بالصور.. مغارة الميلاد بفلسطين حكايات وأسرار
كتب د. عبد الرحيم ريحان
يقول القديس لوقا البشير فى إنجيله " فولدت ابنها البكر وقمطته واضجعته فى المذود إذ لم يكن لهما موضع فى المنزل" لو 2: 7.، من هنا ندرك أن السيدة العذراء ولدت ابنها يسوع فى مذود او مغارة حقيرة حيث أن البيوت الفلسطينية القديمة كانت تبني على كهف أو مغارة فيقسم البيت لمكان المعيشة والنوم وأسفل ذلك مخصص للحيوانات ولهذا يقوم الغرب بتصوير المذود فى إسطبل ملئ بالحيوانات بينما أشار القديس يوستينوس بأن المذود كان بمغارة.
ومن هذا المنطلق رصدت الباحثة الآثارية سلفانا جورج عطا الله والحاصلة على ماجستير تاريخ وسيط معالم كنيسة المهد أو الميلاد هى الأولى بين الكنائس الثلاثة التى بناها الإمبراطور قسطنطين فى القرن الرابع الميلادى عام 335م حين أصبحت الديانة المسيحية ديانة رسمية بالإمبراطورية الرومانية
وتشير الباحثة سلفانا جورج عطا الله إلى أن كنيسة المهد تقع فى جنوب الضفة الغربية ببيت لحم بفلسطين وهى أقدم كنائس فلسطين وتقام فيها الطقوس الدينية منذ القرن السادس الميلادى حين شيد الإمبراطور جستنيان الكنيسة بشكلها الحالى حتى يومنا هذا بانتظام ولأهميتها التاريخية والآثرية تم أدراجها على قائمة التراث العالمي عام 2012
وتوضح أن الكنيسة عندما بناها الإمبراطور قسطنطين كانت مثمنة الشكل فى أساسها تحتوى على فتحة تؤدى الى مغارة الميلاد التى تحتوى على المزود المزين بالمرمر ويعلو المزود النجمة الفضية التى كتب عليها بالاتينية ما ترجمته " هنا ولد يسوع المسيح من العذراء مريم" بينما نجد غرب المغارة بازيلكا كبرى تتنتهى ببهو محاط بالأعمدة ويطل على بيت لحم
وتؤكد سلفانا جورج عطا الله أن الكنيسة تعرضت للدمار عدة مرات أولها عام 529م عندما دمرها السامريون ويعتقد أنهم جماعة من اليهود ينسبون إلى عاصمتهم القديمة السامرة وبعد ذلك أعاد الإمبراطور جستنيان بناء كنيسة المهد على نفس موقعها القديم ولكن بمساحة أكبر وكان ذلك فى عام 535م ولم تقف الاعتداءات على الكنيسة عند هذا الحد ففى سنوات الحروب بين الفرس والرومان التى تمكن فيها الإمبراطور هرقل من طرد الفرس من ممتلكات الدولة الرومانية عام 629م هدم الفرس كنيسة المهد عام 614م واستثنوا بعض مبانى الكنيسة عندما شاهدوا نماذج من الفن الفارسى الساسانى على أعمدة وجدران الكنسية وفى القرن الثانى عشر قام الصليبيون بتزيين الكنيسة بالفسيفساء على الجدران وبالرسومات على الأعمدة وبالرخام على الأرضيات واليوم ولم يبق منها إلى القليل بسبب تخريب الكنيسة من قبل الجنود الأتراك في الفترة العثمانية
وبخصوص المغارة الذى ولد بها السيد المسيح عليه السلام بكنيسة المهد توضح سلفانا جورج عطا الله أنها من أهم معالم الكنيسة وهى عبارة عن شكل قائم الزاوية تغطيه الأقمشة الأسبستية الحريرية الناعمة لحمايتها من الحرائق وأرضيتها من الرخام الأبيض وتزينها الكثير من أيقونات الميلاد والقديسيين بالإضافة إلى 15 قنديلاً فضياً وهم رمز للطوائف المسيحية فى العالم وعلى يمين الناظر إلى الهيكل الرئيسى نجد المغارة التى تُدعى «مغارة المجوس» حيث كان المذود الذى وضع فيه الطفل يسوع وفى آخر المغارة نجد بابا يؤدى بنا إلى مغارات عديدة تحت الأرض للمسيحيين الذين أرادوا دفنهم بالقرب من الأماكن المقدسة ويفتح هذا الباب خلال الاحتفالات الدينية اللاتينية فقط
وتقدم سلفانا جورج عطا الله وصفاً أثرياً للكنيسة موضحة أن واجهتها مدعمة بعدة عقود معمارية بنيت على مدار السنين كان فيها ثلاثة أبواب للدخول أما اليوم فلم يتبق منها سوى باب واحد وقد أضحى بدوره بالغ الصغر عبارة عن مدخل ضيّق منخفض وبالإمكان ملاحظة آثار الأبواب التي تعود إلى مختلف الحقب فوق المدخل ذات أسلوب الزخرفة البيزنطية ويؤدى المدخل الضيق إلى دهليز مظلم بسبب إغلاق جميع نوافذ الواجهة ثم نجد بابا خشبيا نحته فنانون أرمنيون عام 1227م يؤدّي بنا إلى داخل الكنيسة
وتنقسم الكنيسة إلى خمسة أروقة تفصل بينها أربع مجموعات من الأعمدة الحمراء عددها 44عمود ما زالت تظهر عليها آثار الرسومات القديمة من القديسيين والسيدة العذراء والطفل يسوع وترجع معظم الأعمدة الى القرن الرابع الميلادى أما عن سقف الكنيسة فهو عبارة عن ألواح من الخشب المكشوف يعود تاريخها إلى القرن السادس عشر وقد تم ترميمه فى القرن الماض ولم يبق من الموزاييك الذى كان يغطى الجدران سوى آثار قليلة والذى يعود إلى القرن الثانى عشر وكانت الرسوم تمثل شجرة عائلة يسوع بحسب رواية متى 1، 1-17 ولوقا 3، 23-38 (الجزء الجنوبى) وعلى الجزء الشمالى نجد المجامع الكنسية ومشهد حياة يسوع كذلك توجد تحت مستوى الأرضية الحالية التي تعود إلى الحقبة الجوستنيانية فسيفساء قسطنطين وهى عبارة عن أشكال هندسية ملونة فى غاية الدقة والجمال.