العراقيون يحتفلون بأول قصر للثقافة والفنون
بغدد: رشا الفاضل
ها هو الحلم ينزل على أرض الواقع مرتديا أبهى حلته متجسدا بقصر حقيقي ضم بين أجنحته أحلام سنوات عجاف كان فيها الفضاء ضيقا لا يتسع لكلماتنا التي كنا نحتار في نشرها وإطلاع الآخرين عليها. وربما من الغريب أن أتذكر وأنا أحضر افتتاح القصر الثقافي الأول في العراق معاناتنا كأدباء وذلك الركود الثقافي الذي عانيناه لسنوات طوال كان فيها المشهد الثقافي في المدينة خابياً ومشتتاً لأننا كنا بلا مكان، ومن هنا تنبع أهمية المكان الذي هو بمثابة وطن يلم بددنا وحروفنا ولوحاتنا وألواننا المتناثرة هنا وهناك.
ها أنا أشهق بالفرح، وأنا أحضر هذا الإحتفال البهيج بولادة هذا الصرح الثقافي العظيم بكل ما يحمله من قيم حضارية وجمالية، وما يمثله من خطاب حضاري يرتفع ويسمو فوق لغة القتل والدمار التي أصبحت "عنوة" صفة ملازمة لهويتنا العراقية.
ومن هنا أقول إن تشييد هذا الصرح الثقافي في هذا الوقت بالذات لهو أكبر دليل على أصالة وعراقة هذا الشعب المتجذر في الإبداع والضارب بعمق في جذور الحضارة منذ السومريين وحتى اليوم وهو انتصار لهوية العراق الحقيقية بدليل احتفائه بالثقافة رغم الظرف الأمني الصعب الذي تشهده البلاد منذ سنوات، ورغم كل المخاوف التي كانت تحيط بي شخصيا. وكان الآخرون يشاركونني بها من أن تنسف فرحتنا بحزام مفخخ أو سيارة تحمل الموت، ذلك لأن الجمال والإنسان هو المستهدف من كل ما يحدث، رغم ذلك كله لم أستطع منع نفسي من الحضور لرؤية الحلم وهو يرتدي أحلى ثيابه ولأكون شاهدة على ولادة هذا الصرح الثقافي وبمباركة السيد وزير الثقافة الدكتور ماهر الحديثي الذي أكد في كلمته على أن البقاء للثقافة والإبداع وإن كل ما يحدث هو عابر بكل الدمار الذي يحمله.
وكان في اجتماعنا هذا تأكيد على ذلك فقد كان اللقاء تحديا لانكسارالإنسان العراقي ودمار البنى التحتية وإعادة تكوين وتنظيم بعد الفوضى التي طالت كل شيء حتى الحلم.
***
وقبل أن تأتي الجرافات وتجرف معها المعالم القديمة التي تشكل ملامح سكانها وبساطتهم في التعاطي مع مفردات الحياة، تلك البساطة المتمثلة في البيوت الطينية والعلاقات المبنية على الأخوّة والمحبة يوم كانت البيوت كلها بيتا واحدا وكان الحزن والفرح واحدا في قلوب الجميع.
كل هذه التفاصيل وأكثر كانت متمثلة بالمعرض الذي أقامه الإعلامي رياض الجابر بمناسبة إفتتاح قصر الثقافة والفنون حيث حملت الصور الفوتوغرافية روح المدينة وملامحها الحقيقية وهذه ليست المرة الأولى التي يحتفي بها رياض الجابر بتأريخ المدينة فقد كانت له مشاركات عدة منها فلم وثائقي يصوّر مدينة تكريت في فترة الثمانينيات ليؤرخ تلك الحياة البسيطة بأناسها البسطاء، وعن سبب اهتمامه بتوثيق الماضي فوتوغرافيا وسينمائيا قال:
"منذ كنت طالبا كنت مهتما بالتصوير ولأنني مؤمن بأن التاريخ لا ينتظر أحدا بقيت أوثق ما كنت شاهدا عليه لأني أعرف أن كل ما التقطه سيصبح جزءا من تاريخ المدينة ذات يوم، وهذا ما حدث فعلا حيث إن أغلب صور هذا المعرض التي التقطتها وّثقت لأماكن لم يعد لها وجود فقد تحولت هذه الأماكن إلى مواقع حكومية، ولم يتبق من تلك الأماكن الا ما أرّخته ذاكرة الكاميرا وقد التقطت بعضها على شكل بانوراما صورية تحكي تاريخ البساطة لهذه المد.
لم يكن المعرض خاصا بالصور الفوتوغرافية فحسب، بل اشتمل على العديد من اللوحات والزخارف والأعمال الخزفية وأعمال السيراميك لفنانين مختلفين هذا بالإضافة إلى العديد من الفعاليات منها قراءات شعرية وعزف على العود وكانت الخاتمة هي معرض الكتاب الذي عُرضت فيه العديد من إصدارات دار الشؤون الثقافية مما أعطى لهذا الإحتفال تشاكلا وتداخلا مع كل أنواع الإبداع مؤكدا هوية هذا المنجز الثقافية ليكون بحق قصر الثقافة والفنون.
المصدر: ميدل ايست اونلاين