالقول " أن زيارة القدس تحت الاحتلال تطبيع " ! ومن خلال معايشتي ومعاينيتي أستطيع ان أحكم على هذه المقولة بالخطأ بنسبة لا تقل عن 95% ، فالتطبيع كما هو في اللغة وفي الحقيقة يعني اقامة علاقة طبيعية مع الاحتلال – علاقة السمن بالعسل-  وهذه جريمة وخيانة ليس فقط للقدس والأقصى وانما للشعب الفلسطيني وللامة جمعاء

 

وأنا واثق أن كل من يزور القدس والأقصى ، بل والاراضي المحتلة ، ويرى بعينه ما يرتكبه جنود الاحتلال في حق اخوانهم الفلسطينيين وفي حق مقدساتهم الاسلامية والمسيحية ، وفي حق الحرية والشعوب المقهورة ،سيخرج بقناعة راسخة ان الاحتلال ليس فقط عدوا للفلسطينيين وانما هو عدو لكل الاحرار في العالم ، ونتيجة هذه القناعات استشهد على أرض فلسطين عشرات من العرب والمسلمين ،وكثير من الاوروبيين والامريكان ، لعل من أشهرهم الفتاة الامريكية الشابة " راتشيل خوري " التي جاءت الى غزة ضمن اطار حركة التضامن العالمية وقتلت في رفح تحت جنازير جرافات الاحتلال بتاريخ 16/3/2003م  عندما كانت تتصدى لجرائم الاحتلال في تدمير منازل الفلسطينيين ، فمواقف هذه الفتاة اليهودية الامريكية التي لم يتجاوز عمرها 24 سنة تنسف "فرضية التطبيع " من جذورها ، والامثلة على ذلك كثيرة ، فاذا نجح هؤلاء الشباب الصغار من غير المسلمين في مقاومة الاحتلال وعدم التطبيع معه فلماذا نخاف أن يخفق شبابنا وعلماؤنا ؟!

اما بخصوص التأشيرة الاسرائيلية ووضع الختم على الجواز وغير ذلك من هذه الشكليات ، فلا شك ان ذلك لا يسرّ أحدا من الاحرار في هذا العالم ، ولكن أود أن اذكر الجميع أننا نحن في القدس وفلسطين نحمل بطاقات هوية اسرائيلية، ومنا من يحمل جواز سفر اسرائيلي ومنا من هم اعضاء في الكنيست الاسرائيلي ، ولا نستطيع ان ندخل او نخرج الا بالاختام الاسرائيلية ، بل وكثير منا يتحدثون اللغة العبرية ، ونشتري منهم طعامنا وشرابنا ، ونأخذ منهم كافة خدماتنا كالكهرباء والماء والوقود ….

 

ولكن رغم ذلك فهذا الشعب –  وليس أي شعب آخر- هو "العدو الأول" لدولة الاحتلال في العالم ، وهذا يعني أن جميع هذه الشكليات وغيرها مما اشرنا اليه يقع ضمن دائرة "العوامل المحايدة" في الصراع مع الاسرائيليين ، ومخطيء تماما كل من يظن ان الاحتكاك بصور الاحتلال المختلفة يمكن ان "يولد تطبيع" ، ويعتبر مخطيء بنفس الدرجة أيضا كل من يظن ان "العداء للاحتلال" يمكن ان يستمر أو يتفاعل "بمزيد" من الانعزال والابتعاد عن ساحة المعركة ، وانا اجد في تاريخنا الاسلامي قصة عبدالله بن حذافة السهمي، وقبوله بتقبيل رأس كبير الروم في سبيل تحقيق مصلحة لنفر من المسلمين، وموافقة عمر بن الخطاب لموقفه ،بل وتقبيل عمر لرأسه مع سائر الحاضرين لمجلسه من كبار الصحابة ،نموذجا حيا يمكن ان نقيس عليه فيما يتعلق بشروط "اليهود" لزيارة المقدسيين واولى القبلتين.

 

أنا أفهم أن يكون هناك ترشيد للعلاقة بالقدس ، وان يمنع على الزائرين التواصل مع قيادات الاحتلال ورموزه السياسية والعسكرية ، كما فعل وفد الشخصيات الاسلامية الفرنسية الذي زار القدس ومن ثم شاهدنا صور أعضائه يجلسون مع شمعون بيرز  رئيس دولة الاحتلال ، أو التعاطي مع مؤسساته ومرافقه السياحية ، كالفنادق والمطاعم ، وغيرها ،فالترشيد والتوجيه والتثقيف والتوعية امور اساسية ولا بد منها ، وهي في ظني "مهمّة" أكثر صعوبة بكثير من التحريم ، لأن القبول بهذه المهمة وخوض هذا التحدي من قبل العلماء هو في نظري "مشاركة فعلية" في معركة القدس والمقدسات ، وهو ما ندعو اليه ، في حين ان التحريم هو "رفع الراية البيضاء" والانسحاب من المعركة ، بل وتمكين المحتل من استكمال جرائمه في القدس دون اي ازعاج أو تشويش !!

 

ان شد الرحال الى القدس والأقصى ليس مجرد سياحة دينية كما يظن البعض، بل هو ايضا مشاركة في المعركة السياسية والمعركة الاقتصادية والمعركة الثقافية والمعركة المصيرية للقدس والأقصى . فاجراءات الاحتلال وجرائمه المتواصلة والمنظمة توشك ان تحيل القدس الى مدينة اشباح ، بل هي حولتها الى "حارة يهودية " على حساب هويتها العربية والاسلامية ، فاضافة الى طوفان المستوطنين الذي ينساب على مدار اليوم والليلة في شوارع المدينة وازقتها ، فهناك أيضا 100 بؤرة استيطانية خطيرة باتت تطوق المسجد الأقصى وتطبق على انفاس البلدة القديمة ، البعض يسميها "كنس" ولو كانت كنسا لكانت أهون الشرين ، بل هي "بؤر" والبؤر أشبه ما تكون "بالاوكار" بل هي اوكار بالفعل، تجتمع فيها جماعات دينية متطرفة تخطط وتحرض على الأقصى والقدس وعلى العرب والمسلمين ، ولا أحد يستطيع أن يتنبأ  بـ"حجم الشر" الذي سيتطاير من هذه الاوكار، ليس على القدس وأهلها فحسب بل وعلى المنطقة باكملها!

 

في المقابل ادى عزل القدس  على مدار العقود الماضية الى خراب اسواقها وارتفاع نسبة الفقر بين أهلها حيث تجاوزت النسبة الـ80% وتضاعف حجم الاضطهاد للمرابطين فيها ، الامر الذي بدأ ينعكس في "تسارع التسرب" نحو مناطق السلطة الفلسطينية فرارا من هذا الجحيم ، وأنا أستطيع أن أؤكد أن الأرقام الحقيقة لهذا "التسرب الصامت" الى خارج القدس يجب أن تثير الرعب في قلوب المخلصين من ابناء هذه الامة ، والمعادلة التي يجهلها كثير من علمائنا الأفاضل أن كل محل تجاري يغلق بابه ،وكل بيت يهجره أصحابه في البلدة القديمة، يصبح هدفا آنيا للجمعيات الاستيطانية المتربصة ، ومن يريد ان يعرف عدد البؤر الاستيطانية "المحتملة" فليحسب عدد الابواب المغلقة والبيوت المهجورة !

 

والخطير ان اصحاب هذه المحال والبيوت التي نتحدث عنها هم انفسهم أصحاب الأقصى والمصلين فيه والمدافعين عن هويته وقدسيته ، فاذا غيّب هؤلاء عن بيوتهم ومحالهم فمن يبق لبيت الله! لهذه الاسباب وغيرها ننظر الى شد الرحال الى القدس على انه معركة لها أهدافها الاستراتيجية في الصراع مع الاحتلال وليس مجرد "نزهة دينية " ، وعلى راس هذه الاهداف اعادة الحركة الى شوارع القدس وازقتها ، وبعث الحياة وسط المقدسيين ، واعمار المسجد الأقصى  وتكثيف الوجود الاسلامي – وليس فقط الفلسطيني- في ساحاته ومرافقه ، وهذه الصورة ان تحققت ستقطع الطريق على "طوفان المستوطنين" الذي يكاد يغرق المدينة وأقصاها على مدار العام ، فليس هناك أفضل من أن نملأ الزجاجة بالماء ان أردنا أن نطرد منها الهواء .

 

المصدر : هنا القدس

 

نبذة عن الكاتب

مقالات ذات صله

error: Disabled