لم تقتصر تداعيات ثورة الشباب المصري والتونسي على بلادهم فقط فيما يبدو، فقد بلغت شظاياها بريطانيا بعد ان كادت شركة توماس كوك، رابع اكبر شركة سياحية في العالم من حيث المبيعات، تعلن افلاسها الشهر الماضي، كما أنها أعلنت الأربعاء اعادة هيكلة اعمالها بشكل جذري في محاولة لاعادة الثقة الى المستثمرين والمستهلكين.
عزت الشركة تدهور نتائج اعمالها الى ضعف النشاط الاقتصادي في عدة بلدان والى الاضطرابات الصاخبة في مصر التي تشكل احدى اهم اسواقها. والشركة البريطانية ليست غريبة على مصر، فمؤسسها توماس كوك نظم اول رحلة للاهرامات عام 1869، ووصفها انذاك بانها حدث عظيم في تاريخ السياحة والسفر. ومنذ ذلك الوقت وعلى مر العقود كانت مصر قبلة لزبائن الشركة، اذ تقدر بيانات رسمية ان اكثر من مليون شخص زاروا مصر العام الماضي من خلال خدمات توماس كوك.
وفي اوج الثورة المصرية خصصت توماس كوك اكثر من 20 مليون جنيه لتغطية تكاليف اعادة السياح الى بلدانهم وتغيير وجهات سفر عدد اخر منهم الى مناطق اخرى. وبالرغم من محاولتها التركيز على منتجعات خارج المدن الرئيسية مثل شرم الشيخ والغردقة الا انها لم تنجح في استقطاب اعداد هائلة من السياح. وبلغ عدد السياح في مصر العام الماضي 12 مليون سائح دروا ايرادات تقدر 11 مليار دولار، وهو ما يجعل قطاع السياحة من اهم القطاعات الاقتصادية في مصر بنسبة 11 بالمئة من الناتج المحلي.
وكانت الشركة قد ارجأت قبل ثلاثة اسابيع الاعلان عن نتائج اعمالها بسبب نقص حاد في السيولة، وكان ذلك سببا كافيا لانهيار سعر اسهمها بسبعين بالمئة في يوم واحد قبل ان تسترد بعض خسائرها مع اعلان 17 مصرفا بريطانيا حزمة انقاذ عاجلة بقيمة 200 مليون جنيه استرليني.
لكن مع مواصلة توماس كوك انفاق 30 مليون جنيه في الاسبوع لحجز غرف الفنادق ورحلات الطائرات لاعادة بيعها في العام المقبل فقد تراكمت ديونها الى حدود مليار جنيه. وفي محاولة لتخفيف عبء الديون، أعلنت الشركة إغلاق مائتي مكتب للحجز على مدى عامين بما يعنيه ذلك من تسريح أعداد كبيرة من الموظفين، كما ستعمد لتقليص عدد طائراتها اضافة الى بيع عدد من فنادقها. وفي المقابل وضعت خططا طموحة لتطوير خدماتها عن طريق الانترنت.
وتعكس معاناة الشركة المخاطر التي تواجهها شركات السياحة بسبب عوامل خارجة عن قدرتها، كالاضطرابات السياسية، والكوارث الطبيعية والتغيرات التكنولوجية التي افرزت اساليب جديدة في ادارة القطاع السياحي وسمحت للمستخدم فرصا لم تكن متاحة له من قبل ومكنته من تجاوز الخدمات التقليدية التي تقدمها وكالات السياحة والسفر.
وبالرغم من نمو القطاع السياحي في السنوات الماضية فقد رافق ذلك احتدام المنافسة بين الوكالات التقليدية والاساليب الحديثة للبحث عن اماكن لقضاء العطلات. وجاء ذلك بعد بروز الانترنت كاداة فعالة في القضاء على الوسطاء. وتشير احدث البيانات الى ان الانترنت ساهمت في اوروربا بنحو 15 % من الحجوزات من سوق اجمالية تقدر بـ 240 مليار يورو. ومع اتضاح الازمة التي تمر بها توماس كوك، طلب رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون تقريرا خاصا عن الشركة التي تعتبرها الحكومة ارثا وطنيا وعلامة مميزة تمتد على مدى 170 عاما. ويعني انهيار الشركة ـ التي تسيّر 22 مليون رحلة سنويا بمبيعات قدرها 10 مليارات دولار، وتوظف 30 الف موطف ـ تسريحات بالجملة في وقت تعيش فيه بريطانيا ارتفاعا حادا في معدلات البطالة.
المصدر: أربيان بزنس