بقلم : محمود كامل … عندنا في الأرياف يسمون السياسة «بولوتيكا»، وهي تخريج من الكلمة الأجنبية الحاملة للمعنى، إلا أن كلمة «بولوتيكا» لها عند الفلاحين «مدلول» خاص وإن كان لا يبتعد كثيرا، حيث يعتبرونها «ضحك على الدقون»، ومقدمة للنصب «بمعسول الكلام» الذي سرعان ما يكتشفه «الذكاء الفطري» للفلاحين، إلا أنهم «يجارون المتحدث» فيما يقول، وإن اكتشفوا بداخلهم حقيقة ما يقول.
ويجنبهم ذلك الذكاء الفطري الوقوع في حبائل من يريد شراء أراضيهم بثمن بخس، أو من يريد مشاركتهم فيما يزرعون مقابل المعاونة في مصاريف الأسمدة أو مصاريف جمع المحصول، حيث يحصلون علي جزء من محصول لم يزرعوه، ولا حصدوه.
ويرتاب الفلاحون عادة في «أفنديات» العواصم -أو «البندر» كما يسمونهم- حتى لو حملوا أوراقا عليها «ختم النسر» يحسب الفلاحون أنها «أوراق مزورة» لاكتشافهم أن «منقار» نسر الحكومة يتجه إلي اليمين، بينما النسر الذي يحمله ختم أوراقهم يتجه منقاره إلى الشمال أو العكس، وهو ما يكشف المستور!
وفي جلسة حضرتها بدوار «جناب العمدة» حضرت عملية «بولوتيكا» كاملة أتى بها معهم «أفنديات» حضروا من القاهرة لإقناع العمدة ومعه أهل قريته بانتخاب أحدهم «المرشح المحتمل لرياسة الجمهورية» في ادعاء أن المرشح «راجل طيب» يؤدي الصلوات في وقتها، والزكوات في مواعيدها، ولا يفعل الموبقات، كما أنه لا يرتكب الكبائر، وتحدث فصيح الوفد عن ضرورة الموائمة و»التراضي» حول الرئيس القادم حتى لا يدخل الشعب في خلاف بالغ الضرر، وهي تعبيرات لم يفهم الفلاحون الذين ملأوا الدوار حرفا واحدا منها، وهو ما دعى أحدهم إلى سؤال العمدة: «ألاّ إيه هي الملائمة اللي قالوها يا با العمدة؟» فيرد عليه العمدة صارما: «اخرس أنت يا حمار» مع أن نفس السؤال كان علي طرف لسان جناب العمدة؟