سلمى في الجذور وتراث العرب
بقلم: د . محمد فتحي راشد الحريري
سلمى من الأسماء العربية النسائية والرجالية، واسعة الإنتشار، وهي على ضربين:
بفتح السين (سلمى)
وضم السين (سلمى).
وكلاهما من الجذر الثلاثي (س ل م) وهذه العائلة نطالع فيها:
(س ل م): وهو موضوعنا هنا.
(س م ل): معنى سمل في لسان العرب سمل الثوب يسمل سمولا وأسمل أخلق وثوب سملة وسمل وأسمال وسميل وسمول قال أعرابي من بني عوف بن سعد صفقة ذي ذعالت سمول بيع امرئ ليس بمستقيل أراد ذي ذعالب فأبدل التاء من الباء وأنشد ثعلب بيع السميل الخلق الدريس وفي حديث عائشة ولنا سمل قطيفة السمل الخلق من الثياب وفي حديث قيلة أنها رأت النبي صلى الله عليه وسلم وعليه أسمال مليتين هي جمع سمل والملية تصغير الملاءة وهي الإزار قال أبو عبيد الأسمال الأخلاق الواحد منه سمل وثوب أخلاق إذا أخلق، أي اهترأ.
(م ل س): معنى ملس في لسان العرب الملس والملاسة والملوسة ضد الخشونة والملوسة مصدر الأملس ملس ملاسة واملاس الشيء امليساسا وهو أملس ومليس قال عبيد بن الأبرص صدق من الهندي ألبس جنة لحقت بكعب كالنواة مليس ويقال للخمر ملساء إذا كانت سلسة في الحلق قال أبو النجم بالقهوة الملساء من جريالها وملسه غيره تمليسا فتملس واملس وهو انفعل فأدغم وانملس في الأمر إذا أفلت منه وملسته أنا وقوس ملساء لا شق فيها لأنها إذا لم يكن فيها شق فهي ملساء وفي المثل هان على الأملس ما لاقى الدبر والأملس الصحيح الظهر ههنا والدبر الذي قد دبر ظهره ورجل ملسى لا يثبت على العهد، ويضرب به المثل.
والتمليس هو ما نسميه في كلامنا المعاصر (عملية الكوي)، وكوي أو كي الملابس عملية معروفة عند العرب منذ القديم، وكانوا يسمونها (القسامة) وقسم الملابس كواها فهو قسامي، والتمييز بين القسم بمعنى التفريق، وبين القسم بمعنى الكي، يحدده سياق النص، وهي دعوة منا للعودة الى الجذور وتعميم لفظ (القسامة)، بدلا من الكي.
قال ابن منظور: القسمة قيل امرأة حسنة الوجه وقيل موضع وقيل هو جؤنة العطار قال ابن سيده والمعروف عن ابن الأعرابي في جؤنة العطار قسمة، وأضاف قائلا:
والقسامي الحسن من القسامة والقسامي الذي يطوي الثياب أول طيها حتى تتكسر على طيه، قال رؤبة بن العجاج:
طاوين مجدول الخروق الأحداب *** طي القسامي برود العصاب
(م س ل): المسل محركة: خط من الأرض ينقاد عن ابن عباد. قال ابن السكيت: المسل: مسيل الماء نقله الجوهري وفي المحكم: المسل والمسيل: مجرى الماء. وهو أيضا: ماء المطر. وقيل: المسل: المسيل الظاهر. ج: أمسلة ومسل بضمتين ومسلان بالضم ومسائل. وزعم بعضهم أن ميمه زائدة من سال يسيل
(ل س م): معنى لسم في لسان العرب ألسمه حجته ألزمه (من باب تعاور حرفي الصفير: السين والزاي)، كما يلسم ولد المنتوجة ضرعها وقال ابن شميل الإلسام إلقام الفصيل الضرع أول ما يولد ويقال ألسمته إلساما فهو ملسم ويقال ألسمته حجته إلساما أي لقنته إياها وأنشد لا يلسمن أبا عمران حجته فلا تكونن له عونا على عمرا ابن الأعرابي اللسم السكوت حياء لا عقلا
(ل م س): معنى لمس في لسان العرب اللمس الجس وقيل اللمس المس باليد لمسه يلمسه ويلمسه لمسا ولامسه وناقة لموس شك في سنامها أبها طرق أم لا فلمس والجمع لمس واللمس كناية عن الجماع لمسها يلمسها ولامسها وكذلك الملامسة وفي التنزيل العزيز أو لمستم النساء وقرئ أو لامستم النساء وروي عن عبد الله بن عمر وابن مسعود أنهما قالا القبلة من اللمس وفيها الوضوء وكان ابن عباس يقول اللمس واللماس والملامسة كناية عن الجماع.
ونعود إلى الجذر (س ل م)، وسلمى:
جاء في اللسان لابن منظور: معنى سلم في لسان العرب السلام والسلامة البراءة تسلم منه تبرأ وقال ابن الأعرابي السلامة العافية السلامة شجرة وقوله تعالى: {وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما} سورة الفرقان / 63 .معناه تسلما وبراءة لا خير بيننا وبينكم ولا شر وليس السلام المستعمل في التحية لأن الآية مكية ولم يؤمر المسلمون يومئذ أن يسلموا على المشركين، هذا كله قول سيبويه. وزعم أن أبا ربيعة كان يقول: إذا لقيت فلانا فقل سلاما، أي تسلما. قال ومنهم من يقول سلام أي أمري وأمرك المبارأة والمتاركة قال ابن عرفة قالوا سلاما أي قالوا قولا يتسلمون فيه ليس فيه تعد ولا مأثم وكانت العرب في الجاهلية يحيون بأن يقول أحدهم لصاحبه أنعم صباحا وأبيت اللعن ويقولون سلام عليكم فكأنه علامة المسالمة وأنه لا حرب هنالك ثم جاء الله بالإسلام فقصروا على السلام وأمروا بإفشائه.
والسلامى كحبارى: عظم في فرسن البعير، وعظام صغار طول إصبع أو أقل في اليد والرجل، والجمع (سلاميات). ، والسلم المرقاة، وقال الزجاج سمي السلم سلما لأنه يسلمك إلى حيث تريد، والسلم السبب إلى الشيء سمي بهذا الاسم لأنه يؤدي إلى غيره كما يؤدي السلم الذي يرتقى عليه. قال الجوهري وربما سمي الغرز بذلك.
واسم سلمى كان شائعا، وأشهر من وردت في اسمه قبل الإسلام زهير بن أبي سلمى، (1) صاحب المعلقة (ت قبل البعثة بسنة تقريبا)، وبعد الإسلام سلمى زوج سعد بن أبي وقاص (سلمى بنت خصفة بن ثقف بن ربيعة)، التي كانت سببا في توبة سجينها أبي محجن الثقفي، في قصة مشهورة، خلاصتها أن أبا محجن سجن في بيت سعد لمعاقرته الخمرة، ولما نشبت معركة القادسية أنشأ يقول:
كفى حزنا أن تطعن الخيل بالقنا
وأترك مشدودا علي وثاقيا
إذا قمت عناني الحديد وأغلقت
مصارع من دوني تصم المناديا
وقد كنت ذا مال كثير وإخوة
فأصبحت منهم واحدا لا أخا ليا
فلله دري يوم أترك موثقا
وتذهل عني أسرتي ورجاليا
حبيسا عن الحرب العوان وقد بدت
وإعمال غيري يوم ذاك العواليا
ولله عهد لا أخيس بعهده
لئن فرجت أن لا أزور الحوانيا
وسمعت سلمى تفجعه وأعطته البلقاء، فرس سيدنا سعد بعد أن استوثقت منه بالرجوع، وشارك في المعركة وعاد إلى سجنه تائبا نادما!
ويزخر الشعر العربي باسم سلمى وسليمى (بالتصغير)، فهل لكثرة وروده سبب معين؟
قد تكون سلمى أو سليمى محبوبة الشاعر أو أو زوجه أو قد يكون لخفة الاسم دور أو غير ذلك، وهذا مثال من الشعر، عمرو بن كلثوم يهجو النعمان بن المنذر معيرا إياه بأمه سليمى .. فقال:
حلت سليمى بخبت بعد فرتاج
………… وقد تكون قديما في بني ناج
إذ لا ترجي سليمى أن يكون
…………. من بالخورنق من قين ونساج
ولا يكون على أبوابها حرس
……….. كما تلفف قبطي بديباج
تمشي بعدلين من لؤم ومنقصة
……. مشي المقيد في الينبوت والحاج
ومسلمة اسم على وزن مفعلة من السلم سلمة، بكسر اللام وهو اسم رجل، و سلمى اسم رجل كما أسلفنا، وسلمى اسم امرأة أيضا وهو الأشهر، و قال ابن جني: ليس سلمان من سلمى كسكران من سكرى ألا ترى أن فعلان الذي يقابله فعلى إنما بابه الصفة كغضبان وغضبى وعطشان وعطشى، وليس سلمان سلمى بصفتين ولا نكرتين وإنما سلمان من سلمى كقحطان من قحطى، وليلان من ليلى غير أنهما كانا من لفظ واحد فتلاقيا في عرض اللغة من غير قصد ولا إيثار لتقاودهما. ألا ترى أنك لا تقول: هذا رجل سلمان ولا هذه امرأة سلمى كما تقول هذا رجل سكران وهذه امرأة سكرى وهذا رجل غضبان وهذه امرأة غضبى. وكذلك لو جاء في العلم ليلان لكان من ليلى كسلمان من سلمى وكذلك لو وجد فيه قحطى لكان من قحطان كسلمى من سلمان. والعهدة على النحوي البارع ابن جني رحمه الله.
وقال الجوهري (صاحب الصحاح): سلمى حي من دارم. وقال:
تعيرني سلمى وليس بقضأة *** ولو كنت من سلمى تفرعت دارما
وقال: وفي بني قشير سلمتان سلمة بن قشير وهو سلمة الشر وأمه لبينى بنت كعب بن كلاب، وسلمة بن قشير وهو سلمة الخير وهو ابن القشيرية؛ قال ابن سيده: السلمتان سلمة الخير وسلمة الشر، وإنما قال الشاعر:
يا قرة بن هبيرة بن قشير *** يا سيد السلمات إنك تظلم
لأنه عناهما وقومهما.
وجاء في القاموس المحيط: وسلمى، كسكرى: موضع بنجد، وأطم بالطائف (والأطم هو الحصن)، وجبل لطيئ شرقي المدينة، وحي، ونبت وصحابيان، وست عشرة صحابية.
وأم سلمى: امرأة أبي رافع.
وكحبلى: سلمى بن عبد الله بن سلمى، وابن غياث، وابن منقذ، (قلت: هذا يدحض قول من قال أنه ليس في العرب سلمى بالضم إلا والد زهير الشاعر)! وشاهدنا الآخر هو أبو سلمى القتباني، أو هو كسكرى (أي سلمى) ..
والسلامان: شجر، وماء لبني شيبان، وأورد البكري في (معجم ما استعجم) سلمى: اسم جبل، وأظنه اليوم قريب من منطقة الصنمين في حوران بسورية (بين دير العدس وزمرين تقريبا).
ومن الصحابيات الصحابية سلمى بنت عميس بن معد بن تميم بن الحارث بن شهران بن خثعم أمها هند، وهي خولة بنت عوف بن زهير بن الحارث بن حماطة بن جرش. أسلمت قديما مع أختها أسماء بنت عميس، تزوجت بأسد الله حمزة بن عبدالمطلب فولدت له ابنته عمارة وهي التي كانت بمكة فأخرجها علي بن أبي طالب في عمرة القضية فاختصم فيها علي وزيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب وأراد كل واحد أخذها إليه فقضى بها رسول الله لجعفر بن أبي طالب من أجل أن خالتها أسماء بنت عميس كانت عنده، وقال رسول الله: "إن المرأة لا تنكح على عمتها ولا على خالتها". بعد استشهاد حمزة في غزوة أحد سنة 3 للهجرة، وقد ترملت سلمى هذه فتزوجها شداد بن الهاد الليثي فولدت له عبد الله.
ومن الصحابيات أم مسطح بنت أبي رهم واسم أبي رهم أنيس، بفتح الهمزة، وكسر النون، وهي ابنة خالة أبي بكر الصديق، أمها بنت صخر بن عامر، يقال: اسمها سلمى بنت صخر ابن عامر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة. ولها ذكر في حديث الإفك ..
ومنهن أم المنذر الأنصارية، اسمها: سلمى بنت قيس. إحدى خالات النبي الأكرم (صلى الله عليه وسلم).
ومنهن سلمى إحدى "الأخوات الأربع المؤمنات الصحابيات: – ميمونة، و أم الفضل، وسلمى، و أسماء" رضي الله عنهن.
ونختم بقصيدة الشاعر الجاهلي نهشل بن حري، التي يخاطب بها محبوبته السيدة سلمى قائلا (من البحر البسيط):
إنا محيوك يا سلمى فحيينا *** وإن سقيت كرام الناس فاسقينا
وإن دعوت إلى جلى ومكرمة *** يوما سراة كرام الناس فادعينا
إنا بني نهشل لا ندعي لأب *** عنه ولا هو بالأبناء يشرينا
إن تبتدر غاية يوما لمكرمة *** تلق السوابق منا والمصلينا
وليس يهلك منا سيد أبدا *** إلا افتلينا غلاما سيدا فينا
إنا لنرخص يوم الروع أنفسنا *** ولو نسام بها في الأمن أغلينا
بيض مفارقنا تغلي مراجلنا *** نأسو بأموالنا آثار أيدينا
إنا لمن معشر أفنى أوائلهم *** قول الكماة ألا أين المحامونا
لو كان في الألف منا واحد فدعوا *** من فارس خالهم إياه يعنونا
إذا الكماة تنحوا أن يصيبهم *** حد الظباة وصلناها بأيدينا
ولا تراهم وإن جلت مصيبتهم *** مع البكاة على من مات يبكونا
ويركب الكره أحيانا فيفرجه *** عنا الحفاظ وأسياف تواتينا
============== حاشية:
(1) – قيل ليس في العرب اسم (سلمى) بضم السين غير الشاعر المزني زهير بن أبي سلمى. وهو كلام جاء ما يرده وينقضه، والله أعلم.