القاهرة الفاطمية.. كل حجر فيها يحكي حكاية.. كل أثر فيها يشهد على أحداث هامة مرت على مصر ومازالت تشهد على عظماء التاريخ المجيد وما خلفوه من تراث واثار باقية تثبت للعالم مكانة مصر على مر العصور تستمتعون الليلة فى برنامج مسافرون على قناة الـ ON.TV الساعة الثامنة مساءً بصحبة الخبير السياحى الدكتور . عاطف عبد اللطيف بحلقة خاصة جداً تنقلنا الى عصر جميل ممتع عصر المعمار والسلاطين والشخصيات التاريخية التى ساهمت فى احياء التراث حتى الان .
الغورية.. الروح الشعبية تعانق جمال العمارة
والغورية حي تجاري عريق عرف قديما باسم سوق الشرابشيين وكانت به دكاكين لصناعة وخياطة الملابس السلطانية ثم سمي بالغورية نسبة إلي السلطان الغوري .
ومن هذا الحي استوحي الشاعر محمد على أحمد كلمات أغنية "يا رايحين الغورية" التي لحنها كمال الطويل وغناها محمد قنديل، وفيها يقول "يا رايحين الغورية هاتوا لحبيبي هدية .. هاتوا له توب من القصب يليق على رسمه.. والطرحة ويا الشال وسلسلة وخلخال".. وهي نماذج مما يتم بيعه في هذا الحي.
ويشتهر سوق الغورية بوجود سوق مستقل للأقمشة المحلية، وتنتشر في الحي الورش الصغيرة وفيها يتم تصنيع الطرابيش، وكذلك العباءات والملابس الحريمي بأنواعها المختلفة.
وتشتهر الغورية بانها حي "الهدايا" وتعتبر أكبر أسواق الاكسسوارات الشعبية الحريمي مثل العقود والخواتم والخلاخيل.
ولمعرفة تاريخ المكان نعود في هذه الجولة إلي القرن التاسع الهجري أيام حكم السلطان قانصوه الغورى وهو آخر سلاطين المماليك البرجية، ويدعي الأشرف أبو النصر قانصوه الغورى.
ولد عام 1446 م وكان مملوكا للسلطان قايتباى الذي أعتقه لذكائه وشجاعته وجعله من جملة المماليك الجمدارية ثم خاصكياً ثم كشافاً بالوجه القبلي سنة 886هـ, ثم أنعم عليه الأشرف قايتباي بإمرة عشره سنة 889هـ وخرج في بعض الحملات العسكرية إلي حلب, ثم تولى نيابة طرطوس.
وقد عين حاجباً بحلب ثم نائباً لملطية, وأنعم عليه الملك النصار محمد بن قايتباي بإمرة الف ثم رأس نوبة النوب زمن الظاهر قانصوة خال الملك الناصر محمد بن قايتباي, وأخيرا ترقى إلي دوادار كبير.
وفي عام 1501 م تولي حكم مصر وكان عمره حينذاك ستون عاما، وذلك بعد أن أجمع الأخناد على توليته سلطنة مصر، وكان رافضاً لها خوفا من بطش الأمراء لانه ليس بافضلهم, ولكن الأمراء الكبار تجنبوا الإقدام على السلطنة خوفاً من بعضهم البعض, فأرادوا تولية من هو أضعف منهم حتى يمكنهم إقالته إذا أرادوا.
فقبل السلطنة بعد أن اشترط على الأمراء ألا يقتلوه إذا أرادوا خلعه فقبلوا منه ذلك. ولحنكة ودهاء الغوري فقد استطاع تثبيت حكمه وأخذ يتربص بكبار الأمراء حتى قمعهم وتخلص منهم ولم يتبق له منازع، واستمر في السلطنه خمس عشرة سنة وتسعة أشهر وخمسة وعشرين يوماً ، واستخدم الغوري الظلم والتعسف والنهب في أموال الناس, حتى انقطعت بسببه المواريث, وضج منه أهل مصر.
وبدخول السلطان سليم الأول مصر وخيانة جان بردي الغزالي وخاير بك وانضمامهما للجيش العثماني، هُزم جيش الغوري في موقعة مرج دابق عام 1517م وقتل، فأمر الأمير "علان" عبداً من عبيده فقطع رأس الغوري وألقى بها بعيداً, حتى لا تقع جثته في يد السلطان سليم فيطوفون برأسه على جميع البلاد, ولم يتعرف على جثته بعد إنقضاء المعركة. ولم يدفن بالقبة التي أعدها لنفسه.
غرام بالعمارة
كان الغوري مغرماً بالعمارة وترك خلفه ثروة فنية في مصر وحلب والأقطار الحجازية، كان اغلبها خيرية. واهتم كذلك بتحصين مصر فأنشأ قلعة العقبة وأصلح قلعة الجبل وأبراج الإسكندرية. وجدد خان الخليلى فأنشأه من جديد وأصلح قبة الإمام الشافعى ومسجد الإمام الليث وأنشأ منارة للجامع الأزهر.
وقد شيد الغوري مجموعة من المباني الدينية والتي تتميز بانها أخر مجموعة أبنية دينية كبيرة قبل الفتح العثماني لمصر 1517م، وتشتمل المجموعة علي مسجد و مدرسة ، خانقاه يمارس فيها طلبة الطرق الصوفية شعائرهم ، وكالة ، مدفن، وسبيل و كتَاب.
تقع مجموعة السلطان قانصوه الغوري الفريدة من المباني الاثرية على ناصية شارع المعز التاريخي الذى يعتبر أطول شوارع العالم الأثرية عند تقاطعه مع شارع الغورية. وتعد المجموعة الواقعة في الشارع عددا من المواقع الأثرية تتكون من قبة ووكالة وحمام ومنزل ومقعد وسبيل وكتاب وخانقاه. ضخما للآثار الإسلامية وهنا كتب الأديب الراحل نجيب محفوظ ثلاثيته الشهيرة : ( قصر الشوق ،السكرية ، بين القصرين) .
جامع أحمد بن طولون.. أكبر مساجد مصر
ثلاثة عناصر أساسية كانت تميز جامع أحمد بن طولون أكبر مساجد مصر عندما أمر بإنشاء هذا الجامع الأمير أبوالعباس أحمد بن طولون الذي يرجع أصله إلى المماليك الأتراك ومؤسس الدولة الطولونية في مصر،
هذه العناصر هي: بناؤه على جبل يشكر بن جديلة والذي ينتسب إلى تلك القبيلة العربية التي شيدت خطتها عليه عند الفتح العربي الإسلامي لمصر.
حيث منح بقعة عالية تشرف على المدينة من أعلى، كما قيل أن موسى عليه السلام ناجى ربه من على قمة هذه البقعة الشاهقة.
فيما يتمثل العنصر الثاني في تميز جامع أحمد بن طولون في طلب ابن طولون المهندس الذي شيد الجامع أن يشيد له مسجداً جامعاً لا تأتي عليه النيران أو تهدمه مياه الفيضان،
فإن احترقت مصر بقي وإن غرقت بقي، فيما ذكر المقريزي أن الجبل كان يشرف على النيل وليس بينه وبين النيل شئ ويتاخم بركة الفيل، وبركة هارون، فحقق المهندس رغبة ابن طولون، وبنى الجامع من الآجر (الحجر) الأحمر، ورفعه على دعامات من الآجر أيضا، بل لم يدخل في بنائه أعمدة من الرخام، سوى عمودي القبلة لأن أساطين (أعمدة) الرخام لاصبر لها على النار.
وعلى الرغم من أن تخطيط جامع بن طولون يتبع النظام التقليدي للمساجد الجامعة المكونة من صحن أوسط مكشوف يحيط به اربع ظلات أكبرها ظلة القبلة، إلا أنه ينفرد بمئذنة فريدة تعد من العناصر المعمارية المهمة والأساسية للمساجد وتكاد تكون الوحيدة في العالم الآن على هذا الشكل بعد أن تداعت توأمتها في سامراء ببغداد مؤخرا أثناء القصف الأميركي للمدينة، ويقول المقريزي أن ابن طولون بنى منارة هذا الجامع على صفة جامع منارة سامراء.
أما العنصر الثالث والذي يميز الجامع هو ذلك الجمال المعماري الطاغي الذي يجعل منه أحد أهم شواهد عصر من عصور مصر الرائعة حيث تجاوز في أوقات كثيرة دوره الديني إلى دور تنويري يجمع المصريين على هدف واحد وفكر واحد.
وإذا كان المؤرخون والباحثون قد اختلفوا في تحديد تاريخ بدء بناء المسجد والفراغ منه، فقد ذكر المقريزي أنه ابتدأ في بناء المسجد سنة 263هـ وفرغ منه في سنة 265ه، بينما ذكر عبدالله بن عبدالظاهر: أن الانتهاء من بناء المسجد بعد تاريخ المقريزي بعام، إلا أن المؤكد هو أن أحمد بن طولون دخل مصر عام (254هـ ـ 868م) وكانت ولايته قاصرة على الفسطاط فيما كان الخراج موكولا إلى ابن المدبر،
وكانت بغداد قد شهدت ميلاد أحمد بن طولون العام 220هـ ـ 835م، فيما نشأ وترعرع بمدينة سامراء، ودرس الفقه والحديث بعد حفظه للقرآن، لكن نقطة التحول الكبرى في حياته جاءت بعد أن توفي والده، فتزوجت أمه من باكباك الذي تقلد إمارة مصر من قبل الخليفة العباسي المعتز، حيث أناب أحمد بن طولون عنه في ولايتها.
باب الفتوح أو بوابة الفتوح
كل باب من أبوابها يفتح لك عن عالم مثير وكأنك عبرت بنفسك لتدخل إلى قلب مصر بكل تاريخها وحضارتها وتراثها.
والقاهرة الفاطمية ثرية بأبوابها التاريخية والتي لم يبقى منها إلا القليل لذا ستكون جولتنا اليوم بداخل أحد أهم أبواب مصر، وهو….
* المكان:
باب الفتوح – في سور مدينة القاهرة الفاطمية الشمالي بمدخل شارع المعز لدين الله الفاطمي.
* نبذة التاريخية:
– باب الفتوح بُنى سنة 480 هـ /1087م، أنشأه أمير الجيوش "بدر الجمالي"، بمساعدة المعماريين والحرفيين في عهد الخليفة الفاطمي المستنصر بالله.
– يعد باب الفتوح مدخلاً لأطول شوارع القاهرة الفاطمية العامرة بالمساجد والقصور والبيوت الأثرية والذي ينتهي بحي الغورية والصاغة ومسجد الإمام الحسين.
– يزين الباب برجان بتصميم نصف دائري على شكل بيضاوي ويبلغ عرض الواجهة 23م، وعمقها نحو 25م، وارتفاعها 22م، ويبدو البرجان وكأنهما مصنوعان من قطعة واحدة من الحجر ويعلو كل برج حجرة دفاعية بها فتحات لرمي السهام.
– يغطي مدخل البوابة قبة منخفضة تتكون مناطق الانتقال فيها من أربعة مثلثات كروية، وهذا هو أول ظهور لهذا النوع من القباب في مصر الإسلامية.
– تتميز بوابة الفتوح بالنقوش الهندسية الدقيقة والأشكال العربية المميزة فوق البوابة مع حزام زخرفي نقشت فيه بعض الآيات القرآنية، وللبوابة باب ضخم مصفح من الخشب والحديد.
– تحتفظ البوابة بعناصر زخرفية جميلة في عقدها الخارجي تشتمل على زخارف نباتية وهندسية متنوعة، وتمثل مرحلة متطورة بالنسبة للزخارف الحجرية في العمارة الإسلامية.
– توجد على جانب كل من البرجين فتحتان كبيرتان تدور حول فتحتيهما حلية مكونة من أسطوانات صغيرة.
– يزخرف المدخل أيضاً كوابيل بعضها على هيئة رأس كبش تبرز من وجه الحائط، وهو نموذج فريد للعمارة الإسلامية، ويزخرف جانبي البرجين من الداخل عقد كبير محفور في الحجر يزين منحناه فصوص.
– يربط بابي الفتوح والنصر سور المدينة الشمالي الذي يشتمل في ثلثه العلوي على سراديب مقببة بها فتحات لرمي السهام وعلى أبراج للدفاع عن المدينة.
– تسمية الباب بالفتوح تعود لخروج الجيوش المصرية للدفاع عن المدينة أو لفتوحات جديدة.
– كتبت أسماء بعض قادة الحملة الفرنسية على مصر بقيادة نابليون بونابرت على أبراج بابي الفتوح والنصر شاهدة على إقامتهم في مصر واستخدامهم لتلك الحصون أثناء حملتهم عليها.
– ملحق ببوابة الفتوح على يسار فتحة المدخل ضريح لأحد العامة الذي صنع منهم المصريون أولياء صالحين وظلوا يتحاكون عن حياتهم وإنجازاتهم.
البيوت الأثريّة… إشعاع ثقافي في قلب القاهرة
بيت الست وسيلة.. تحفة فنية في قلب الباطنية
القاهرة الإسلامية زاخرة ببيوتها وأبوابها التاريخية التي قامت وزارة الثقافة بترميم الكثير منها وإعادة الروح اليها خلال السنوات القليلة الماضية، حيث شهدت هذه المنطقة عودة محكى القلعة وبيت الهراوى وبيت زينب خاتون، ومن الجهة الأخرى بيت السحيمى، وغيرها من البيوت التى تنتمى إلى العصر الإسلامى.
ومن يطالع الفن المعمارى والهندسى لهذه البيوت، يجد تناغما وتوافقا بين معالمها، على الرغم من اختلاف أماكنها أو حتى أزمنتها.
وكان أحدث هذه البيوت من حيث الترميم، هو منزل الست وسيلة، أو السيدة وسيلة خاتون، ابنة عبد الله البيضا (معتوقة) – وهو الخارج أو الخارجة من الرق – ووالدتها السيدة عديلة هانم بنت إبراهيم بك الكبير.
وقد توفيت السيدة وسيلة فى 4 مايو 1835 وكانت آخر من سكن هذا البيت، الذى أنشأه الحاج عبد الحق وشقيقه لطفى أولاد الحاج محمد الكنانى سنة 1664م.
والبيت يقع خلف جامع الأزهر مباشرة وفى مواجهة بيت زينب خاتون فى حى الباطنية، ذلك الحى الشهير، الذى كان يعد وكرا لتجار المخدرات، الذين كانوا يستخدمون تلك البيوت الأثرية المهجورة فى تجارتهم الفاسدة!
والطريف أن من يدخل هذا الحى اليوم بأزقته الضيقة المتعرجة لا يمكن له أن يتصور أنه سيجد نفسه وقد انتقل إلى قرون مضت ببيوتها العريقة، والتى بدأت تتضح ملامحها شيئا فشيئا مع استمرار الترميم الذى بلغ حتى الآن 220 أثرا، ويتم أيضا ترميم 70 أثرا آخر! مما سيجعل من قلب القاهرة التاريخى كتلة من الإشعاع الحضارى والأثرى!
وكان منزل الست وسيلة دائما هو أحد المحطات المهمة لجميع الخبراء فى تقييم ما يحدث فى المدينة التاريخية وسجل زيارات المنزل شاهد على ذلك.
وبدأ العمل فى ترميمه مع نهاية 1999 وبداية عام 2000، وواجه المرممون صعوبات كبيرة، خاصة وأن العديد من ملامح المنزل كانت قد اختفت، فضلا عن أن به ميزات فريدة تميزه عن باقى المنازل والبيوت الإسلامية، ألا وهى الرسومات الجدارية.
أما بالنسبة لمنزل الست وسيلة ،وما تم به من ترميم، فانه يعبر عن مدرسة حديثة فى الترميم، هدفها الحفاظ على المبنى الأثرى من خلال تتبعه تاريخيا وربط كافة الشواهد المعمارية والأثرية للوصول إلى تصور معمارى متكامل للمبنى!
فعلى الرغم من كل ما تعرض له من كوارث طبيعية وبشرية، أثرت سلبا على الكثير من عناصره المعمارية، إلا أن هناك ما تبقى لاستنباط ما فقد منه، خاصة أن المنزل ينتمى إلى الطراز العثمانى.
حجاب المحبة
من أهم ما يتميز به هذا المنزل أيضا تلك اللوحات الجدارية، التى وجدت بقاياها على الجدران.
وقد بدت أجزاء كبيرة من بياض الحوائط كأنه نزع متعمدا، ثم اكتشف فريق العمل أن برنار موريه الخبير الفرنسى الذى عمل فى ترميم بيت الهراوى قد نزع هذه الجداريات وحفظها فى صناديق خوفا عليها من الاندثار فى حالة انهيار المبنى، وقد تم نقل هذه الصناديق التى يبلغ عددها 14 صندوقا لمخازن هيئة الآثار بالقلعة.
أما أطرف ما عثر عليه بمنزل الست وسيلة هو حجاب المحبة، وقد تم العثور عليه مطويا وملفوفا بخيط صوف أخضر اللون، مدفونا فى جدران أحد الغرف، وهو مكون من ورقتين عبارة عن طلاسم وآيات قرآنية تدعو بالألفة والمحبة بين صاحب البيت الأصلى، الذى قام ببنائه، ويدعى لطفى، وبين زوجته صفية!
وفيما يبدو أن هذا الحجاب تم دفنه فى الجدران أثناء بناء المنزل. رحم الله أصحاب المنزل، وجزا معماريه خيرا!
خصصت وزارة الثقافة بيت الست وسيلة ليكون مقصداً للشعراء الأمسيات الثقافية .. وفى هذا المكان متاحاً الشباب أن يقوموا بإلقاء قصائدهم أمام محبى الشعر .
• بيت «زينب خاتون»
• على رغم ما أشيع عن أن المرأة في العصرين المملوكي والعثماني عُزلت وراء المشربيات واقتصر دورها في إطار عالم الجواري والحريم، إلا أن زينب خاتون معتوقة الأمير المملوكي محمد بك الألفي وزوجة الأمير الشريف حمزة الخربوطلي أثبتت عكس ذلك؛ ففي عام 1798، جاءت الحملة الفرنسية إلى مصر وبدأ نضال المصريين فشاركت فيه زينب خاتون إذ كانت تؤوي الفدائيين والجرحى عندما يطاردهم الفرنسيون.
• يكشف لنا بيت «زينب خاتون» ملامح عمارة بيوت القاهرة في العصر المملوكي ويمتد بنا إلى العصر العثماني. فقد بُني عام 1486م، أيام حكم المماليك لمصر، على يد الأميرة «شقراء هانم»، حفيدة السلطان الناصر حسن بن قلاوون، وفي العصر العثماني تعاقب الوافدون الجدد على سكن البيت وأضفوا لمساتهم عليه، وكان آخرهم زينب خاتون التي سمِّي البيت باسمها. وبعد وفاتها، آل البيت إلى الأوقاف المصرية التي استلمته وأجّرته للكثيرين، من بينهم قائد بريطاني أيام احتلال بلاده لمصر. وفي منتصف القرن العشرين الميلادي أجرت هيئة الآثار المصرية إصلاحات كثيرة في البيت وخصصته للزيارة، ومع بداية القرن الواحد والعشرين حوَّلت وزارة الثقافة حجرات المنزل في الدور الأول إلى قاعات فنية تستقبل المعارض الفنية التشكيلية والحرف التقليدية.
• والمنزل من الناحيتين الجمالية والمعمارية يحمل سمات العمارة المملوكية ويمتد بنا إلى العصر العثماني، فمدخله «منكسر» صمِّم بحيث لا يمكن للضيف أو المارة في الشارع رؤية من في الداخل. وتصميم البيت عبارة عن فناء كبير تحيط به محتويات الدار من قاعات الضيوف وحجرات في طابقين، والهدف من تصميمه بهذا الشكل ضمان وصول الضوء والهواء الى واجهات البيت وما تحويه من حجرات. يشمل الطابق الأول «المندرة»، مكان مخصص لاستقبال الضيوف من الرجال، و{اسطبل الخيل» و{المزيرة»، مكان مخصص لحفظ المياه، و{المطبخ» و{الطاحونة» و «مخزن الغلال».
• يقول أستاذ العمارة الإسلامية في كلية الآثار- جامعة القاهرة الدكتور مصطفى نجيب: «استخدم المعماري القباب في تغطية أسقف كل من «الطاحونة» و{مخزن الغلال» و{المزيرة» كوسيلة لتكييف الهواء، وهو ما يتناسب مع وظيفة هذه الحجرات للحفاظ على برودة المياة أو حفظ الغلال. فمن المعروف أن الهواء الساخن، الأكثر تمدداً، يصعد إلى أعلى بينما يتحرّك الهواء البارد الأقل تمدداً إلى أسفل».
• يضيف نجيب: «اختلف أسلوب تغطية الأسقف في الطابق الثاني من البيت ما بين قبة كبيرة تتدلى منها ثريا للإضاءة وسقف مسطح مزين بالزخارف النباتية والهندسية والآيات القرآنية. ويشتمل هذا الطابق على مقعد للرجال وهو ما يطلق عليه «السلاملك»، ومقعد للحريم وهو ما يسمى بـ{الحرملك». فيما استُخدمت المشربيات المطلة على صحن البيت للتهوية والإضاءة».
• «الحرملك» أكثر عناصر البيت رحابة وجمالاً، فالزخارف تمتدّ إلى أعلى السقف، الذي تتدلى منه ثريا معدنية كبيرة تضاء بالزيت. وتعلو السقف قبة متسعة، أُطلق عليها «الشُخشيخة» في العمارة الإسلامية. وتعمل على إدخال مزيد من الإضاءة إلى الحجرة وخلق مجال لتيار الهواء.
• وعلى جانبي المشربيات المطلة على صحن البيت، تمتد «الكتبيات»، التي كانت تحفظ فيها النساء الكتب والمصاحف وأطباق الفاكهة والمسليات التي تقدم للضيوف، فربما كانت تجلس السيدة مع صديقاتها لتطّلعن على الكتب أو لتتسامرن فيما تستمتعن بالهواء والضوء أسفل المشربية.
• يعلِّق نجيب: «تعد قاعة الحرملك أكثر أجزاء البيت خصوصية، لا تدخلها إلا صاحبة الدار وزوجها أو صديقاتها والجواري، إذ يتصل بهذه القاعة حمام للسيدات يُستخدم للاستحمام وليس مرحاضاً، مقسم إلى ثلاثة أقسام أشبه بالتكوين المعماري للحمامات العامة التي انتشرت في شوارع القاهرة واستخدمت لتدليك العرائس وتجميلهن قبل الزفاف.
• ويدل وجود الحمام في البيت على مدى اهتمام السيدة في ذلك العصر بصحتها وجمالها. وينقسم إلى ثلاثة أجزاء: الحمام نفسه، غرفة التدليك وغرفة الاستراحة. فبعد أن تخرج السيدة من الحمام، تتجه إلى غرفة التدليك التي يأتي البخار إليها من فتحات خاصة، بعدها تنتقل لتستريح في غرفة صغيرة مجاورة قبل أن تتجه إلى غرفة الملابس. ويفصل هذه الأخيرة عن الحمام سلّمان صمِّما خصيصاً بارتفاع كبير لتقوية عضلات السيقان}.
• ولزيادة الخصوصية ألحقت صاحبة الدار ركناً خاصاً بالولادة على الجانب الأيسر من الحجرة يشتمل على سرير وكرسي للولادة.
• يرتبط منزل زينب خاتون بقصة كنز عثر عليه أثناء ترميم المنزل في تسعينيات القرن الماضي داخل أحد جدرانه، فقد فوجئ فريق الترميم عند هدم أحد جدران البيت الآيلة للسقوط بقدر فخار كبير مخبأ داخل الحائط، حيث اصطدم بفأس أحد العمال وانفجرت منه عملات ذهبية ترجع الى العصرين المملوكي والعثماني.
• وتؤكد مسؤولة قسم العملات في متحف الفن الإسلامي بالقاهرة الدكتورة ماجدة يوسف أن هذا الاكتشاف يفسر الظاهرة الاقتصادية والاجتماعية التي اصطلح عليها علماء الآثار باسم «ظاهرة الاكتناز» التي شاعت في أوقات الشدة، إذ كان يحتفظ الأثرياء بالعملات الذهبية والفضية الجيدة في أماكن خفية عن أعين اللصوص أو الأعداء ليستعينوا بها وقت النوائب والأزمات. تضيف يوسف: «عثورنا على هذا الكنز بعد مرور مئات السنين يشير إلى أن صاحب الكنز ربما مات أو قُتل قبل إبلاغ ذويه بمكان الكنز، لذلك وصلتنا كميات كبيرة من العملات عالية العيار وجيدة الصنع.