دير أبو مينا بوابة المقدّسين المسيحيين من أوروبا إلى القدس عبر سيناء
القاهرة "المسلة" كتب د. عبد الرحيم ريحان …. تعد منطقة آثار أبو مينا إرث حضارى على المستويين الأثرى والدينى فهى تمثل مدرسة لفنون العمارة المسيحية ومركزاً للرحلة المقدسة للمسيحيين من أوروبا عبر الإسكندرية إلى القدس عبر سيناء ومنطقة أبو مينا 75كم غرب الإسكندرية 60كم جنوب مدينة برج العرب القديمة ويقع الموقع الأثرى خلف الدير الحديث ويحده مصرف مائى من الجهات الأربعة ومساحة الموقع ألف فدان وهو مسجل كأثر بالقرار رقم 698 لسنة 1956 وسجل كتراث عالمى باليونسكو عام 1979 .
القديس مينا
وتشير سلفانا جورج عطالله مديرة الوعى الأثرى وعضو لجنة تطوير الموقع إلى المعالم الأثرية لآثار أبو مينا التى تنسب إلى القديس المصرى مينا العجايبى الذى ولد من أبوين مصريين مسيحيين وكان والده والى شمال أفريقيا وقد توفى فى وقت مبكر وترك مينا شاباً يافعاً فقام الحاكم الجديد بتولية الجندى مينا الفرقة الرومانية بشمال أفريقيا تقديرا لوالده وفى أيام الإمبراطور دقلديانوس ومرسومه باضطهاد المسيحيين أعلن القديس مينا بشجاعة عن إيمانه فتم القبض عليه واضطهاده ثم قطع رأسه فى القرن الثالث الميلادى وطبقاّ للتقليد الكنسى القبطى حمل أصدقائه من الجنود جثمانه على جملين وساروا به فى صحراء مريوط وفى موقع المنطقة الأثرية الحالية وقف الجملين فاعتبرها الجنود إشارة لدفن جثمان القديس فى هذا المكان وبالفعل تم دفنه فى قبر كان نواه لكنيسة صغيرة ثم لمدينة كاملة عرفت بالمدينة الرخامية.
حكاية اكتشاف المنطقة
وتصف سلفانا جورج الموقع موضحة أن المدينة يتوسطها فناء متسع على شكل ميدان محاط بصفوف من الأعمدة كان يتجمع فيه المقدّسين المسيحيين وهو محاط بعدة مبان لأغراض مختلفة وفى الشمال تقع دور الضيافة الخاصة بإيواء المسيحيين وفى الجزء الجنوبى تقع الكنائس التى كان مبناها الرئيسى هو كنيسة المدفن التى تضم قبر القديس مينا وكان هناك طريق كبير خاص بالمواكب يمتد بين دور الضيافة ويؤدى إلى الميدان وتم الكشف عن جزء منه وتدل بداية هذا الطريق على وجود قوس نصر مصمم على شكل بوابة ضخمة ذات ثلاثة أجزاء على كل من جانبيها أروقة ذات أعمدة ويتصل هذا الطريق بطريق عام كان موجوداً بشمال المدينة .
وتتابع سلفانا وصفها بوجود حمامين كبيرين بجوار منازل المقدّسين المسيحيين وهما الحمام المزدوج والحمام الشمالى كما تم الكشف عن مبان لحوانيت وورش فخار ومصنع نبيذ وغيرها وقد بدأت الحفائر الأثرية من خلال البعثة الألمانية بقيادة كارل كوفمان عام 1905والذى حاول على مدى عامين اكتشاف المنطقة وقد أهدى أحد الصبية بالمنطقة العالم الآثارى كوفمان قارورة عليها كتابات يونانية أدت لاكتشاف بقايا فرن لعمل الفخار عندما دله الصبى على مكان العثور على القارورة ومنها كان اكتشاف المنطقة الأثرية.
مقبرة القديس مينا
ونتابع رحلتنا العلمية مع الباحثة سلفانا جورج عن نتائج الحفائر بالمنطقة حيث قام العالم الآثارى بريشيا بالتعاون مع المتحف اليونانى الرومانى ببناء سوراً حديداً حول مقبرة القديس مينا فى الفترة ما بين عامى 1925- 1929 ثم بدأ التنقيب مرة أخرى من قبل المعهد الألمانى للآثار بالقاهرة بقيادة عالم الآثار الألمانى بيتر جرسمان فى الفترة ما بين1961 وحتى عام 2002 وأسفرت نتائج الحفائر عن كشف قبر القديس مينا تحت الأرض والذى يقع فى الوقت الحالى تحت الكنيسة المعروفة بكنيسة المدفن وقد شيدت مقبرة لرفات القديس مينا فى بادئ الأمر على سطح الأرض وكانت عبارة عن بناء مفتوح ذى أربع قوائم ولم ينقل إلى تحت الأرض إلا فيما بعد والمقبرة الحالية عبارة عن مكان به درجان أحدهما مخصص للنزول والآخر مخصص للصعود مما يدل على كثرة عدد الزائرين للمقبرة ويؤدى السلم الى ردهة مربعة الشكل مزودة بالأعمدة فى كل أركانها ويعلوها قبو متقاطع وبعد ذلك ممر ذا عقد مقوس يؤدى إلى حجرة الدفن وكانت حجرة الدفن تعلوها قبة وأمام جدارها الجنوبى القبر المبنى من الأحجار الذى يضم جسد الشهيد وكان مزداناً بالزخارف .
كنائس الموقع
وتشير العالمة الشابة سلفانا جورج إلى مبانى الكنيسة بمنطقة المقدّسين المسيحيين القديمة بأبو مينا والتى تشكّل مجمعاً معمارياً ضخماً يتكون من ثلاثة مبان منفردة ومتصلة ببعضعها البعض بشكل مباشر وهذه المبانى من الشرق إلى الغرب هى البازيلكا الكبرى وكنيسة المدفن والمعمودية وتعتبرالكنيسة الكبرى على طراز البازيليكا من أضخم كنائس مصر وتتكون من صحن أوسط يبلغ اتساعه أكثر من 14م وجناحين جانبيين يفصلهما عن الصحن صفين من الأعمدة المرمرية التى لايزال الكثير من قواعدها باقية حتى اليوم ويشكّل الطرف الشرقى الحنية ( مكان المذابح الثلاثة) ويلى البازيليكا الكبرى كنيسة المدفن من جهة الغرب وهى تعلو مقبرة القديس مينا مباشرة وتعتبر أهم مبنى فى هذا المكان وقد بنيت على أربعة مراحل أهمها المرحلة الرابعة حيث بنيت على طراز التتراكونش ( أربعة أنصاف قباب) وترجع تلك الكنيسة لفترة حكم الإمبراطور جستنيان فى منتصف القرن السادس الميلادى .
وأما الجزء الثالث فى البناء المركزى الكبير لكنيسة أبو مينا فهى المعمودية التى تعود لمنتصف القرن السادس الميلادى وهى عبارة عن بهويين كبيرين مزخرفان بتجاويف مستديرة وأعمدة على الجانبيين أكبرهما ثمانى الشكل ويحتويان على جرن معمودية وربما وجود معموديتين للفصل بين النساء والرجال الذى يتم تعميدهم بعد اعتناقهم للمسيحية بالإضافة إلى ذلك توجد الكنيسة الشرقية ذات الطراز التتراكونش والحمامات وهما الحمام المزدوج والحمام الشمالى والورش والحوانيت والمنازل وغيرها من أطلال المبانى للمدينة السكنية القديمة.
قارورات القديس مينا
وتلقى سلفانا جورج الضوء على مقتنيات الموقع الهامة المكتشفة أثناء الحفائر أهمها القارورات المعروفة بقارورات مار مينا وهى مصنوعة من الفخار ومتعددة الأحجام والإستخدام فقد كان بعضها صغير الحجم لوضع الزيت للتبرك والبعض الآخر كبير الحجم ليحفظ فيه الماء المباركة التى نبعت من عين بجانب القبر وكانت تشفى الكثير من المرضى ويمكن تقسيم تلك القارورات إلى ثلاث مجموعات والأكثر إنتشارا هى المحفور على أحد وجهيها القديس مينا واقفاً بملابسه الجندية بين جملين وأما المجموعة الثانية فقد وجد فيها وجه القديس مار مينا بشكل جانبى وبملامح نوبية وهذا الشكل موجود فى المتحف القبطى أما المجموعة الأخيرة فقد رسم على أحد وجهى القارورة القديسة تكلا لارتباط المقدّسين المسيحيين بزيارة ديرها الواقع بالقرب من منطقة أبو مينا.
مشروع التطوير
توضح الباحثة سلفانا جورج تأثر المنطقة على مر السنين بمشاريع الرى التى تحيط بالمنطقة الأثرية مما أدى لارتفاع منسوب المياه الجوفية وخاصة بقبر الشهيد مينا وعمقه 7 متر ووصل منسوب المياه الجوفية به إلى 6م وقد قام المجلس الأعلى للآثار عام 2007 بمشروع ضخم لتخفيض منسوب المياه الجوفية بالمنطقة وتم تشغيله فى عام 2009 وهو عبارة عن هدارين تشغلهما 170 طرمبة لسحب المياه ببطئ من المنطقة وطردها إلى خارجها ونجح المشروع بالفعل إلا ان انقطاع التيار الكهربائى فى السنوات الثلاثة السابقة تسبب فى عطل عمل الهدرات مما أدى الى إزدياد المياة مرة أخرى فضلاّ عن حاجة المنطقة لسور لحمايتها من التعديات وغيرها.
ومن أجل ذلك قامت إدارة تطوير المناطق الأثرية بغرب الدلتا برئاسة د. أحمد رمسيس سامح مدير عام الإدارة وعضوية كلاّ من سلفانا جورج عطالله مدير الوعى الأثرى وفاطمة أحمد مفتشة بالإدارة تحت إشراف مدير عام غرب الدلتا أ. وحيد إبراهيم بوضع تصور لمشروع تطوير يتلخص فى ثلاث مراحل المرحلة الاولى تعتبر أساسا للمرحلتين التاليتين وأهمهما وهى حل مشكلة المياه الجوفية بتخفيض منسوبها بصورة بطيئة وضمان عدم عودتها مرة ثانية للمنطقة الأثرية وذلك بنظام طرد للمياه محكم ويعتمد على الطاقة الشمسية لإدارة الطرمبات وليس الكهرباء لضمان تشغيل نظام الطرد لمدة 24 ساعة .
وتوضح سلفانا جورج أن المرحلة الثانية تتمثل فى تطوير منطقة الكنيسة الكبرى البازيليكا وتغطيتها بفيبر شفاف أو زجاج على شكلها القديم ووضع بطاريات الطاقة الشمسية على سقفها الجمالونى لإضاءة المنطقة بالكامل واستغلال المساحة الداخلية للبازيلكا لعرض 3D من خلال شاشات عرض كبيرة للزائرين عن تاريخ المنطقة وتطور الرهبنة ودخول المسيحية إلى مصر وغيرها مما يزيد الزائرين بالوعى الأثرى للمكان وذلك بعد إزالة التعديات بالموقع وبخصوص قبر القديس مينا فقد وضع مشروع التطوير تصور لتطويره وإعادة رونقه على شكله القديم وإعادة رفات القديس مينا به لإرجاع رحلات المقدّسين المسيحيين لهذا المكان المقدس ووضعه على قائمة الخريطة السياحية العالمية .
وكذلك إحياء طريق المواكب وإعادة ترسيمه على أن يكون هو طريق الزيارة ويتم استغلال استراحة البعثة الألمانية للعالم كوفمان بعمل متحف بها لعرض مقتنيات أثرية لتطور الزى الرهبانى وغيرها بأسلوب عرض متحفى علمى وعمل الكثير من الإستراحات والبازرات للزائرين فى الطريق ووضع تصور لفرض تذاكر للمنطقة حتى تعود على المكان والوزارة بعائد مادى يتم استغلاله لتطوير باقى المنطقة وفى نهاية المرحلة التانية يتم عمل تشجير يحيط بالمنطقة الأثرية لحمايتها بدلا من السور الخرسانى وذلك لتقليل التكلفة وأيضا يعطى منظر جمالى أفضل وحماية أقوى.
وأما المرحلة الثالثة فهى تطوير باقى المنطقة الأثرية وخاصة المنطقة الشمالية من منازل وحمامات والكنيسة الشرقية وغيرها مع إقامة استراحة بالمكان لاستقبال الزائرين خاصة فى عيد القديس والاحتفالية به وقاعة مؤتمرات لعقد موتمرات ثقافية وأثرية بالمنطقة والكشف عن باقى التلال الأثرية الموجودة بالموقع بالتعاون مع البعثة الألمانية.
وموقع "المسلة" السياحى يهيب بوزارة الآثار لتدبير ميزانية لتنفيذ هذا المشروع ويهيب بكل الوزارات المعنية ومحافظة الإسكندرية والمؤسسات والكنيسة والإعلام والمجتمع المدنى وضع هذا المشروع موضع التنفيذ العاجل والمساهمة كل فى مجاله للتعجيل بتنفيذه والترويج له داخلياً وخارجياً .