فى ذكرى الإسراء والمعراج
القاهرة "المسلة" د. عبدالرحيم ريحان … حين حرق الصهاينة المسجد الأقصى عام 1969 قالت "جولدا مائير" رئيسة وزراء الدولة الصهيونية وقتها إنها لم تستطع النوم ظناً منها أن العرب والمسلمين سيهبون ضد الاحتلال فى اليوم التالى للحريق.
لكن أعصابها ارتاحت عندما وجدت العرب لا يتقنون إلا الشجب والاستنكار فهل يملك الصهاينة الجرأة على مثل هذا الفعل بعد ثورات الربيع العربى وعودة الروح للشعوب العربية والإسلامية ومن ملامحها لأول مرة فى تاريخ اليونسكو اعترافها بفلسطين كدولة كاملة العضوية فى منظمة "اليونسكو" فى تحدى واضح للتهديد الأمريكى بسحب تمويل المنظمة وجاء هذا لرغبة الشعوب العربية الصادقة والتى عبر عنها الاتحاد العام للآثاريين العرب فى أكتوبر 2011 حين أصدر توصية هامة فى نهاية مؤتمره السنوى بضرورة اعتراف اليونسكو بفلسطين كدولة كاملة العضوية فى المنظمة .
وهذا سيؤدى للحد من التهويد المستمر للمسجد الأقصى ومدينة القدس والتراث الفلسطينى عامة وقد كانت الدولة الصهيونية تقوم بتقديم مواقع أثرية فلسطينية لتسجيلها باليونسكو على أساس أنها تراث إسرائيلى كما أعلن الشيخ رائد صلاح الدين رئيس الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطينى المحتل يوم الجمعة 8 يونيو أن ثورات الربيع العربى أوقفت المشروع الصهيونى قائلاً "لقد صار الاعتداء على المسجد الأقصى أمراً يحسب له ألف حساب لأنه إذا ما تم تنفيذ مخطط هدمه فالأمة ستقف لذلك بالمرصاد ولن يحول بينها وبين الدفاع عن أقصاها حائل.
كما كان فى السابق وساهمت الثورات فى الحد من تنفيذ الاحتلال الإسرائيلى لمخططاته فى المسجد الأقصى واستطاع موقف الشباب العربى معززاً بموقف الأزهر من تراجع الاحتلال عن هدم جسر المغاربة الذى اتخذوا قراراً بهدمه فى وقت سابق "
ملامح المخطط الصهيونى
تذكرة للشعوب العربية والإسلامية الثائرة ضد الظلم والطغيان والفساد بأكبر جرائم ظلم وطغيان بالتاريخ اقترفتها وتقترفها الأيدى الصهيونية الملطخة بدماء الفلسطينيين وبتدنيس الأقصى الشريف حيث جندت كل أموالها وأبواقها فى مؤامرة ترصد لها الأموال الطائلة وتنفذ عن طريق منظمات وجماعات يهودية منذ عام 1967 وحتى الآن تهدف إلى هدم المسجد الأقصى لتفريغ القضية من محتواها وجوهرها .
وتم ذلك عن طريق أعمال حفائر أثرية مرت بعشر مراحل باءت كلها بالفشل والمحاولات مستمرة بدأت فى أعقاب احتلالهم للقسم الثانى من القدس بعد حرب 1967 فى أواخر عام 67 وتم هدم حى المغاربة نهائياً لتكون الأرض جاهزة لأعمال التنقيب واستمرت الحفريات سنة كاملة وصل عمقها 14م ثم استمرت أعمال الحفر أسفل المسجد الأقصى والتى بدأت منذ عام 1968 على امتداد 70م من أسفل الحائط الجنوبى للحرم القدسى خلف قسم من جنوب المسجد الأقصى وأبنية جامع النساء والمتحف الإسلامى والمئذنة الفخرية الملاصقة له ووصل عمقها إلى 14م بهدف كشف مدافن ملوك إسرائيل فى مدينة داود كما يدّعوا واستكملوها عام 1969 على امتداد 80م آخر من سور الحرم الشريف ابتداءاً من نهاية المرحلة السابقة ومتجهاً شمالاً حتى أحد أبواب الحرم الشريف (باب المغاربة ) ماراً تحت مجموعة من الأبنية الإسلامية التابعة للزاوية الفخرية وعددها 14 مبنى تصدعت جميعها وأزالتها الجرّافات الإسرائيلية وأجلت سكانها بتاريخ 14/6/1969 وفى نفس العام تم حرق المسجد الأقصى ومنذ عام 1970 وحتى 1975 تم الحفر أسفل عمارة المحكمة الشرعية القديمة وهى أقدم الأبنية التاريخية بالقدس ماراً شمالاً بأسفل خمسة أبواب من أبواب الحرم الشريف وهى باب السلسلة – المطهرة – القطانين وباب علاء الدين البصيرى وامتدت 180م بعمق مابين 10 إلى 14م وتسببت فى هدم عدد من الآثار الإسلامية منها الجامع العثمانى ورباط الأكراد والمدرسة الجوهرية .
الإعداد لهدم الأقصى
من عام 75حتى 1976 تم الحفر فى مكان قرب منتصف الحائط الشرقى لسور مدينة القدس ولسور الحرم الشريف والذى يقع بين باب السيدة مريم والزاوية الشمالية الشرقية من سور المدينة وأزالوا مقابر للمسلمين تضم رفات الصحابيين الجليلين عبادة بن الصامت وشداد بن أوس رضى الله عنهما وفى عام 1977 فى مشروع لتوسيع مساحة البراق الشريف والتى يسمونها ساحة المبكى وهى الملاصقة للحائط الغربى للمسجد الأقصى والحرم الشريف لضم أقسام أخرى من الأراضى العربية المجاورة للساحة وهدم ما عليها تم حفرها بعمق 9م أدت لتدمير 200عقار عربى إسلامى تشكل القسم الأكبر من الحى المغربى هدمتها الجرّافات الإسرائيلية وشردت جميع أهلها ويقدر عددهم 800 نسمة.
وفى عام 1988 كانت أخطر مراحل الحفر اعتمدت على مخطط صهيونى لتفريغ الأتربة والصخور من تحت المسجد الأقصى ومسجد قبة الصخرة لترك المسجدين قائمين على فراغ ليكونا عرضة للانهيار بفعل أى تقلبات مناخية أو اهتزازات طبيعية أو حتى صوت عالى تسببه طائرة تخترق حاجز الصوت لولا عناية الله لتم هذا المخطط ولكن فطنت دائرة الأوقاف الإسلامية بالقدس للمؤامرة فسارعت إلى إقامة سياج حول الأرض المجاورة للحائط الشرقى لمنع أعمال الحفر وفى سبتمبر 1996 تم شق نفق فى عهد نتنياهو ولا يزال الحفر مستمراً وأن هناك أكثر من 120 جماعة يهودية تركز جهودها لحفر المزيد من الأنفاق وهناك نفق جديد كشفته مؤسسة الأقصى لإعمار المقدسات الإسلامية فى مارس 2008 ملاصق للجدار الغربى للمسجد الأقصى عند حائط البراق يشكّل خطراً كبيراً على المسجد الأقصى.
وكل ذلك يتم فى مدينة احتلت بقوة السلاح وضمت بقرار غير شرعى أتخذ من جانب واحد مما لا يجوز معه لسلطة الاحتلال أن تقوم بأى نوع من أنواع الحفر مهما كانت قيمتها أو حسن أداؤها واعترف مدير الآثار بالجامعة العبرية بأن المسئول عن هذه الحفريات لا يملك الخبرة للحفر تحت الجدران وأن عمله قد يسفر عن تدمير آثار هامة بالإضافة إلى السرقات التى تمت للمكتشفات التى يتم العثور عليها وبيعها إلى تجار العاديات بالقدس وفى العالم الخارجى.
الهيكل المزعوم
يتم كل هذا الحفر أسفل المسجد الأقصى جرياً وراء أوهام أثرية عن وجود هيكل مزعوم أسفل المسجد تحت مزاعم أثرية اعتمدوا عليها لإثبات وجود هذا الهيكل المزعوم واتضح أنها أدلة تنفى وجوده من الأصل ومنها ما يدعيه اليهود باسم حائط المبكى على أنه من بقايا الهيكل القديم فقد فصل فى هذه القضية منذ عام 1929م .
و جاء فى تقرير لجنة تقصى الحقائق التى أوفدتها عصبة الأمم السابقة على الأمم المتحدة (إن حق ملكية حائط المبكى – البراق – وحق التصرف فيه وفيما جاوره من الأماكن موضع البحث فى هذا التقرير هى للمسلمين لأن الحائط نفسه جزء لا يتجزأ من الحرم الشريف) ولتأكيد وجود هذا الهيكل المزعوم أدّعوا كشف مبانى يطلق عليها اسطبلات سليمان وجاءوا بعالمة الآثار البريطانية كاثلين كينيون لتؤكد صحة هذا الكشف وقامت بأعمال حفائر بالقدس وطردت من فلسطين بسبب فضحها للأساطير الإسرائيلية حول وجود آثار لهيكل سليمان أسفل المسجد الأقصى .
ولقد اكتشفت أن ما يسميه الإسرائيليون مبنى إسطبلات سليمان ليس له علاقة بنبى الله بسليمان ولا إسطبلات أصلاً بل هو نموذج معمارى لقصر شائع البناء فى عدة مناطق بفلسطين ولقد نشرت هذا فى كتابها (آثار الأرض المقدسة) هذا رغم أن كاثلين كينيون جاءت من قبل جمعية صندوق استكشاف فلسطين التى أسستها المنظمات الصهيونية لغرض توضيح ما جاء فى الروايات التوراتية وأما النقطة الثالثة التى اعتمدوا عليها لإثبات وجود الهيكل هى عثورهم على قطعة أثرية عبارة عن كرة من العاج لا يتجاوز حجمها أصبع الإبهام يزعمون أنها كانت توضع فى أعلى صولجان استخدمه رهبان المعبد والذى أثبت أن هذه القطعة مزورة متحف إسرائيل نفسه وشهد شاهد من أهلها إذاً فالهيكل هو الوهم والمسجد الأقصى هو الحقيقة الدينية والأثرية والتاريخية.
الأقصى الشريف
عندما فتح الخليفة عمر بن الخطاب رضى الله عنه القدس 15 هـ ، 636م فإن أول ما فعله هو البحث عن مكان المسجد الأقصى والصخرة المقدسة واضعاً نصب عينيه الرواية التى سمعها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء وسأل الصحابة وكعب الأحبار (وهو من اليهود الذين أسلموا ) والبطريرك صفرنيوس بطريرك القدس.
وكان عمر بن الخطاب يراجع المرافقين له حين يدلونه على مكان لا يجد أوصافه تنطبق على ما لديه قائلاّ ( لقد وصف لى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد بصفة ما هى عليه هذه ) والمقصود هنا البقعة المباركة التى أسرى برسول الله صلى الله عليه وسلم إليها وصلى فيها إماماً بجميع الأنبياء وليس المسجد كبناء والصخرة المقدسة التى عرج منها للسموات العلى وقد عثر الخليفة عمر بن الخطاب على مكان المسجد الأقصى والصخرة المقدسة وكان المكان مطموراً بالأتربة التى تكاد تخفى معالمه وعند رفع الأتربة كان المكان خالى تماماً من بقايا أى مبانى سابقة رغم ما يزعمه اليهود بأن تيتوس الرومانى دمر الهيكل الثانى عام 70م فعندما رفع عمر بن الخطاب الأتربة.
لم يكن هناك ولو حجر واحد من مبانى سابقة ولا أى شواهد أثرية تدل عليه وهذا طبيعى فإذ لم يكن هناك هيكل أول فبالتالى لايوجد هيكل ثانى وأمر عمر بن الخطاب بإقامة مسجد موضع المسجد الأول وإقامة ظلة من الخشب فوق الصخرة المقدسة وعندما جاء الخليفة الأموى عبد الملك بن مروان بنى قبة الصخرة فوق الصخرة المقدسة عام 72هـ، 691م ثم بنى الخليفة الوليد بن عبد الملك المسجد الأقصى عام 86هـ ، 709م والمسجد الأقصى المذكور فى سورة الإسراء أية 1 ليس المقصود به المسجد كبناء معمارى فلم يكن هذا البناء قائماً بالقدس سنة 621م ليلة الإسراء وإنما المقصود بالمسجد الأقصى مدينة القدس كلها وكذلك عبارة المسجد الحرام تعنى كل مدينة مكة ولا تقتصر على الكعبة
الوجود اليهودى بفلسطين باطل
أكد علماء الآثار من أنحاء العالم أن الهيكل المزعوم لا وجود له وبالتالى يهدم كل الأفكار الصهيونية عن أى تاريخ يهودى بفلسطين والذى قامت عليه الدولة الصهيونية إذاً فالوجود اليهودى على أرض فلسطين باطل حيث أكد عالم الآثار الإسرائيلى مائير بن دوف أنه لا يوجد آثار لما يسمى بجبل الهيكل تحت المسجد الأقصى وقد جاء المسلمون .
ولم يكن هناك أى أثر لهيكل بهذه المنطقة التى بنى بها المسجد الأقصى وأكد أن أعمال الحفائر الإسرائيلية أكدت أنه لا يوجد أى أثر لهذا الهيكل ويشير عالم الآثار السورى د. عفيف البهنسى أن استمرار هاجس البحث عن الهيكل يشغل المؤسسات الإسرائيلية ورغم العثور على آثار لا علاقة لها بتاريخ اليهود إلا أنهم يصرون على عدم الاعتراف بالفشل فى العثور على الهيكل المزعوم وأن التوراة تذكر أن هيرودس الرومانى كان أكثر الحكام بطشاً باليهود وهذا يتناقض مع القول بتشييد هيكل لهم لا نظير له وحتى هذا الهيكل الثانى المزعوم فلا أثر له ويذكر عالم الآثار الإسرائيلى بجامعة تل أبيب إسرائيل فنكلشتاين أن من يقومون بالحفريات فى القدس يحاولون خلط الدين بالعلم و أن هناك منظمات يهودية يمينية متطرفة من بينها جمعية إيلعاد تقوم بالحفر ولم تعثر على قطعة أثرية واحدة من قصر النبى داود ويؤكد عالم الآثار المصرى د. فرج الله يوسف أنه منذ عام 1865م تم إعلان قيام صندوق استكشاف فلسطين .
بدعم من رجال الأعمال البريطانيين وبدأ عمله بإرسال بعثة بقيادة تشارلز ورن الملازم فى الجيش البريطانى فقام بحفر أكثر من سبعة وعشرين سرداباً رأسياً فى الجهتين الجنوبية والغربية من المسجد الأقصى فى محاولة لإثبات أنه شيد على أنقاض الهيكل المزعوم لكنه فشل فى الوصول لنتائج تثبت هذا الادعاء وتم تأسيس الفرع الأمريكى للصندوق فى شيكاغو 1869م وفى عام 1890م قام الأثرى البريطانى بترى بالتنقيب فى خربة عجلان بفلسطين وفى تل حاسى ثم غادر فلسطين بعد فشله فى تأكيد صحة الروايات التوراتية وكل التنقيبات منذ الاحتلال البريطانى لفلسطين وحتى اليوم فشلت فى تقديم أدلة على الوجود اليهودى .