قلعة القطن بتركيا.. سياحة وشفاء
تعد ينابيع باموكالي الدافئة في تركيا، التي تظهر على شكل مدرجات باللون الأبيض من أشهر المزارات السياحية في البلاد، وقد تشكلت هذه المدرجات الجيرية عبر ملايين السنين، لكنها تعرضت لعبث الإنسان في فترات سابقة، وهو ما أفقدها بريقها الأبيض الناصع.لكن السلطات التركية قامت ببعض الإجراءات للحفاظ على ينابيع باموكالي التي تعني في اللغة التركية "قلعة القطن"، مثل هدم الفنادق المحيطة بالمنطقة وحظر الاستحمام في هذه الينابيع الدافئة، وهو ما أدى إلى استعادة جزء من رونقها السابق حيث تلبس "قلعة القطن" ثوبا ناصع البياض حتى أثناء الليل.
وبينما ينشغل معظم السياح بقضاء أمسياتهم في الفنادق والمنتجعات السياحية، تفوتهم فرصة الاستمتاع بإطلالة رائعة على مدرجات باموكالي أثناء الليل. وتزهو هذه الترسيبات الجيرية ذات اللون الأبيض والرمادي، في منظر يشبه سفوح جبال الألب عند ذوبان الجليد، أو كأنها قلعة من القطن تخطف عقول وقلوب الناظرين إليها.
وهناك الكثير من العائلات التركية تقصد ينابيع باموكالي الساخنة، التي تندرج ضمن قائمة التراث العالمي لمنظمة اليونسكو، لقضاء أوقات فراغهم والتنزه، علاوة على تدفق أفواج غفيرة من السياح للاستمتاع بهذا الجمال الطبيعي الخلاب لكن يتعين عليهم السير حفاة مع توخي أقصى درجات الحذر عند السير على مدرجات الحجر الجيري الزلقة.
أطلال هيرابوليس:
وتعتبر باموكالي ثانية أشهر المزارات السياحية في تركيا، لأنها تزخر فضلا عن تلك الينابيع بالعديد من المواقع الأثرية لمدينة هيرابوليس، كالمسرح المدرج الذي أُعيد ترميمه مؤخرًا ومقبرة كبيرة ومعبد للإله أبوللو وبوابة المدينة.وكانت هذه المنطقة مقصدا للأشخاص الذين يعانون من أمراض الدورة الدموية والروماتيزم والقلب قبل ألفي عام، بحثًا عن وسيلة للتخفيف من معاناتهم وآلامهم. وشهد القرنان الثاني والثالث الميلاديين ازدهارًا لمدينة هيرابوليس، فأصبحت آنذاك منتجعا صحيا للراغبين في الاستشفاء، حيث كان يُسمح للناس بالاستحمام في ينابيع المياه المعدنية الدافئة.
لكن السلطات التركية أصدرت قرارا بحظر الاستحمام في هذا الإرث الطبيعي منذ أكثر من 15 عاما لأن تدفق الأفواج السياحية بكثرة على هذه المنطقة والاستحمام فيها أدى إلى تعرض الحجر الجيري إلى أضرار بالغة.ولا تزال هذه المنطقة الأثرية محتفظة بعلامات الإهمال ومظاهر عبث الإنسان بالجمال الطبيعي؛ حيث تظهر على حواف المدرجات الجيرية (المكان الذي لا يتدفق فيه الماء) أجزاء باللون الرمادي الضبابي، لكن هذه الأضرار والتلفيات كانت أكبر بكثير قبل عشرين عاما.
ضرر بيئي:
وتضرر هذا الموقع التراثي من جراء الأخطاء البيئية التي ارتكبت خلال العقود الماضية، حيث شهدت فترة الستينيات من القرن الماضي إقامة فندق على حافة المدرجات الجيرية وإنشاء طريق يخترق هذه المعجزة الطبيعية، مما أدى إلى تدمير الموقع، حيث كان يتم توجيه مياه الصرف الصحي أحيانا نحو المدرجات الجيرية، وهو ما خلف ندرة الترسبات المعدنية.
ومع تردي حالة الموقع الأثري دق دعاة حماية البيئة ناقوس الخطر، وهو ما دفع منظمة اليونسكو إلى التهديد بسحب هذا الموقع من قائمة التراث العالمي. ويستعيد أحد أصاحب المطاعم في المنطقة ذكريات هذه الفترة ويقول إنه لحسن الحظ استجاب السياسيون والسلطات التركية بسرعة للحيلولة دون حدوث ذلك.
وأصدرت السلطات التركية عام 1996 قرارا يحظر الاستحمام في هذه الأحواض الطبيعية الدافئة التي تحتوي على حمض الكربونيك وكربونات الكالسيوم. ومنذ ذلك الحين يتم تنظيم عملية تجول السياح بصرامة شديدة داخل هذه المحمية الطبيعية. كما تم هدم الفنادق والبدء في مشروعات إصلاح وإعادة تأهيل الموقع الأثري. ورغم كل الجهود المبذولة فإن المدرجات الجيرية لن تستعيد جمالها الغابر ورونقها الذي كانت عليه في العصور القديمة.
المصدر : الجزيرة