حرية التحليق في السماء ليست بلا حدود في أجواء أوروبا
بروكسيل تسعى لفرض غرامات على شركات الطيران لتقليص تلوث الجو
بروكسيل "المسلة" … الدليل على أن حرية التحليق في السماء ليست بلا حدود تقدمه تجارة الانبعاثات لحركة الطيران في أوروبا. فسلطات بروكسيل تسعى للتقليص من تلوث الجو بفرض غرامات على الشركات التي تتجاوز الكمية المسموح بها من الانبعاثات السامة.
وتدور خلافات بين عدة دول حول ضرورة شراء حقوق الانبعاثات في حال إطلاق طائرات شركات الدول المعنية كميات من ثاني أوكسيد الكربون تفوق المسموح به من قبل المفوضية الأوروبية في الأجواء الأوروبية. وتسعى بروكسيل بتلك القوانين إلى التقليص من تلوث الجو بسبب حركة الطيران المدني.
وإذ رحب مدافعون عن البيئة بقرار المفوضية الأوروبية لتقنين كميات انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون داخل الأجواء الأوروبية تلتزم به جميع شركات الطيران المدني، فإن الكثير من الناس يخشون أن تلجأ شركات الطيران إلى تغطية تكاليف شراء أو تبادل حقوق الانبعاثات السامة عن طريق فرض أسعار أعلى على تذاكر السفر بالطائرة.
وتسببت القرارات الأوروبية في انتقادات قوية في الخارج، لاسيما في الولايات المتحدة الأمريكية حيث رفض مجلس الشيوخ مؤخرا تلك القرارات الأوروبية، وأصدر البرلمان في واشنطن مشروع قانون يهدف لحماية شركات الطيران الأمريكية من ضرورة شراء حقوق الانبعاثات ليتم تصعيد الضغط على الاتحاد الأوروبي، وإجباره على مراجعة قراراته المثيرة للجدل.
الولايات المتحدة الأمريكية ترفض الضرائب الأوروبية
ويقول رئيس الرابطة الألمانية لاقتصاد النقل الجوي كلاوس بيتر زيغلوخ لـ DW بأن قرار مجلس الشيوخ الأمريكي قد تترتب عنه تبعات إضافية جد سلبية، لأنه يمكن بعد الصين والهند أن تقول بلاد تحتضن حركة طيران كبيرة " نحن أيضا لن نشارك في هذا النظام"، ويقول زيغلوخ "إن هذه الفرضية لا تؤخذ بجدية في أوروبا أو بروكسيل". وأشار زيغلوخ إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية ترد بقوة في حال محاولة فرض ضرائب عليها من أي جانب كان. وأوضح هذا المسؤول الألماني "أن الأمريكيين سيتساءلون لماذا يعطي الاتحاد الأوروبي لنفسه الحق في فرض ضرائب على رحلة جوية من لوس أنجليس إلى أوروبا، أي عبر أمريكا والأطلسي لُتوظف تلك الأموال في أوروبا".
ويخفي تفهم كلاوس بيتر زيغلوخ للموقف الأمريكي منفعة مبطنة للرابطة الألمانية لاقتصاد النقل الجوي التي تفضل أن يتخلى الاتحاد الأوروبي عن قراراته بشأن تقليص انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون من خلال فرض ضرائب على شركات الطيران. ويقول زيغلوخ إن القوانين الأوروبية ترفع الضغوط على هذا القطاع الحيوي الذي يعاني من الأزمة المالية. وعبر زيغلوخ عن خشيته من تفاقم الأوضاع بين ضفتي الأطلسي في حال تشبث الجانب الأوروبي بقراراته، الأمر الذي قد يتسبب في ردود فعل أمريكية مضادة، علما أن الحكومتين الصينية والهندية أعلنتا عن اتخاذ تدابير مضادة في حال إصرار الأوروبيين على تنفيذ تلك القرارات.
خسائر أكبر بسبب الأزمة المالية
وتمر شركات الطيران الأوروبية بأوقات عصيبة، لأن ارتفاع أسعار النفط وأزمة الديون في منطقة اليورو تضع شركات الطيران الأوروبية تحت ضغوط أكبر مما كان متوقعا. ويتوقع اتحاد النقل الجوي الدولي أن يسجل قطاع الطيران المدني في أوروبا هذا العام خسائر تصل إلى 600 مليون يورو، لكن الخبراء يتوقعون في الوقت نفسه أن تحقق شركات الطيران أرباحا على المستوى الدولي.
ميشاييل كريمير لا يرى سببا مقنعا ليحيد الاتحاد الأوروبي عن مساره في هذه المسألة. ويقيم كريمير الخبير في شؤون النقل الذي يمثل حزب الخضر في البرلمان الأوروبي قرار مجلس الشيوخ الأمريكي بأنه قرار سياسي، مشيرا في آن واحد إلى قرار المحكمة الأوروبية العليا التي أقرت في ديسمبر 2011 بأن القرارات المرتبطة بتجارة الانبعاثات لا تتعارض مع مبادئ الأعراف الدولية ولا مع اتفاقية الأجواء المفتوحة Open-Skies التي تلتزم بموجبها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بحرية حركة النقل الجوي. وقال كريمير "إنه من حق أوروبا أن تسن قوانين مثل ما يحق للولايات المتحدة الأمريكية أن تصدر قوانينها"، وعبر عن ثقته في أنه دون المبادرة الأوروبية لما حصل أدنى تحرك في حماية البيئة في مجال النقل الجوي. وقال "إنه من الضروري أن تحافظ أوروبا على الضغط، وأنا مقتنع من أننا سنصل إلى نتيجة".
"أوروبا ضد بقية العالم"
وتدرك سلطات الاتحاد الأوروبي مدى حجم الصعوبات والمنافسة التي تواجهها حركة الطيران. ففي وثيقة قدمها مندوب الاتحاد الأوروبي لشؤون النقل سيم كالاس الخميس 27 سبتمبر 2012 في بروكسيل ُطرحت بعض المقترحات لمساعدة قطاع النقل الجوي. ووصفت الوثيقة تجارة الانبعاثات "كعقبة اقتصادية إضافية" في أوروبا، كما أشارت الوثيقة إلى أن شركات الطيران الأوروبية "تكافح في سوق دولية صعبة من أجل البقاء". لكن المفوضية الأوروبية لا تريد التخلي عن تجارة الانبعاثات،
وتأمل في أن تلتزم باقي دول العالم بمعايير الحفاظ على البيئة وإيجاد ظروف عمل متساوية للجميع. وُتعلق الآمال حاليا على اتحاد النقل الجوي الدولي ليقوم بجهود وساطة خلال مؤتمره في نهاية العام الجاري للتوصل إلى قوانين دولية.
وابتداء من أبريل/ نيسان المقبل ستشتد المعركة الاقتصادية عندما تبدأ السلطات الأوروبية في فرض عقوبات مالية في حال تجاوز شركات الطيران الدولية الكميات المسموح بها من انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون في الأجواء الأوروبية. فإذا أطلقت طائرة طنا واحدا إضافيا من ثاني أوكسيد الكربون، فإنها ستدفع غرامة 100 يورو. ويخشى كلاوس بيتر زيغلوخ أن تؤدي تلك الغرامات المالية إلى "اشتعال حرب تجارية دولية" لن تبقى الدول الأخرى مكتوفة الأيدي أمامها. وأوضح أنه يمكن القول "بأن أوروبا تعمل في الحقيقة ضد باقي العالم".