عودة الحياة إلى فنادق دمشق الشعبية
دمشق " المسلة " … عانى أصحاب الفنادق من صعوبات كبيرة مع بداية الأزمة، ولاسيما أصحاب الفنادق التي كانت تعتمد على السياح العرب والأجانب، وكذلك الفنادق الشعبية،والفنادق التي كان يرتادها زوار الأضرحة والمواقع الأثرية الدينية، واضطر العديد من هؤلاء إلى الاستغناء عن 50 % أو أكثر من العاملين لديهم، لكن وخلال الأسابيع الأخيرة، وبعد أن كثف المسلحون عملياتهم الإرهابية في حلب ودير الزور وفي غيرها من المدن، توجه العديد من الأسر المهجرة إلى تلك الفنادق للإقامة فيها بشكل مؤقت نظراً لارتفاع أجور الشقق في دمشق وأحيائها، ولتعذر وجود الشقق المعدّة للإيجار في كثير من الأحيان..
هذه الظاهرة تعامل معها أصحاب الفنادق بطرق مختلفة بعضهم آثر أن يخفض أجور الغرف والخدمات إلى حوالي 50% ليضمن إشغالاً مناسباً لاستمرار العمل، فيما عمد الآخرون إلى التمسك بأسعارهم القديمة، مع التساهل وغض النظر عن إضافة أسرة جديدة في الغرفة الواحدة لتتسع لستة أشخاص من عائلة واحدة.. فيما تناقص عدد العمال الذين يقدمون الخدمات مع تراجع ملحوظ للخدمات في كثير من الأحيان.. ومع أملنا الكبير في انتهاء الأزمة، وعودة المهجرين إلى منازلهم، فإننا على أمل أن تعود السياحة الداخلية والخارجية إلى عهدها السابق، وأن ترتفع نسبة الاشغالات في تلك الفنادق ليعود مئات العمال إلى أعمالهم.. مع التذكير بضرورة أن تبقى الفنادق تحت الرقابة للحفاظ على أسعار لا تغبن المرتادين، ومستوى خدمات مناسب، مع مناشدة الجهات التي تقدم المساعدات للمهجرين الذين ذهبوا إلى المدارس والى مراكز الإيواء، بأن تولي من توجه إلى الفنادق العناية النفسية والمادية، خاصة إذا طالت إقامتهم وتآكلت مدخراتهم.
من فندق إلى مقهى
التقينا محمد الشايب- صاحب فندق فقال: في السابق كان معظم رواد فندقنا من الأجانب لأنه تراثي وقديم إذ يعود تاريخ بنائه لأكثر من مئتي عام مضت، وأما في الوقت الحالي وفي ظل الأزمة التي يعيشها بلدنا فقد تأثرنا بشكل كبير لاسيما بعدما تراجعت نسبة السياح الأجانب إلى حدود 1 بالألف إضافة إلى انخفاض نسبة السياحة الداخلية (القادمون من المحافظات) إلى حدود 80% ما اضطرنا إلى تقديم عروض مشجعة للراغبين بالإقامة لدينا من خلال تخفيض أجور المنامة إلى 50% فسعر الغرفة أصبح حالياً 500 ليرة بعد أن كان في السابق ألف ليرة علماً بأن الغرفة تتضمن جميع المتطلبات من أسرة ومكيف وحمام إضافة إلى غسيل الثياب وهو مجاني أيضاً إلا أن هذه العروض لم تفِ بالغرض المرجو منها وهذا ما دفع بنا إلى تسريح العديد من عمالنا… وأمام هذه الظروف قرر الشايب تحويل هذا الفندق التراثي إلى مقهى للمشروبات والآراكيل كون مرتاديها اكثر هذه الأيام.
مقصد للمتضررين
وبدوره قال لنا أبو فادي – صاحب فندق: أملك فندقاً شعبياً قديماً عمره التاريخي أكثر من 150 سنة وهو مصنف بنجمة واحدة ويبلغ عدد العاملين لدي أربعة عمال وهو عبارة عن طابقين ويحوي 12 غرفة، وفي ظل الظروف الحالية ومنذ شهرين زاد الإقبال على فندقنا ووصلت نسبة الأشغال إلى 100% ولاسيما من قبل الذين غادروا بيوتهم بسبب وجود العصابات المسلحة التي دمرت البشر والحجر، فنحن نؤجر بشكل يومي وأجرة الغرفة لدينا والتي تتسع لعائلة كبيرة بين 4-6 أشخاص 600 ليرة وبمستوى خدمات جيد، اما الغرف التي يوجد ضمنها حمام ومكيف فنؤجرها بسعر أعلى وهو ألف ليرة لليلة الواحدة… وتمنى أبو فادي من وزارة السياحة زيادة عدد الفنادق الشعبية أسوة بفنادق خمس نجوم لأنها مناسبة لذوي الدخل المحدود والطلب عليها يزداد بشكل تدريجي.
مساعدة وطلبات
أكد العديد من أصحاب الفنادق أن الكثير من الأسر المتضررة باتت تفضل الفنادق الشعبية على استئجار البيوت كونها تقدم خدمات أفضل وبأسعار أرخص إذ ذكر لنا أحد أصحاب الفنادق أن رواد الفندق حالياً أغلبهم من المتضررين حيث لا يوجد في البلد سياحة داخلية ولا خارجية وهناك العديد من الأشخاص الذين يأتون إلى الفندق ويضطرون للنوم في الممرات وذلك بسبب الازدحام في الغرف.. وأضاف قائلاً (نعاني من ازدحام كبير في الإيواء نتيجة الازدحام الذي فرضته الأزمة مطالباً وزارة السياحة بزيادة عدد الفنادق الشعبية إضافة إلى تخفيض الضرائب والرسوم المفروضة عليها لحين انتهاء الازمة وذلك لحمايتها من الإغلاق في المستقبل كونها تقدم أموالاً طائلة لخزينة الدولة وتشغل آلاف الأيدي العاملة.
هموم أخرى
لم تتوقف الشكاوى عن تراجع الإشغالات في الفنادق فحسب بل تعدتها إلى العاملين في هذه الفنادق الذين اشتكوا من تدني أجورهم وتراجع نسبة الرواد وكذلك تسريح عدد كبير منهم باتوا من دون عمل.
أحمد سعيد يعمل في أحد الفنادق الشعبية قال: منذ شهر ونصف بات هناك إقبال جيد من قبل المتضررين الذين فروا من العصابات المسلحة سواء من ريف دمشق أو من المحافظات الأخرى كحمص وحلب ووصلت نسبة الإشغال هذا الشهر قرابة 90% ولا يوجد في الفندق سوى عشرة عمال مشرفين عليهم لتغطية 55 غرفة ومع تخفيض أسعار الغرف لا يتم تعويضنا عن العمل الإضافي الذي نقوم به لذلك يجب الضغط من قبل الجهات المعنية على أصحاب الفنادق لمطالبتهم برفع أجور العمال وكذلك تسجيلهم في التأمينات الاجتماعية كون العديد من العمال غير مسجلين فيها كما أن أرباب العمل يحاولون التهرب من هذا الأمر.
أسعار متفاوتة
لعل ما يزيد من غرابة الموقف التفاوت الكبير في أسعار الفنادق الشعبية حتى التي تنتمي لفئة واحدة حيث يعود هذا الأمر إلى مزاجية صاحب الفندق الذي قد يرأف بحال الأسر ويقوم بتأجيرها الغرفة بـ 300 ليرة فقط في حين يقوم بتأجير غرفة بـ1000 ليرة، كما يختلف سعر الغرفة حسب الخدمات المتوفرة فيها وعن هذا الأمر تحدث عبد الفتاح زوزو- صاحب فندق: نحن أمام حلين أحلاهما مر إما أن نغلق فنادقنا أو أن نرضى بتخفيض الأسعار رأفة بأحوال الناس، أحياناً اضطر لتخفيض أجرة الغرفة اليومية إلى 400 ليرة لكي لا ينام الناس في الشارع بينما تسعيرتها المحددة قبل هذه الأزمة 2000 ليرة سورية علماً أن فندقي مصنف بثلاث نجمات حتى أننا نضطر أحياناً لتشغيل أفراد بعض الأسر لدينا ضمن مهنتهم الأساسية لتخفيض العبء عليهم…
وعن الصعوبات التي تواجهه كصاحب فندق أكد زوزو المعاناة التي يعانيها في تأمين المواد الأساسية للفندق لعل أهمها مادة المازوت هذا إضافة إلى مشكلة تأمين المياه فالمحافظة تعمل على قطع المياه عن المنطقة المكتظة بالفنادق الشعبية منذ الساعة 12.5 ظهراً إلى الساعة الرابعة من صباح اليوم التالي.
تباين في الآراء حول الخدمات!
أما عن أحوال مرتادي هذه الفنادق فقد تباينت آراؤهم بين الإيجابي والسلبي حيث توجه البعض منهم بالشكر إلى إدارات هذه الفنادق التي احتوتهم مع عائلاتهم عندما ضاقت بهم السبل في حين اشتكى آخرون من انخفاض مستوى الخدمات الموجودة في هذه الفنادق إضافة إلى غلاء أجورها.
أبو سمير يسكن حالياً مع عائلته المكونة من سبعة أشخاص في أحد الفنادق بعد أن هجروا من مدينة دير الزور ويقول: نعاني من ضيق المكان وليست لدينا القدرة المالية على استئجار غرف أخرى بسبب عدم توافر دخل مادي خصوصاً أننا نضطر يومياً للخروج من الفندق لشراء حاجياتنا الأساسية كونها غير متوافرة داخله… وعن الأجر الذي يدفعه وعائلته لقاء المنامة اليومية في الفندق قال: على الرغم من كون الفندق الذي أقطنه مصنف بنجمة واحدة إلا أن الأجار اليومي الذي أدفعه يبلغ 1200 ليرة، ويعد هذا الآجار مرتفعاً إذا ما لاحظت سوء الخدمات الموجودة ضمن الغرفة فلا وجود لمكيف بالغرفة ولا حمام ولا مياه ساخنة للحمام وحتى مياه الشرب نضطر لشرائها.
وناشد أبو سمير وزارة السياحة أو المحافظة للقيام بجولات مراقبة لهذه الفنادق وتحديد تسعيرة رسمية لها تكون منصفة لذوي الدخل المحدود.
أما أبو عمر فيقول: أنا سعيد لأنني تمكنت أخيراً من إيجاد مأوى لي ولعائلي حيث لم نستطع إيجاد غرف شاغرة في العديد من الفنادق قبل أن نتمكن أخيراً وبعد معاناة كبيرة من الحصول على غرفة متواضعة تؤويني وعائلتي أفضل من البقاء في الشارع أو استئجار شقة مرتفعة الأجار هذا إن وجدت هذه الشقة.
أما أبو ثائر فاشتكى من تدني مستوى الخدمات في معظم الفنادق الشعبية التي يعرفها خصوصاً الخدمات الصحية منها حيث قال: على الرغم من غلاء أسعار الفنادق الشعبية المصنفة بنجمة واحدة والتي بات بعض أصحابها يستغلون زيادة المرتادين إليها وخاصة في هذه الظروف فلا تسعيرة رسمية يتم التقيد بها إذ بإمكانك إيجاد أجار الغرفة الواحدة بـ400 ليرة في حين تجد غرفاً في فنادق أخرى تصل أجرة الليلة الواحدة فيها إلى أكثر من 1500 ليرة.
وأضاف أبو ثائر: نحن نعلم أننا نقطن في فندق نجمة واحدة ولكن تجب مراعاة أننا مهجرون وبالتالي يجب الاعتناء أكثر بنظافة الفندق وخدماته المقدمة وذلك حرصاً على سلامتنا وأطفالنا من أي مرض.
نساعد الأكثر احتياجاً
طيف علي من فريق شباب دمشق التطوعي قالت: نحن كفريق نحاول قدر المستطاع مساعدة أهالينا من كل المحافظات السورية الذين اضطروا لترك منازلهم نتيجة لوجود العصابات المسلحة.
نقوم بزيارات ميدانية للمتضررين الموجودين في الحدائق ونعمل على مساعدتهم باصطحابهم إلى مراكز لإيوائهم ونقدم لهم كل ما يحتاجونه من معالجة صحية وتقديم الأدوية والغذاء وحتى حليب الأطفال.
وتتابع: أما عن الذين اضطروا للنزول في الفنادق الشعبية فنحن كفريق تقدم خدماتنا ومساعدتنا للمواطنين الأكثر احتياجاً ، مع التنويه بأن من لا يستطيع الاستمرار في الإنفاق على تكاليف الإقامة في الفنادق يمكنه إعلامنا أو مراجعة الجهات المعنية في محافظة دمشق لتأمين المأوى المناسب له ولأسرته وتقديم المساعدات الممكنة… مع الإشارة إلى أن البعض يرفض الذهاب معنا إلى مراكز الإيواء ويرى ان هنالك من هو أكثر حاجة منه إليها، فيما قد نجد من يخالف هذه الحالة بشكل جذري، وبعض من امتهنوا التسول يسعون لاستغلال ظروف الأزمة وتعاطي الاستجداء والتسول على أطفالهم مستغلين تساهل الشرطة في مكافحتهم… نتمنى من جميع المتضررين أن يعودوا إلى منازلهم فور عودة الأمان لها لإتاحة الفرصة لمن هو أشد حاجة للمساعدة.
دور المحافظة
وعن علاقة المحافظة بمراقبة خدمات الفنادق وأسعار الإقامة قال المهندس مازن قرزلي- مدير المهن والرخص: نحن نتعامل مع نزيل الفندق كمواطن قدم بكامل إرادته للنزول في هذا الفندق أو ذاك بغض النظر عن الأزمة أو عدم وجودها، وبالتالي فإن من حق هذا المواطن أن يحصل على الخدمات المطلوبة وبالأسعار المحددة والمعلن عنها في كل فندق على حدة فالمحافظة في الأساس هي التي تمنح التراخيص الإدارية لإقامة الفنادق، وكما تعمل على متابعة هذه التراخيص لعدم المخالفة، وفي حال ورود شكاوى إلينا من قبل رواد هذه الفنادق نذهب للتأكد إن كان هذا الفندق مرخصاً أو غير مرخص ومن ثم نحيل الشكوى إلى الجهات المعنية وغالباً ما تتولى وزارة السياحة الشكاوى المتعلقة باختصاصاتها بتلك الفنادق.
علاقة السياحة بالنجوم فقط
وعن علاقة وزارة السياحة بمعالجة الشكاوى التي يطرحها النزلاء فيما يتعلق بالأسعار أو الخدمات فقد قالت المهندسة راما الشيخ – مديرة المشروعات في وزارة السياحة: إن وزارة السياحة معنية بتصنيف المنشآت السياحية وتتابع كل ما يتعلق بالفنادق ابتداءً من نجمتين فما فوق وعلى استعداد لمعالجة كل الشكاوى التي ترد الوزارة بهذا الخصوص… اما فنادق النجمة والفنادق الشعبية ومعالجة شكاوى نزلائها فهي من اختصاص الجهة الإدارية التي تقع فيها تلك الفنادق (محافظة –مدينة).
تشرين.
هيئة التلفزيون السورى