أخر اهتمامات سلم السياحة: در الحجر..ارحموا قصر قومٍ ذل
صنعاء "المسلة" … (دار الحجر) قصر يتحدث عن نفسه ، وليس بحاجة إلى الكتابة عنه كلما دعت الحاجة التاريخية لذلك .. التاريخ هناك ينطق .. البصمات الحميرية تضع الكثير من التساؤلات والكثير الكثير من التأويلات .. عبقرية العقول اليمنية القديمة صنعت الحضارة ، العقول الحديثة عبثت بالحضارة تظن أنها تفوقت مع التطورات العصرية ، وهي تعيش في شخف القول ، وتلبد الفعل تعيش الحياة لتعبث في كل شيء حتى التاريخ ، والحضارة التي عجز الحاضر عن تفسير تفاصيل البناء فيه .. مسرحا للعبث بكافة أنواعه ، جميع تقليعاته المعتوهة .. العيش خارج التاريخ لا يصنع حاضراً، ولا يرى من خلف النوافذ مستقبل ممكن .. العيش خارج التاريخ انتحار لا يدركها المجتمع إلا بعد أن يفقد الناس إمكانية النهوض حتى وإن كان النهوض خطأ في بدايته.
دار الحجر ، أو قصر دار الحجر الذي تعاقب على سكنه الأئمة وصار اليوم قبلة السياح وهذا ما يجب أن يكون عليه لكنه مهمل إلا من البناء الأنيق المتكئ على جبل ثابت في قلب وادي ظهر فعل للتأمل الطويل بمكنون الآلات المستخدمة لتأسيس البناء على تلك الهيئة وحفر البئر بذاك الشكل ابتداء من أعلى الجبل حتى سفح الوادي النحت لدفن الموتى ، وغيره الكثير يقول تعالى: (ينحتون من الجبال بيوتا) لا شك أن البناء استغرق الكثير من الوقت حتى ينتصب القصر بذلك الشموخ .. لم يكن القدماء يصابون بالملل من تشييد القصور بتلك الصورة الفاتنة للألباب ،، ولا اعتقد أن شيئا من الضنك أو التعب كان يتسلل إلى أبدانهم أو سواعدهم التي عملت على أن يظل البناء تاريخيا يدل على آثار ما قدموا للحاضر ، والمستقبل في آن واحد.
بالفعل قدموا للتاريخ ما كانوا يعتقدون أن بإمكان الحاضر أن يحافظ على الماضي الجميل ويجعل منه مزارا اقتصاديا تعيش الأمة من دخله .. التفكير بالدخل غطى على كل شيء وأبقى الحضارة دون تطوير أو حتى لمجرد التفكير بإمكانية إيصال الطريق إلى تلك الحضارة البديعة.
الطريق من أمانة العاصمة ابتداء من جدر إلى قرية وادي ظهر معبدة ولا تأخذ من الوقت أكثر من عشر دقائق .. القرية أيضاً مرصوفة بالأحجار كما هو الحال في صنعاء القديمة .. البناء تاريخي بالفعل تشبه إلى حد ما ذاك الجمال في البناء بصنعاء القديمة تنام القرية تحت سفح الجبل الصلب الذي يشبه الجبل الذي بني عليه دار الحجر أو يعد امتدادا له يفصل القرية عن قصر دار الحجر واد للسيول .. القرية معبدة بالأحجار حتى أول نقطة من الوادي المتتد حتى دار الحجر من هناك الطريق التي تأخذ نصف ساعة مشيا على الأقدام نصف ساعة من طريق متعرجة وليست معبدة .. سنوات مرت وحكومات تتعاقب والطريق من القرية إلى القصر ليست معبدة .. يقول البعض أن السائلة تلك بحاجة إلى جسرحتى لا تخربها السيول .. حسنا لن تكلف الكثير من المال إذن طالما أن السائح يضخ الكثير من المال عندما يزور المكان .. ناهيك عن السياحة المحلية في الأعياد .. الكثير من النقود .. تذهب إلى خزينة الدولة إن لم يكن هناك فساد وعبث في المال .. الأغرب أن الطريق الفرعية تلك مليئة بالمستنقعات الناتجة عن المجاري لعدم وجود صرف صحي ..
والأمر لا بد أن يشق تلك المستنقعات ذهابا وإيابا .. سؤال افتراضي ، ماذا يقول السائح عندما يشق بسيارته ذاك العبث الآدمي .. الكثير من اللعنات ستذهب إى من يستحقها ولن تعود إلى صاحبها .. إلى عبث ذاك .. توجد طريق أخرى من اتجاه (مذبح – نخلان) لكنها أيضا معبدة إلى مكان محدد وبقية الطريق إلى دار الحجر سائلة .. الزائر لا يجد وسيلة مواصلات إذا تأخر حتى المغرب أو أراد العودة باكرا .. لا بد أن يكون لديك سيارة إذا زرت المكان ، أو على الأقل حاجز سيارة أجرة تعود لك في ساعة ما حسب اتفاق الزائر مع صاحب سيارة الأجرة .. حتى تكون مروجا جيدا لأماكن التاريخ الحضارية يجب أن تكون لديك طريقا جيدة ومواصلات لا تنقطع طوال اليوم.
أما في غياب الطريق والحرص على النظافة في حضرة مكان كهذا فأنت لست مروجا جيدا.. وأنت مسيئا للتاريخ والحضارة ومسيئا لبلدك التي يتوجب عليك احترامها.
اتفق مع من يقول أن أمر السياحة في أي بلد لا يستقيم إلا في واقع يسوده الأمن ولا تتخلله الحوادث المتكررة وهذا ما كنت أردده ويردده الكثيرون .. لكن عند الزيارة لآثارنا نجد أن الآن ليست المشكلة الوحيدة .. بل انعدام البنى التحتية وعدم الاهتمام بالمنتج السياحي هي المشكلة الكبرى ، وعدم الانتباه لذلك لا يظهر بلد يحترم خارجيا .. في الشهرين الماضيين نشرت صحيفة (الثورة) لقطة عن المخلفات التي تتقدم بوابة القصر في هذه الزيارة وجدنا براميل جديدة للمخلفات هناك .. غير أن الكائنات البشرية لاتزال في غيها لا ترمي المخلفات في البرميل المخصص لها بل في نفس المكان، وإن كانت هذه بكميات قليلة .. الحكومة المواطن لا يولون اهتماما لموضوع السياحة في بلد ، وأقصد هنا الحكومات السابقة التي اهتمت بتنمية موارد أعضائها ، ولا تهتم بتنمية موارد البلد .. أمام هذه الحكومة مهمات جمة من ضمنها المنتج السياحي الذي ينعش الاقتصاد في حال الاهتمام به.
الموظف الذي يقطع التذاكر .. علما أن التذكرة الواحدة بـ(٠٥١) ريالا ، وكم من الزائرين في الأعياد وأيام العطل يذهبون إلى دار الحجر الموظف قاطعني عندما كنت اتحدث أن الاهتمام ضعيف في هذا المعلم السياحي: (وزارة السياحة لا تهتم بالموظف فكيف ستهتم بالمكان) قالها الرجل بمرارة.
وأضاف: (السياحة لن تصلح وهذا حالها) تركته ومضيت في القصر رجل قابلته للتو لا يجيد الانجليزية إلا ما تعلمه من السياح كما يقول هو من يرشد السياح ويشرح لهم تفاصيل القصر وخفاياه .. الرجل ليس لديه الكثير من المعرفة عن القصر إلا ماهو شكلي وكتب أمامه مبعثرة بالعربية والانجليزية ما يدل على أن القصر كان لآخر إمام حكم اليمن .. تاريخ سبأ وحمير أين هو من هذا كله؟.. وزارة السياحة لم تكلف نفسها بتوظيف شخص كمرشد سياحي ويتحدث الانجليزية .. ليس موظفاً واحداً بل يتوجب توظيف فريق متكامل يستقبل الزائرين .. البلد بحاجة لترويج جيد يسر الناظرين، وهذا يتطلب عرضاً جيداً من قبل الوزارة أنظروا ماذا تفعل الدول العربية في هذا الأمر ولا تزيدوا.
فعلا ينتابك الحزن وأنت تنظر لحضارة عريقة لا تجد الطريق الجيدة التي توصلك إليها .. ويحزنك وأنت ترى حضارة .. لا تجد أحدا يقرأ للزائر مكنونات تلك الأماكن البديعة .. وكلما زاد الاهتمام زاد الدخل ، ورفد الاقتصاد الوطني المنهار حتى اللحظة.
المصدر: الاقتصادى